المرأة تدفع الثمن الأبهظ للصراع والوباء في ليبيا

الحروب لعبة الرجال بصفة عامة، وكذلك الخصوم السياسيون في ليبيا خاضوا الحرب لسنوات عديدة، متجاهلين احتياجات النساء في أغلب الأحيان، وباتت ليبيا محتاجة إلى مساهمة الجميع لتكون قادرة أخيرا على التقاط طوق النجاة والخروج من عنق الزجاجة. الناشطة والباحثة الليبية أسماء خليفة تقرب لنا صورة المرأة الليبية في ظل الصراع العسكري الليبي على السلطة وفي زمن الجائحة.

الكاتبة ، الكاتب: Asma Khalifa

بمجردِ أن أُعلِنَتْ في ليبيا حالةُ الطوارئِ بسبب وباء كورونا، بدأت الحكومةُ في طرابلس صرفَ الأموال المخصصّصةِ لمكافحةِ وباء فيروس كورونا. الكثير منها غرقَ في صفقاتٍ فاسدةٍ أو استُخدِمت لإسكاتِ مخاوف العامةِ. في نهايةِ المطافِ، يدركُ الليبيون تمامَ الإدراكِ أنّه إن أثّرت فيهم الأزمة الصحية، فلن يكون لديهم أيّ مكان ليذهبوا إليه.

كان الليبيون يسافرون إلى تونس من أجل الحصولِ على المعالجةِ الطبيّةِ لوقت طويل قبل عام 2011. وعلى الرغمِ من أنّ إغلاقَ الحدود بسبب فيروسِ كورونا يمنعُ السفرَ الآن، إلّا أنّ القيودَ المفروضةَ على سفرِ النساءِ ليست بشيء جديدٍ. فبسببِ انهيارِ جهاز الأمن، باتت النساء اللواتي قُيِّد سفرهن نتيجةً لذلك غير قادراتٍ على السفر بالمركبات بمفردهن بحريةٍ بين المدنِ للوصولِ إلى الخدماتِ، بما في ذلك الخدمات الصحيّة.

وغالباً ما يكونُ الأمن على الطرقِ غير مستقرٍ. إذ لا يمكنُ أن تندلع النزاعاتُ المسلحةُ في أيّ لحظةٍ فحسب، بل أنّ الطرقَ مليئةٌ أيضاً بنقاطِ التفتيشِ الوهميةِ حيث غالباً ما يُختطفُ المواطنون الليبيون، ويُحتجزون في سبيلِ الحصولِ على فديةٍ.

 

 مقاتلون تابعون لِـ "الجيش الوطني الليبي" مرتدون الأقنعة - ليبيا. (photo: Imago-Images/A. Salahuddien)
عالَمُ رجالٍ: تكتب أسماء خليفة: "بسبب الطابعِ الجندري للغايةِ للنزاعِ الليبي، النساءُ تحديداً مفقودات من مشهد الصورةِ، لأنّهن لا يقاتلن ولسن ممثَّلات في الحكومةِ". وفي حين أنّ حظرَ التجوّلِ قد يساهمُ بالفعلِ في تسطيحِ منحنى فيروس كورونا، إلّا أنّه لا يأخذُ بالحسبانِ الأثرَ الإنساني على العائلاتِ التي تكافحِ بالفعلِ بسبب عقدٍ من النزاعِ.

 

النساءُ محاصراتٌ بين النزاعِ والصحّةِ

وقد تفاقم الوضعُ في غربِ ليبيا بسبب الحربِ الدائرةِ هناك، إذ تُستهدفُ المستشفياتُ والمرافقُ الصحيّة والعاملون في القطاعِ الطبّي بسهولةٍ. ففي السابعِ من نيسان/أبريل 2020، أصابَ قصفٌ عنيفٌ من قبل القوات المسلحة العربية الليبية قسمَ العنايةِ والولادةِ في مستشفى الخضراءِ، مما أدّى إلى إصابةِ عاملٍ صحي وإلحاقِ أضرارٍ بالمستشفى. ومستشفى الخضراء هي أحد المرافق الصحيّة المخصّصة لاستقبالِ مرضى فيروس كورونا المحتملين.

كما دُمِّرَ مستشفى رويال التخصصي في طريقِ الشوك في جنوبِ طرابلس في أواخرِ نيسان/أبريل 2020. إضافةً إلى أنّ المستشفيات تفتقرُ للمعدّاتِ، والمياهِ والأسرّةِ لاستقبالِ تدفّق محتملٍ للمرضى. وهذا من شأنهِ أن يُعرِّضَ الطاقمَ الطبي، الذي تشكِّلُ النساءُ فيه غالبية طاقمِ التمريضِ، لخطر الإصابةِ بالعدوى.

وفي مستشفى الجلاءِ للأطفالِ، استقبلت طبيبةٌ مريضاً يُشتبه بإصابته بفيروسِ كورونا وكان عليها أن تضعَ نفسها في الحجرِ الصحي بعد ذلكَ. ويمكنُ أن تؤدي حالات كهذه إلى وصمِ العاملين في القطاعِ الصحّي. ويمكن لهذا أن يؤثّر على النساء بالتحديد، ليؤدي بدوره إلى نتائج اجتماعية وخيمة في مجتمعٍ يستخدمُ الإضرار بالسمعةِ للسيطرةِ على النساء أكثر بكثيرٍ من الرجالِ. حينها قد تشعرُ النساءُ بالميلِ إلى الانسحابِ من القطاعِ الصحيّ بأكملهِ.

ونظراً إلى الانقسامِ السياسي الليبي على أسسٍ جغرافيةٍ، فقد طوّر كلّ جانبٍ آلية خاصة به للاستجابةِ للوباءِ. إذ حاولت السلطاتُ في الشرقِ السيطرةَ على أي أصواتٍ معارضةٍ تنتقدُ، ولو قليلاً، ظروفَ نظامِ الرعايةِ الصحيّةِ وإسكاتها. بينما اتّخذت الحكومةُ في طرابلس -المنشغلةِ بالقتالِ في جنوبِ العاصمةِ- إجراءات وقائية وفرضت ساعات حظرِ تجولٍ صارمة، إضافةً إلى تغريمِ أي مخالفٍ. وقد أدّى ذلك إلى تمكينٍ أكبر لقوّاتِ الأمنِ المتمتعة بحصانة مسبقة في عملها بالعاصمةِ.

وفي حين أنّ حظرَ التجوّلِ قد يساهمُ بالفعلِ في تسطيحِ منحنى فيروس كورونا، إلّا أنّه لا يأخذُ بالحسبانِ الأثرَ الإنساني على العائلاتِ التي تكافحِ بالفعلِ بسبب عقدٍ من النزاعِ. وقد كان التأثيرُ على النساءِ أكبرَ. فهؤلاء النساء الأكثر تعرضاً للخطر -بمن فيهنّ النازحات داخلياً، والنساء ذوات الدخلِ الضعيف، أو النساء اللواتي يعشن في مناطق نائية ويتولين إعالة أسرهن بمفردهن- هنّ في وضعٍ مأساوي مادياً ولوجيستياً.

 

 

فلا تتمتعُ العديد منهنّ برفاهيةِ التوقّفِ عن العملِ، ويحتجن إلى الحصولِ على دخلهمِ اليومي وحرية الوصولِ إلى المواصلاتِ العامةِ. أما سياسةُ الحكومةِ، فلم تقيِّم هذه الحساسيات الخاصة بالمرأة بصورةٍ خاصة ولم تأخذها بعين الاعتبارِ، سواء عند تخصيصِ المواردِ أو في إجراءاتِ الإغلاقِ.

الحكومةُ ليست شاملةً للجنسين

حين أعلنت اللجنةُ العليا لمجابهةِ فيروس كورونا، بعضاً من خططها، كان من الواضحِ مباشرةً أنّ الآثارَ المترتبة على الوباءِ بالنسبةِ للنساءِ، من منظورٍ جنساني، لم تُؤخذ بعين الاعتبار. وردّاً على ذلكَ، وقّعت 14 منظمة محليّة، تدعمُ حقوقَ المرأةِ، رسالةً مفتوحةً إلى المجلسِ الرئاسي، تحثّه فيها على إدراجِ بعض التوصياتِ المراعيةِ للاعتباراتِ الجنسانيةِ في خطّة عملهم لمواجهةِ وباء كورونا.

لم يُتّخذ أيّ ردٍّ أو إجراء بخصوصِ هذه الرسالة. ولم تُقدَّم أيّ مساعدةٍ إنسانيةٍ أو أي تعويضٍ للنساء النازحاتِ داخلياً، ولا أيّ مساعدة لهؤلاء المعرضاتِ لفقدانِ سُبلِ معيشتهن بسبب الوباءِ. إضافةً إلى ذلك، الفشل في إيجادِ طرقٍ لمعالجةِ الارتفاعِ في حالاتِ العنفِ القائمِ على الجندرِ، المصاحبِ للوباءِ.

فخلال الأسابيع الأولى من الإغلاقِ في ليبيا، أُبلِغ عن مقتل ثلاثِ نساءٍ من قبل أزواجهنّ في أنحاءِ البلاد. لا يوجدُ آليات رسمية للتبليغِ عن العنفِ المنزلي، وهو موضوعٌ يبقى من المحظوراتِ في هذا البلد الذي يقعُ في شمالِ أفريقيا، فالنساء المعرضات للخطرِ في المنزلِ لا يجدن مكاناً يلجأن إليه بل حتى إنّ مواردهن باتت أقل حيال طلب المساعدةِ في مكانٍ آخر.

ومن الناحيةِ الأخرى، واصل المجلسُ الرئاسي تخفيض الرواتبِ (ما عدا رواتب أعضائه) كجزءٍ من إجراءات التقشّفِ التي سبّبها حصارُ النفطِ والإغلاق.

 

 

ووفقاً للناشطة هالة بوقعيقيص، فإنّ النساء العاملات في ما يُسمّى وظائف الياقة الورديةِ، يحصلن على أجورٍ أقل من الرجالِ وهنَّ معرضات أكثر لخسارة وظائفهنّ لأنّ عملَ الرجالِ أكثر قيمة في أوساط القوى العاملة. وهذا قد يؤثّرُ بشكلٍ كبيرٍ على مجتمعِ المهاجرين في ليبيا، لا سيما اللاجئات والمهاجرات، اللاتي من المرجّحِ أن يكنّ الأكثر تضرّراً.

المرأة تأخذُ زمامَ المبادرةِ

على الرغمِ من تقلّصِ مساحةِ المجتمعِ المدني منذ عام 2014، فإنّ المنظمات غير الحكومية غير متراخية عن تقديمِ خدماتها، غالباً بالشراكةِ مع البلدياتِ، إلّا أنّ منظمات المجتمعِ المدني غالباً ما تفتقِرُ إلى المواردِ لتنفيذِ استجابتها الخاصةِ بها، بيدَ أنّ العديد منها بدأَ مبادرات طوعيّة مستقلّة.

ويوجدُ الآن العديد من الحملاتِ عبر الانترنت مثل (الحجر الصحي) و(حملة ما تشيليش هم)، والتي تهدفُ إلى رفعِ الوعي حول فيروس كورونا وأثره الجندري، وتسليطِ الضوءِ على حوادثِ العنفِ المنزلي المتزايدةِ، وتقديم المشورة القانونية للضحايا، ومساعدة النساء المحتاجات.

تأثّرت النساءُ اللواتي يُدِرنَ أعمالاً صغيرة سلباً بالوباء. بيد أنّ بعض النساءِ اللواتي يُدِرنَ ورشات خياطةٍ ودور أزياء أثبتن أنّهن ملهمات في مجتمعاتهن المحليّة من خلال إنتاجِ معدّاتٍ طبيّة تحتاجها المستشفيات. ومن الأمثلةِ الأخرى على ذلك، العمل الذي قام به فريقُ لايبوتيكس والذي يقومُ بطباعةِ أقنعةٍ طبيةٍ ثلاثية الأبعادِ. بقيَ المجتمعُ المدني الليبي مرناً، رغم ندرة اعتناء الدولة به.

وتميلُ سياسات الحكومةِ إلى تجاهلِ منظماتِ المجتمعِ المدني، على الرغمِ من الاتصالِ المباشرِ بين هذه المنظماتِ والمجتمعاتِ المحتاجةِ وبالتالي قدرتها على تقييمِ المخاطرِ المحتملةِ وإجراءاتِ التقييد على نحوٍ أكثر فعالية.

 

 

وبسبب الطابعِ الجندري للغايةِ للنزاعِ الليبي، فالنساءُ تحديداً مفقودات من المشهدِ، لأنّهن لا يقاتلن ولسن ممثَّلات في الحكومةِ. وبسببِ غيابِ الاتّصالِ بين صانعي القرار ومنظّماتِ المجتمعِ المدني، فإنّ عملها لا يُؤخذُ بعينِ الاعتبار في سياساتِ الحكومةِ. ينبغي على الحكومةِ تأسيس قنواتِ اتصالٍ منتظمٍ للتشاورِ مع منظّماتِ المجتمعِ المدني ولا سيما النساء.

إنّ آثارَ الوباءِ ملموسةٌ للغايةِ. وينبغي على الفصائلِ المتحاربةِ ومموليها الأجانب إيقاف جميع الأعمالِ القتاليةِ، ليس من أجلِ التوصّلِ إلى حلٍّ للنزاعِ فحسب، بل أيضاً لمواجهةِ التحدّيات الاجتماعية والاقتصادية الهائلة الناتجة عن وباءِ كورونا. فإذا أرادت ليبيا النجاةَ من التغييراتِ القادمةِ فهي تحتاجُ إلى مساهمةِ الجميعِ – الآن، أكثر من أي وقتٍ مضى.

 

أسماء خليفة

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: أوبين ديموكراسي / موقع قنطرة 2020

ar.Qantara.de

 

 

أسماء خليفة ناشطة وباحثة ليبية، كما أنّها شريكٌ مؤسّسٌ في حركة النساء الأمازيغيات. وهي باحثة وطالبة دكتوراه في المعهد الألماني للدراسات العالمية ودراسات المناطق. حصلت أسماء على جائزة لوكسمبورغ للسلامِ في عام 2016 خلال منتدى السلم العالمي وصُنِّفت في عام 2017 من بين "أكثر 100 شخصية أفريقية شابة مؤثرة".