مصري دخل السجن تلميذاً وخرج منه إرهابياً

إصلاحات جذرية تحتاجها السجون المصرية بشأن التعامل مع السجناء. يستغل متطرفون حالة اليأس والإحباط في السجون في ظل تعذيب السلطات للشباب المسجونين وإهانة كرامتهم والتضييق عليهم وعزلهم التام عن العالم الخارجي ومنع الزيارات عنهم لشهور. وبذا يسهل تضليلهم واستغلال انسداد آفاقهم ودفعهم باتجاه العنف والعمل المسلح. مصطفى عبده يسلط الضوء لموقع قنطرة من مصر على نشاط "داعش" في السجون المصرية.

الكاتبة ، الكاتب: Mustafa Abdu

اُعتُقل محمود شفيق صاحب الـ19 عاما بكتبه أثناء ذهابه إلى إحدى دروسه عام 2013، أثناء وجود تظاهرة لجماعة الإخوان، حيث كان حينها تلميذاً بالثانوية العامة.  قضى شفيق عاما كمسجون احتياطي، وحصل على إخلاء سبيل، لكنه حين خرج لم يكن نفس الشخص، الذي دخل إلى السجن، حيث فجَّر نفسه بين المصلين في الكنيسة البطرسية وسط القاهرة مسفراً عن مقتل نحو 26 شخصا وإصابة عدد آخر.

برأته النيابة حينها من الانضمام إلى جماعة إرهابية محظورة (يقصد بها جماعة الإخوان)، ومن حيازة أسلحة ومتفجرات، وحصل على إخلاء سبيل ثم صدر بعدها حكما ضده بالحبس عامين بتهمة التظاهر، لكنه هرب من بيته واختفى عن الأنظار منذ عامين. وبعد هروب دام عامين قالت أجهزة الأمن إنه انتقل إلى سيناء وانضم إلى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".

والده كان ضابطا بالجيش

وكان والد محمود ضابطا بالجيش إلا أنه توفي قبل عدة سنوات. ويُعتقد أن محمود اعتنق أفكارا متطرفة داخل السجون بعد تعرضه لتعذيب شديد.

ورغم اختلاف الاسم الحركي للمفجر الانتحاري الوارد في بيان التنظيم -الذي أعلن مسئوليته عن العملية الإرهابية- عن الاسم الحركي، الذي ذكرته السلطات المصرية لمنفذ الهجوم، إلا أنه أثار التساؤلات حول أسباب تحول الشباب واعتناقهم أفكار متطرفة داخل السجون المصرية.

وتتفاقم مخاطر تطرف الشباب داخل السجون المصرية، إزاء تزايد نشاط أعضاء وأنصار تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في تجنيد الشباب داخل السجون.

تبنى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) اليوم الثلاثاء (13 كانون الأول/ ديسمبر 2016)، التفجير الانتحاري الذي وقع الأحد داخل الكنيسة البطرسية الملاصقة للكاتدرائية المرقسية بالعباسية وسط القاهرة.
تبنى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) يوم الثلاثاء (13 كانون الأول/ ديسمبر 2016)، التفجير الانتحاري الذي وقع الأحد السابق داخل الكنيسة البطرسية الملاصقة للكاتدرائية المرقسية بالعباسية وسط القاهرة. وجاء في بيان نشره تنظيم "داعش" على وسائل التواصل الاجتماعي أن شخصا قال البيان إن اسمه "أبو عبدالله المصري" نفذ الهجوم على الكنيسة بمنطقة العباسية وسط القاهرة بواسطة حزام ناسف. وهدد التنظيم الإرهابي في بيانه بتنفيذ المزيد من الهجمات في مصر. بيد أنه لم يرد أي تعليق من الحكومة المصرية على هذا البيان وهذه التهديدات حتى ساعة إعداد هذا الخبر. وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد كشف خلال مراسم تشييع جنازة ضحايا التفجير عن أن انتحاريا يدعى محمود شفيق محمد مصطفى (22 عاما) هو الذي نفذ التفجير الذي أسفر عن مقتل نحو 26 شخصا وإصابة ما لا يقل عن 45 آخرين. المصدر: أ ف ب ، د ب أ

اعتقال الشباب غير مقتصر على الإسلاميين

 واتسع نطاق اعتقال الشباب المعارض في مصر ولم تقتصر على الإسلاميين، وبحسب إحصائية قدمتها التنسيقية المصرية للحقوق والحريات لموقع قنطرة فإن عدد المقبوض عليهم في عام 2013 أكثر من 8435 وفي 2014 بلغ عدد المعتقلين خلال هذه السنة 32718، وفي عام 2015 حوالي 23 ألف حالة احتجاز واعتقال وتوقيف، ومنذ بداية عام 2016 حتى 30 يونيو/ حزيران تم اعتقال  3209، أي أن العدد الإجمالي 64 ألفاً تقريبا خرج منهم نحو 20 ألفا في وقت لاحق.

وأصدرت الدولة منذ عزل مرسي تسع قرارات تقضي بإنشاء 16 سجناً جديداً، افتتح بعضها رسميّاً، وأخرى لا تزال قيد الإنشاء، لكن أهم هذه السجون التي يتزايد فيها النشاط الداعشي هي سجون  العقرب –شديد الحراسة- واستقبال طرة وبرج العرب.

وفي سجن استقبال طرة فقط، انضم للتنظيم مالا يقل عن 30 شابا لا يتعدى أكبرهم 35 عاما حتى خروج أحمد -أحد المتهمين في قضايا الإخوان- منتصف عام 2015.

القمع والعزلة في السجون المصرية...توليد للإرهاب

ويقول سجناء سابقون مَرُّوا على سجون عديدة من بينها سجنا "العقرب" و"استقبال طرة" إن الانضمام لتنظيم الدولة الإسلامية في سجن العقرب أسهل وأسرع بكثير نظرا للتعذيب الشديد والإهانة والتضييق الشديد على السجناء، والانعزال التام عن العالم الخارجي ومنع الزيارات لمدد تصل إلى عدة شهور.

ويتعلق استعداد الفرد للانضمام للتنظيم بحسب القمع الذي تعرض له وقوة تحمله النفسية ومن هم حوله داخل الزنزانة.

وكانت إدارة السجون تتبنى سياسة عزل المتهمين في قضايا التنظيمات المتطرفة عن باقي السجناء حيث كان تودع المتهمين في قضايا تنظيم أنصار بيت المقدس -الذي أعلن مبايعته لتنظيم الدولة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015- وأجناد مصر وبعض قيادات الإخوان كان يتم الزج بهم في سجن العقرب شديد الحراسة، لكن مع تزايد المتهمين ومع الوقت يتداخل الأفراد بعضهم مع بعض.

وبحسب السجين السابق أحمد 35 عاما –وهو طبيب وقيادي في جماعة الإخوان المسلمين يمكث حاليا في أحدى الدول الآسيوية- فإنه وقبل نهاية عام 2014  قامت إدارة  سجن استقبال طرة بتفريغ 7 زنازين (يسمى رُبع) في عنبر (أ) وفي وجود قوات واعتداء على المعتقلين ووزعتهم على زنازين أخرى وتكدس العدد، وفي هذا الربع المفزع تم عمل احتياطات أمنية مختلفة فيه وأحضروا فيه مجموعة من تنظيم الدولة من سجن العقرب وآخرين.

سجناء في مصر
إن فكرة تحول السجون لمفرخة متطرفين جدد ليست بجديدة ولكنها تكرار لتجربة السجون في عهدي عبد الناصر والسادات، كما يكتب مصطفى عبده.

وينقسم سجن استقبال طره إلى أربع عنابر أ، ب، ج، د، والعنبر به أربع أدوار والدور الواحد به 28 زنزانه.. ويقبع في النزانزانة الواحدة العدية نحو 15 فردا وأحيانا أكثر.

"تساهل إدارة السجن مع سجناء داعش"

ويضيف أحمد: بعد انضمام أعضاء "داعش" إلينا صار الوضع مختلفا في العنبر، فتوقيت أذانهم بعد أذان العنبر، ويكفرون من سواهم، وانطلقت أناشيد ولاية سيناء كل ليلة، مبديا استغرابه الشديد من تساهل إدارة السجن معهم التي "يصيبها الجنون من هتافاتنا البسيطة مثل "يسقط يسقط حكم العسكر" أو "الداخلية بلطجية" وتنزل بالعنبر كل أنواع العقاب، ولا يهتز لها جفن بأناشيدهم والتي أقل شيء فيها "فجر ودمر" كما أنهم ينشدون عدة أناشيد، منها: "الآن الآن بالسيف وبالقرآن نقول لخليفتنا قولا ندرك معناه.. لو خضت بنا يا أبا بكر بحر الموت لخضناه".

يحكي محمد –غير مسيس- 22 عاما وحصل على إخلاء سبيل عام 2015 عن صديقه داخل سجن استقبال طرة الطالب بكلية الهندسة أنه لم تكن له أي علاقة بالسياسة تماما حتى قتل صديقه في إحدى المظاهرات بعد فض اعتصام ميدان رابعة العدوية فنزل في إحدى المظاهرات بالرغم من أنه لم تكن له علاقة بالمظاهرات قبل ذلك الحين لكن تم القبض عليه في هذه المظاهرة وتم حبسه احتياطيا.

يقول محمد عن صديقه طالب الهندسة وهو من محافظة بني سويف: "دخل السجن وكان يشرب السجائر ولا يصلي ويعرف الكثير من البنات، وكانت زيارته عبارة عن جوابات من صديقاته الفتيات، لكن وجد من معه يقولون هذا حرام وهذا حلال فبدأ في الالتزام، وقطع علاقته بالفتيات وانقطع عن التدخين وأطلق شعره ولحيته ولم يعد يأكل لحم السجون وأعلن بيعته للبغدادي، وأصبح لا يتحدث ولا يأكل معه بعدها، بل إنه أخبره أنه لن يستطيع أن يأخذ منه شيئا لأنه قد يواجهه في أي معركة بعدما يخرجون.. حينها ذهل محمد وسأله "ألسنا مسلمين مثل بعضنا فأخبره أنه بالنسبة له مرتد".

ويرى محمد أن أنصار التنظيم يروجون لمكاسب كبرى في شمال سيناء وليبيا وسوريا والعراق فيعمل الخيال لدى الشباب اليائس والمحبط بأنه هو التنظيم الأسطوري والخلافة الراشدة التي ستنقذهم مما هم فيه فيعتبرونه قدوة خاصة في ظل تعرض بعضهم للتعذيب الشديد، مشيرا إلى أن نقص المعلومات داخل السجون شيء خطير يؤدي إلى تصديق كل ما يقال عن مكاسب وهمية.

ويضيف محمد أن كثيرا من الشباب داخل السجن أصبحوا لا يرون التنظيم إرهابيا بل إنهم مقتنعون أن خروجهم من السجن سيكون على أيدي تنظيم الدولة خاصة في ظل يأسهم من ممارسات القضاء.

عناصر من "داعش" في سوريا
داعشي: "ما الإخوان إلا حزب علماني بعباءة إسلامية...لأنهم قبلوا بالجهاد والموت في سبيل الديمقراطية": اهتم تنظيم الدولة بالهجوم على جماعة الإخوان المسلمين في إصداراته حتى أن المتحدث باسم التنظيم أبو محمد العدناني سخر منهم في إصدار "السلمية دين من" بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة والتي راح ضحيتهما ما لا يقل عن 800 شخص. يرى الشاب المصري محمد أن أنصار تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" يروجون لمكاسب كبرى في شمال سيناء وليبيا وسوريا والعراق فيعمل الخيال لدى الشباب اليائس والمحبط بأنه هو التنظيم الأسطوري والخلافة الراشدة التي ستنقذهم مما هم فيه فيعتبرونه قدوة خاصة في ظل تعرض بعضهم للتعذيب الشديد، مشيرا إلى أن نقص المعلومات داخل السجون شيء خطير يؤدي إلى تصديق كل ما يقال عن مكاسب وهمية.

سجناء غير مسيسين مستهدفون من التيارات السياسية والأيديولوجية

أما حامد -وهو ليس اسمه الحقيقي- الذي خرج من سجن استقبال طرة بداية هذا العام فيقول إن كل السجناء غير المسيسين مستهدفون من الجميع بمن فيهم جماعة الإخوان والليبراليين واليساريين وحركة "حازمون" فضلا بالطبع عن أعضاء "داعش".

وحامد كان عضوا في جماعة الإخوان لكنه الآن لا يرى أي داع للانخراط في أنشطتها من جديد وأصبح غير مؤمن بها وبطريقتها في إدارة الصراع مع سلطة "الانقلاب"، بل وأصبح حامد مؤمنا بنظرية العنف لكنه في الوقت يقول إنه يرفض الانضمام لتنظيم الدولة.

وقال سجين حالي لموقع قنطرة إن نجلي شقيق قيادي بجماعة الإخوان المسلمين وعضو سابق بمجلس الشعب يدعى (ج. ع.)، أعلنا انضمامهما لتنظيم الدولة ووصل الأمر إلى أنهما تركا الزنزانة التي كان يقيمان بها مع والدهما المعتقل أيضا وذلك بعد عدة مشاحنات بينهم، وانتقلا للإقامة في زنزانة تضم عناصر من تنظيم الدولة.

داعشي: "ما الإخوان إلا حزب علماني بعباءة إسلامية...لأنهم قبلوا بالجهاد والموت في سبيل الديمقراطية"

واهتم تنظيم الدولة بالهجوم على جماعة الإخوان المسلمين في إصداراته حتى أن المتحدث باسم التنظيم أبو محمد العدناني سخر منهم في إصدار "السلمية دين من" بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة والتي راح ضحيتهما ما لا يقل عن 800 شخص.

وقال العدناني: "قد آن لنا أن ندرك ونقر ونعترف أن السلم لا يحق حقاً ولا يبطل باطلاً، لقد آن لدعاةِ السلمية أن يكفوا عن دعواهم الباطلة، فلا يمكن لأهل الكفر أبداً أن يسالموا أهل الإيمان، ولا يمكن لإيمان أعزل مسالم أن يقف في وجه كفر مسلح مجرم صائل. لقد آل الأمر في آخر فصوله في مصر إلى صراع واضح بين الإيمان والكفر، وإن المعركة ليست معركة الإخوان، وإنما معركة الموحدين المجاهدين، معركة الأمة، وما الإخوان إلا حزب علماني بعباءة إسلامية، بل هم أشرّ وأخبث العلمانيين، فهم يعبدون الكراسي والبرلمانات، فقد قبلوا بالجهاد والموت في سبيل الديمقراطية، ولم يقبلوا الجهاد والقتل في سبيل الله، ولقد سمعتُ خطيبَهم في حشد لمئات الآلاف يقول بملء فيه : (إياكم والرجوع، موتوا في سبيل الديمقراطية) إنهم حزب مستعد للسجود لإبليس في سبيل الحصول على الكرسي".

لوحة احتجاج على الاعتقالات التعسفية في مصر
مما يزيد الأمر سوءا هو أحوال السجون المصرية، التي تحتاج إلى إصلاحات جذرية خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع السجناء، إذ أصبحت التنظيمات المتطرفة تستغل يأس الشباب وإحباطهم خاصة في ظل التعذيب وإهانة الكرامة، في تضليل الشباب الذين شعروا بانسداد الآفاق إلاّ من طريق العنف والعمل المسلّح، كما أن غياب التحاور مع الشباب من علماء الدين يؤدي إلى تفاقم الأزمة، بحسب ما يقول مصطفى عبده.

وأكدت مصادر عديدة من داخل سجن استقبال طرة لموقع "قنطرة" أن هناك سجالات عديدة تحدث بين الإسلاميين ومن بينهم جماعة الإخوان وبين أنصار وأعضاء تنظيم الدولة تتطور لمشادات كثيرة إلا أن أخطرها في يوم 21 يوليو/ تموز 2016 بسبب تطورها بالآلات الحادة فيما بينهم.

إن فكرة تحول السجون لمفرخة متطرفين جدد ليست بجديدة ولكنها تكرار لتجربة السجون في عهدي عبد الناصر والسادات، إذ أنه في ستينيات القرن الماضي تحولت السجون إلى مفرخة للجهاديين من خلال جماعة شكري مصطفى، وحتى أن معظم كتابات سيد قطب التي حملت على التكفير كتبها داخل السجن، وترعرع هذا الفكر داخل السجون في السبعينيات, الى أن حدث عام 1976 صدام مع الدولة وتم إعدام معظم قيادات التكفير بمن فيهم شكري مصطفى، ثم في الثمانينيات والتسعينيات من خلال جماعات "التوقف" و"الشوقيون".

ومما يزيد الأمر سوءا هو أحوال السجون المصرية، التي تحتاج إلى إصلاحات جذرية خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع السجناء، إذ أصبحت التنظيمات المتطرفة تستغل يأس الشباب وإحباطهم خاصة في ظل التعذيب وإهانة الكرامة، في تضليل الشباب الذين شعروا بانسداد الآفاق إلاّ من طريق العنف والعمل المسلّح، كما أن غياب التحاور مع الشباب من علماء الدين يؤدي إلى تفاقم الأزمة.

ويقول أحد السجناء الذين حصلوا على إخلاء سبيل أنه طوال عام ونصف وهي مدة وجوده داخل سجن استقبال طره لم يتلقِ بتاتاً بمشايخ من الأزهر يناقشونهم في الأمور الفكرية الملتبسة.

 

مصطفى عبده

حقوق النشر: موقع قنطرة 2017

 

[embed:render:embedded:node:20328]