
نهاية الإسلام السياسي الشيعي في إيران؟تطلع شعب إيران إلى إسلام حديث
حصيلة الاحتجاجات الإيرانية، التي تهز إيران منذ عدة أشهر في ظلِّ الحرب في أوكرانيا، باتت تمثِّل جريمةَ دولة منذ فترة طويلة. إذ يذكر الناشطون المدافعون عن حقوق الإنسان أنَّ أكثر من أربعمائة وخمسين متظاهرًا قتلوا وتم اعتقال أكثر من ثمانية عشر ألف (حتى مطلع ديسمبر / كانون الأول 2022).
والحصول على معلومات في هذا الصدد ليس أمرًا سهلًا، لأنَّ النظام يعرقل الاتصال عبر الإنترنت والتغطية الإعلامية. ومع ذلك فقد كان من الواضح منذ البداية أنَّ هذه الصدامات والاحتجاجات المشتعلة في أكثر من 230 مدينة لها علاقة بالإسلام أو إسلام الدولة في إيران - بخلاف ما ادَّعته وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك (من حزب الخضر) في شهر أيلول/سبتمبر 2022.
وعلى العكس من الاحتجاجات في عامي 2009 وَ 2019 فإنَّ شرارة الاحتجاجات الحالية لم يتم إشعالها بسبب تزوير الانتخابات أو ارتفاع أسعار البنزين، بل بسبب فرض الحجاب. فبعد موت الشابة الكردية مهسا أميني، التي ماتت أثناء حجزها لدى الشرطة بسبب مخالفتها الزي الإسلامي، وضعت حركة الاحتجاجات الناتجة عن ذلك الدولةَ الدينية (الثيوقراطية) أمام أكبر تحدٍ سياسي داخلي منذ الثورة الإسلامية في عام 1979.
رفض الدولة الدينية (الثيوقراطية) في إيران
يتضامن منذ ذلك الحين تحت شعار "زن، زندگى، آزادى!" ("المرأة، الحياة، الحرية!") الطلابُ والطالبات والمواطنون البسطاء مع الطلَّاب والعاملين في قطاع النفط والغاز المهم ورجال الأعمال ضدَّ النظام الديني (الثيوقراطي) بزعامة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. ووفقًا لتحليل من مؤسَّسة كونراد أديناور الألمانية فإنَّ "مدى هذه الاحتجاجات الحالية غير مسبوق".

وبالتوازي مع ذلك فإن هناك استطلاعًا للرأي أجرته مؤسَّسة غالوب في عام 2006 توصَّل إلى أنَّ ستةً وخمسين في المائة من الناس في إيران يرفضون السيطرة على الحياة العامة من خلال الدين. واليوم، يعتبر مجتمع إيران المجتمع الأكثر علمانية في الشرق الأوسط. ويبدو أنَّ غالبية الإيرانيين لم يعودوا يريدون إسلامًا مهووسًا بالامتثال والقواعد. ولا يريدون ملالي ورجال دين كانوا يريدون في عام 2021 منعهم من تربية الكلاب لأنَّها "نجسة".
"لقد حقَّق النظام هنا بالضبط عكس ما كان يريده"، مثلما قالت مختصة الدين الإسلامي والحقوقية حميدة محققي في حوار مع وكالة الأنباء الكاثوليكية. وبحسب هذه الأستاذة الجامعية الإيرانية الألمانية، التي تُدرِّس في جامعة بادربورن الألمانية، فإنَّ الرغبة في الإيمان الروحي الشخصي، الذي يحترم رفض الحجاب باعتباره قرارًا خاصًا، تعتبر متجذِّرة بعمق لدى الإيرانيين - وحتى لدى الشباب ذوي التوجُّهات الغربية. إنَّه تطلُّع إلى إسلام حديث يجمع بين الثقافة الخاصة والحرِّية الديمقراطية ويحلم به الكثيرون في العالم الإسلامي.
"معركة الأفكار محسومة في إيران"
وفي الحقيقة فإنَّ التقاليد الشيعية الاثني عشرية المحبة للجدل والسائدة في إيران تُلبِّي هذه الرغبة. لقد كان فقهاء الشيعة الاثنا عشرية لقرون من الزمن أكثرَ مرونةً من الناحية الفكرية - وأقلَّ تسييسًا - من التزمُّت السنِّي. ولم يكن الشيعة يسعون إلى سلطة دنيوية، بل كانوا ينتظرون عودة الإمام الثاني عشر، وهو سليل ابن عم النبي محمد، علي بن ابي طالب.
1-This survey was conducted from 3-11 Sep 2020. The final refined sample consists of 20,000 respondents living in #Iran. The findings reflect the views of literate Iranian residents over 19 (85% of adult population) with a 95% credibility level and credibility intervals of 5%.
— GAMAAN - گَمان (@gamaanresearch) October 16, 2020
وعلماء الشيعة الاثنا عشرية كانوا - بعكس السنة - يمارسون دائمًا الاجتهاد، وهو الإفتاء المستقل القائم على القرآن، بدلًا من الشريعة المتزمتة. وحتى أنَّهم ظلوا منفتحين على الابتهاج بتكهنات الفلسفة الغربية.
ولذلك يبدو من مفارقات التاريخ الشيعي أنَّ آيةً لِلّهِ إيرانيًا بالذات قد أسَّس لصعود الإسلام السياسي في القرن العشرين. لقد شكَّل مفهوم الدولة عند الخميني الخاص بـ"ولاية الفقيه" قطيعة مع التقاليد الشيعية وحتى أنَّه تعرَّض للانتقاد من قِبَل بعض رجال الدين الرفيعي المستوى باعتباره غير جائز.
لقد وعدت الثورة الشعب بضمان إرادته، بيد أنَّ هذا الوعد أفسح المجال بسرعة لمطالبة شمولية بالسلطة. ولم يعد يجلس في البرلمان الإيراني منذ الانتخابات المزوَّرة في عام 2009 سوى أغلبية من المحافظين المتشدِّدين فقط، وذلك لأنَّ مجلس صيانة الدستور يستبعد من القوائم المرشَّحين ذوي التوجُّهات الإصلاحية.

ومع وجود خامنئي كمرشد أعلى للثورة ووجود القاضي الدموي السابق ورئيس الدولة الحالي إبراهيم رئيسي، يتولى رجلان متعصِّبان من رجال الدين الشيعة أعلى منصبين في الدولة. غير أنَّ رجال الدين في الحقيقة ليسوا كتلة متجانسة حتى - أو بالذات - بعد ثلاثة وأربعين عامًا من الثورة. وعلى الرغم من وجود تقارير تفيد بأنَّ معارضي النظام ينزعون العمائم عن رؤوس الملالي الصغار وأنَّ سائقي سيَّارات الأجرة لا يتوقَّفون لإركابهم، ولكن بحسب المراقبين فإنَّ الكثير من رجال الدين يتفهَّمون الاحتجاجات أو أنَّهم على الأقل مستعدُّون للحوار. فقد انتقد مؤخرًا وبشكل علني بعض من كبار رجال الدين في الحوزة الدينية في قم وأصفهان الأعمالَ الوحشية من جانب الحرس الثوري - المهيمن على الاقتصاد أيضًا - وميليشيات الباسيج الموالية للنظام.
إيران: جمهورية إسلامية من دون أغلبية إسلامية
وحتى آيات الله، الذين يوجد منهم عدة آلاف، يجب عدم مساواتهم بالنظام. إذ إنَّ جزءًا صغيرًا منهم فقط في مناصب حكومية. كما أنَّ سلطتهم الروحية وأتباعهم، الذين يتلقُّون منهم تبرُّعات أيضًا، يجعلونهم مستقلين إلى حدّ كبير عن الدولة. ومنهم مثلًا آية الله محمد علي أيازي (وُلِدَ عام 1954) من الحوزة العلمية في قم، والذي يطالب بمزيد من الحقوق للأقليات والنساء ويشكِّك في الدولة الدينية (الثيوقراطية) ويُبرِّر ذلك بحجج من الإسلام.