
نقد الهيمنة الذكورية في باكستاناستعادة كوميديات باكستانيات للمجال العام
الحيضُ والجنس وانتقاد الجسد وكراهية النساء والمواعدةُ: ليست مواضيع نقاش تُناقش علانية في الأسر الباكستانية أو بين الأصدقاء. لكن حين تُقدَّم بوصفها كوميديا، تثير هذه المواضيع المحرّمة هتافات وضحكاً صاخباً في القاعات المزدحمة.
تأتي العائلات والجميع بأعداد كبيرة لمشاهدة عروض الكوميديات. والكوميديا الارتجالية (ستاند-أب كوميدي)، رغم أنها قد أصبحت أكثر شيوعاً، لا تزال جديدة، ولا سيما بالنسبة للممثلات الكوميديات من النساء.
وفي حين أنّ المطربات، من أمثال نور جيهان، شكّلن منذ فترة طويلة عنصراً أساسياً في ثقافة البوب الباكستانية، لم تحقّق الممثلات الكوميديات المكانة ذاتها. ففي الثقافة الباكستانية، عادة ما يُنظر إلى النساء على أنهن مادة للنكات، ولسن من يُلقِين النكات. ولكن مع ظهور المزيد من الممثلين الكوميديين الارتجاليين في العقد الماضي، رسّخت النساء أيضاً، مكانتهن في الكوميديا.
الأمان في الأرقام": فِرَق الكوميديا ووسائل التواصل الاجتماعي
تقول العديد من هؤلاء الكوميديات أنّهن وجدن الثقة والمهارات اللازمة لتقديم الكوميديا بشكل علني، بفضل الأمان الذي شعرن به في فرق الكوميديا المؤلفة بأكملها من النساء.
أوضحت باويجا أنّ: "تقديم العروض برفقة النساء عزّز ثقتي. ففي السابق كانت الكوميديا تبدو مجالاً يهيمن عليه الذكور بشكل كبير، وتلقائياً، حصل الرجال على أدوار أكثر تسلية أو وجد الجمهور الرجل أكثر مرحاً وجعل المرأة تشعر وكأنها كانت تقوم بذلك بصعوبة بالغة. لكن مع هذه الفرقة، كان علينا تأدية كل الأدوار، حتى أدوار الذكور، ووجد الجمهور ذلك مضحكاً للغاية".
وقد كانت بداية فرقة Tha Khawatoons على يد واحدة من أشهر الكوميديات الباكستانيات، وهي فايزة سليم، التي أنشأت الفرقة لكي تحصل النساء على مساحة آمنة للتعبير عن أنفسهن بحرية ولإعطائهن القدرة على "التحدّث في أمور صعبة من خلال الكوميديا".
لا تتشارك باويجا وسليم التواجدَ في الفرقة ذاتها فحسب، بل بدأت كلتاهما مسيرة مهنية ناجحة للغاية بوصفهن كوميديات، مستفيدات من قوة ومدى انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً، فلدى باويجا 47000 متابع بينما لدى سليم 178000 متابع على إنستغرام. وكما يَقُلنَ فإنّ وسائل التواصل الاجتماعي -وحقيقة كونهن جزءا من فرق نسائية- تسمح لهن بالحرية والأمان.
تحدي النظام الأبوي عبر الفكاهة
وقد تجاوزت آثر مؤخراً المزيد من الحواجز من خلال أداء مجموعة عروض كاملة منفردة في قاعة بيعت تذاكرها بالكامل، وذلك في اليوم التالي لتقاعدها. تقول آثر: "بالنسبة لي، الكوميديا هي عبارة عن حبة مغلفة بالسكر، حبة مرّة، ولكن يسهل ابتلاعها. أنا أتطرّق بشكل أساسي إلى قضايا متعلقة بالمرأة في عروضي. الهيمنة الذكورية، وكراهية النساء، المحرمات، الإساءة العاطفية، الهوية الجنسية والتفضيلات الجنسية، هي بعض من المواضيع التي عادةً ما أطرحها في عروضي".
وتقوم آثر بكل هذا وأكثر باللغة البنجابية، وهي اللغة الأصلية لشعب منطقة البنجاب في باكستان، مما يضفي على عروضها تفرّداً وأصالة. تتخطّى آثر، في عرضها الفردي، العديد من الحدود الذكورية "الأبوية" أمام جمهور متنوع، موضّحة بالتفصيل كيف فرضت البنى الاجتماعية نقصاً في الاستقلالية الجسدية في حياتها من مرحلة الشباب إلى البلوغ.
تقول آثر، "أتحدّث عن أمور عايشتها في حياتي. لا أتحدث أبداً عن مواقف أو أشياء افتراضية. وأعتقد أنّ هذا يجعل من تعابيري أكثر صدقاً وإقناعاً". كما أنّها تشارك، متحدّيةً واحدة أخرى من المحرمات، كيف أدركت فقط في الستينيات من عمرها أنّ هويتها الجنسية لم تكن ثنائية. وقد قامت آثر، في عمل نسوي علني، بفكّ حمالة صدرها تحت ملابسها على خشبة المسرح، لتفكّك رمزياً سيطرة النظام الذكوري "الأبوي" عليها.
وكما تقول باويجا: "نحن نستعيد المساحة. وحتى إن لم يتحدث المرء عن قضايا المرأة، فإنّ مجرد التحلي بالشجاعة الكافية من أجل الوقوف والتحدث هو أمر نسوي. أنت تساهم في التمثيل والمساواة".
آمنة بيج، ضابطة شرطة في العاصمة إسلام آباد في الـ 30 من عمرها، وكانت تقدم عروض كوميديا ارتجالية على مدى السنوات الثلاث الماضية. تشغلُ بيج مجالين يهيمن عليهما الذكور، الشرطة والكوميديا، وتستخدم الكوميديا لتفسير الصور النمطية والتمييز الجنسي المتأصّل في قوة الشرطة وفي المجتمع ككل.
ومع ذلك، فإنّ هدفها الرئيسي إزالة الوصمة وإزالة الغموض عن مهنتها كشرطية: "من خلال إضفاء الطابع الإنساني على الشرطة عبر عروضي، أحاول تغيير تصوّرات الناس عنها. بحيث أنهم حين يحتاجون إلى بعض المساعدة، لا يتردّدون قبل الاقتراب من الشرطة وأنّ المزيد من النساء يشعرن بالراحة للانضمام إلى الشرطة أيضاً".