نفوذ تركيا في البلقان بأوروبا: اقتصادي وديني وثقافي من البوسنة و كوسوفو وألبانيا حتى صربيا ومقدونيا

نفوذ تركيا لا يخفى على أحد في البلقان: يتحمس محبو كرة القدم في مقاهي مدينة نوفي بازار وغالبية سكانها من البوسنيين في جنوب صربيا لفريقي فنربخشة وغلطة سراي التركيين أكثر من فريقي ريد ستار (النجمة الحمراء) أو بارتيزان بلغراد الصربيين. أعلنت نوفي بازار، كبرى مدن محافظة سنجق رجب طيب أردوغان مواطناً فخرياً في حين كان الرئيس التركي يستعد لترؤس تجمع انتخابي في ساراييفو لأعضاء الجاليات التركية المقيمة في أوروبا. "منذ نهاية الحرب الباردة، مارست تركيا سياسة نشطة في البلقان (حيث) "ساهمت في إنهاء النزاعات وفي جهود إعادة الإعمار ومن ثم من خلال سياسة خارجية توجهها التطلعات العثمانية الجديدة"، يقول جان ماركو الباحث المساعد في المعهد الفرنسي للدراسات التركية. لقد مارس الباب العالي وصاية على البلقان بين القرن الرابع عشر والتاسع عشر وأعدت الكوادر والقادة. لا شك أن "الخطاب القومي" لرجب طيب إردوغان، يقول جان ماركو، أساء إلى الهالة المحيطة بتركيا. ويتابع أنور روبيلي المحلل الكوسوفي المقيم في سويسرا إن تركيا "لم يعد من الممكن أن تشكل نموذجاً يحتذى بالنسبة لدول البلقان التي تتطلع للانضمام الى الاتحاد الأوروبي". لكن تركيا تحظى بنفوذ اقتصادي وديني وثقافي مثلما يُستشف من مسلسل "أليف" الأكثر مشاهدة في البوسنة. 

نفوذ تركيا في البلقان بأوروبا: اقتصادي وديني وثقافي من البوسنة و كوسوفو وألبانيا حتى صربيا ومقدونيا
انتقد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الدول الأوروبية التي رفضت السماح له بالقيام بحملات انتخابية على أراضيها يوم الأحد 20 / 05 / 2018 بينما دعا خلال تجمع حاشد في البوسنة الرعايا الأتراك إلى التصويت له ولحزبه العدالة والتنمية في انتخابات الشهر المقبل يونيو / حزيران 2018. وستشهد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 يونيو حزيران تحول تركيا إلى نظام الرئاسة التنفيذية القوي الذي وافق عليه الأتراك بهامش ضئيل في استفتاء العام الماضي 2018. وقال إردوغان في تجمع بصالة ألعاب في سراييفو، حيث لوح الأنصار بالأعلام التركية والبوسنية، "بصفتكم أتراكا أوروبيين فقد كنتم تدعموننا دائما على نطاق واسع. والآن نحن بحاجة لدعمكم مجددا في انتخابات 24 يونيو".كان وزراء توجهوا قبيل استفتاء 2017 إلى دول بها جاليات تركية كبيرة، منها ألمانيا وهولندا، لحشد الدعم من أجل تغيير الدستور، لكن السلطات منعتهم من تنظيم حملات متعللة بمخاوف أمنية.

 ومن وقت لآخر، يظهر تأثير تركيا السياسي على هذه الدول. ففي نهاية آذار/مارس 2018، أبعدت كوسوفو ستة أتراك الى بلادهم بعد اتهامهم بأنهم مناصرون للداعية فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل في 2016. جرت العملية بالتعاون بين جهازي الاستخبارات خارج الهيئات القضائية. وعلى الإثر أقال رئيس الوزراء راموش هاراديناي وزير الداخلية ومدير الاستخبارات بعد أن وصف العملية بانها "تتعارض مع قيم" كوسوفو. رد الرئيس التركي حينها موجها إليه الكلام بقوله "من سمح لك باتخاذ مثل هذا القرار"، فكتب موقع "غازيتا إكسبرس" الإخباري باستياء: "إردوغان يحكم كوسوفو". وعبرت المعارضة البوسنية عن استياء مماثل في شباط/فبراير 2018 عندما تراجعت ساراييفو عن منح الكاتب التركي الحائز جائزة نوبل أورهان باموك المواطنة الفخرية. وأدانت المعارضة حينها "سياسة التبعية" و"الخوف من إغضاب اردوغان". وعلى غرار رئيس كوسوفو هاشم تاجي، لا يخفي رئيس وزراء ألبانيا أيدي راما والزعيم البوسني بكر عزت بيغوبتش الذين حضروا عرس ابنة إردوغان في عام 2016، قربهم من الرئيس التركي حتى وإن لم يتمكن من دفعهم إلى إغلاق المدارس التي تديرها شبكة غولن. ولا شك أن عِبَرَ التاريخ تجعل الصرب المسيحيين الأرثوذكس أكثر ريبة إزاء تركيا. فخلال اللقاءات السياسية لصرب البوسنة، يصيح المشاركون بهتافات مثل "جمهورية صرب البوسنة ليست تركيا". ويقول جان ماركو أن مقتل صربي من محبي كرة السلة في تشرين الثاني/نوفمبر 2014 في اسطنبول خلال شجار كان له "وقع طاغٍ". لكن ماركو يشير إلى أن "الشراكة التركية الصربية لم تُمس لا بل أنعشها التقارب التركي الروسي اعتبارا من 2016". وتعتبر بلغراد هذه الشراكة نعمة لا سيما على الصعيد الاقتصادي. 

نفوذ تركيا في البلقان بأوروبا: اقتصادي وديني وثقافي من البوسنة و كوسوفو وألبانيا حتى صربيا ومقدونيا
قال إردوغان يوم الأحد 20 / 05 / 2018 في البوسنة لحشد من نحو 15 ألف شخص "في وقت الذي فشلت فيه دول أوروبية شهيرة تزعم أنها مهد الحضارة، أظهرت البوسنة والهرسك بسماحها لنا بالتجمع هنا أنها ديمقراطية حقيقية وليست مزعومة".وكان المستشار النمساوي زيباستيان كورتس، الذي يرأس ائتلافا يمينيا يعارض انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، قال الشهر الماضي إنه سيجري منع إردوغان من "محاولة استغلال" الجاليات التركية في أوروبا. وتقول ألمانيا، التي يوجد بها نحو ثلاثة ملايين شخص من أصل تركي، إنها لن تسمح للساسة الأجانب بتنظيم حملات على أراضيها قبل الانتخابات. وتعهد إردوغان في وقت سابق اليوم بضخ استثمارات قيمتها مليارات الدولارات في طريق سريع يربط بلغراد بسراييفو. وجاء آلاف الأتراك من ألمانيا وهولندا والنمسا ومن أنحاء البلقان لحضور التجمع الحاشد.

 وقال وزير التجارة الصربي راسم ليايتش قبل فترة قصيرة إنه لا يمر أسبوع دون وصول مستثمر تركي جديد إلى صربيا حيث تنشط 400 شركة تركية. وتوقف الرئيس الكسندر فوشيتش في تركيا على طريقه إلى موسكو في 6 أيار/مايو 2018. وفي المنطقة، تتولى شركات تركية تسيير مطار بريشتينا وتبني مطار فلورا في جنوب ألبانيا وتدير شركة كهرباء كوسوفو وتشيد طرقاً في كوسوفو، وتحظى بالأفضلية في التعاملات التجارية بين بلغراد وساراييفو. يقول جان ماركو إن الأتراك ليسوا في المنطقة "لمجرد تقديم الدعم للتنمية الاقتصادية وإنما كذلك من أجل إعادة تأهيل التراث العثماني وترسيخ التعاون الثقافي". ففي مدارس البوسنة يدرس اللغة التركية عشرة آلاف تلميذ في 150 مدرسة وهي تعد ثالث لغة أجنبية بعد الإنكليزية والألمانية. مول الأتراك بناء مسجد ميتروفيتسا الأكبر في كوسوفو بمبلغ مليوني يورو، وأنفقوا 30 مليون يورو لبناء مسجد تيرانا المصمم ليكون أكبر مَعلم إسلامي في البلقان. ويقول أنور روبيلي إن طرد ستة أتراك من كوسوفو يدلل على نفوذ أنقرة الحقيقي. ويضيف أن "كوسوفو والبوسنة وألبانيا ومقدونيا كانت ضمن أراضي السلطة العثمانية ويتم التعامل معها بصفتها جزءاً من العالم العثماني الجديد (...) لا ينبغي أن نتوهم: كوسوفو ليست بقوة ألمانيا حتى يمكنها مقاومة الضغط التركي". أ ف ب ، رويترز