هل تحل بطولة كرة اليد مشاكل مصر؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وهو يلقي كلمة في حفل افتتاح بطولة العالم السابعة والعشرين لكرة اليد للرجال 2021  في القاهرة -العاصمة المصرية- يوم 13 كانون الثاني / يناير 2021.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وهو يلقي كلمة في حفل افتتاح بطولة العالم السابعة والعشرين لكرة اليد للرجال 2021 في القاهرة -العاصمة المصرية- يوم 13 كانون الثاني / يناير 2021.

هل من شأن استضافة مصر لبطولة رياضية عالمية تحسين علاقة القاهرة مع إيطاليا التي تتهم أمنيين مصريين بتعذيب إيطالي وقتله أو مع إدارة بايدن الأمريكية المهتمة بحقوق الإنسان أو مع دول خليجية حليفة بدأت مصر تقلق منها، أم أنها محاولة من السيسي للتمويه على مشاكله؟ تعليق الصحفي جيمس م. دورسي لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: James M. Dorsey

يرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في بطولةِ العالمِ -السابعة والعشرين لكرةِ اليدِ للرجالِ لعام 2021 في القاهرة والإسكندرية- فرصةً لتقديمِ أفضل ما لديه في الوقتِ الذي تواجه فيه علاقات مصر مع أقرب شركائها الإقليميين والعالميين اضطراباً كبيراً.

فالاستضافةُ الناجحةُ للبطولةِ، وهي المرة الأولى التي تضمُّ فيها البطولةُ 32 فريقاً متنافساً بدلاً من 24، تفيدُ أيضاً في مواجهةِ النقد ضد الحكومة فيما يتعلقُ بإدارتها لوباء فيروس كورونا. إذ اعترفت مؤخراً وزيرة الصحة والسكان المصرية، هالة زايد، بأنّ عدد المصريين الذين أصيبوا بالفيروس أكبر مما أعلنت عنه الحكومة حتى هذا الوقت. كما أنّ الاستضافةَ الناجحة للبطولةِ ستكون مدعاة للفخرِ وشارة امتيازٍ لرئيس الاتحاد الدولي لكرة اليد حسن مصطفى (المصري الأصلِ).

وقد اتخذت مصر إجراءات صحية وقائية فيما يتعلقُ بالوباءِ من أجل البطولةِ منذ لحظة وصولِ الفرق والصحفيين والمسؤولين إلى مطار القاهرةِ الدولي. وتُطبّقُ هذه الإجراءات على ترتيباتِ التدريب والإقامةِ ووسائلِ الإعلامِ إضافة إلى وسائلِ النقل من وإلى الفنادق والأماكن الأربعة المخصّصة لإقامةِ المباريات. فمصر مُصمّمة على ضمان أن لا تتحوّلَ البطولة إلى وسيلة لانتشارِ وباء كورونا.

ودفعَ هذا القلقُ الاتحادَ الدولي لكرة اليد والسلطات المصرية، في اللحظةِ الأخيرةِ، إلى تأجيلِ خطة للسماحِ للمشجعين بدخولِ الملاعبِ الأربعةِ التي تضمُّ الصالة المغطاة في استاد القاهرة الدولي والصالة الرياضية بالعاصمة الإدارية الجديدة، العاصمة الصحراوية المبنية حديثاً شرق القاهرة، وصالة الدكتور حسن مصطفى في الجيزة (6 أكتوبر)، والصالة الرياضية ببرج العرب في الاسكندريةِ.

 

 الفريق المصري لكرة اليد في مواجهة منتخب تشيلي 13 / 01 / 2021 في بطولة العالم الـ 27 لكرة اليد للرجال المقامة في مصر.  (photo: Getty Images/AFP/Pool/Mohamed Abd El Ghany)
Putting prestige before the pandemic: Egypt is hosting the tournament even though it seems unable to meet the basic requirements of medical personnel who are on the frontline in the fight against coronavirus. Doctors and nurses protesting the high number of infections in their ranks because they lack access to sufficient personnel protection equipment are threatened with imprisonment if they fail to report to work, despite the risk to their lives. Symptomatic of Sisi’s brutal crackdown on any kind of criticism, several doctors have been arrested on terrorism charges for voicing their grievances

 

عجز عن تأمين الاحتياجات الأساسية من معدات الحماية الشخصية للعاملين في المجالِ الطبي

وقال الاتحاد الدولي لكرة اليد إنّ القرار اتُّخِذَ "مع الأخذ بعين الاعتبارِ الوضع المتعلق بفيروس كورونا إضافة إلى المخاوفِ التي أثيرت، من قبل اللاعبين وغيرهم".

وتقول الانتقادات إنّ مصر تستضيفُ البطولة على الرغم من أنها تبدو غير قادرة على تأمين المتطلبات الأساسية للعاملين في المجالِ الطبي في الخطوطِ الأماميةِ لمواجهةِ فيروس كورونا.

وقد احتجّ الممرضون والأطباء ضد الأعداد الكبيرة من الإصابات في صفوفهم بسبب افتقارهم إلى معدات الحماية الشخصية الكافية كما أنهم مهدّدون بالسجن إن فشلوا في الحضورِ إلى العمل على الرغم من الخطورة على حياتهم.

ومن أعراض حملةِ القمعِ الوحشيةِ التي يقوم بها السيسي تجاه أي نوع من الانتقادِ، اعتقال العديد من الأطباء بتهمٍ تتعلقُ بالإرهابِ بسبب تعبيرهم عن مطالبهم.

وبغض النظر عن حقيقةِ أنّ تأثير بطولةِ كرة اليدِ يتضاءلُ عند المقارنةِ بمكانةِ استضافةِ حدث ضخم مثل كأس العالم أو الألعاب الأولمبية، إلا أنه ليس من المرجح أن توفّر بطولة كرة اليد تغطيةً وتمويهاً للقمعِ الصارمِ من قِبَل السيسي لأي أحد -باستثناء مؤيديه المتملقين- يبدي أي رأي.

ويصدق هذا بشكلٍ خاصٍ على الإدارةِ القادمة للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، الذي لم يقدم فقط وعوداً بالتأكيد على حقوقِ الإنسانِ في سياسته الخارجيةِ، بل أيضاً ينبغي عليه أن يفعل ذلك في سعيه إلى إصلاحِ صورة أميركا واستعادة مصداقيتها، التي تضرّرت بشكل كبيرٍ بعد أربعة أعوام من إدارة ترامب، الذي يُنظرُ إليه على نطاقٍ واسعٍ بوصفه سلطويّاً قوّضَ أسس الديمقراطيةِ.

 

إشعال الشموع في ميلانو  25 / 01 / 2020 - إحياءً لذكرى الباحث الإيطالي جوليو ريجيني القتيل في مصر.  (photo: Photoshot/picture-alliance)
إقامة بطولة العالم لكرة اليد فب مصر لن تغيّرَ التصورات في إيطاليا ومعظم أوروبا، والتي تُحمِّلُ أجهزة السيسي الأمنية وأجهزة فرض القانون المسؤوليةَ عن خطفِ وتعذيبِ وقتلِ جوليو ريجيني، كما يرى جيمس م. دورسي. في الصورة: إشعال الشموع في ميلانو 25 / 01 / 2020 - إحياءً لذكرى الباحث الإيطالي جوليو ريجيني القتيل في مصر.

 

البطولةُ محاولة فاشلة لحفظ ماء الوجهِ

وبصورةٍ مماثلةٍ، فإنّ البطولة لن تغيّرَ التصورات في إيطاليا ومعظم أوروبا، والتي تُحمِّلُ أجهزة السيسي الأمنية وأجهزة فرض القانون المسؤوليةَ عن خطفِ وتعذيبِ وقتلِ جوليو ريجيني.

وكان ريجيني، وهو طالب دراسات عليا في جامعة كامبريدج في الـ 28 من عمره، يبحث في مجال النقابات المستقلة في مصر قبل اختفائه في أواخر كانون الثاني/يناير من عام 2016. وقد عُثِرَ على جثته في حفرةٍ وكانت مشوهة للغايةِ بحيث أنّ والدته لم تستطع التعرّف على ابنها سوى من خلال طرف أنفه. وبحسب ما ورد فقد تعرض للكثيرِ من الإصاباتِ؛ كسر في الرقبة والمعصم وأصابع اليدين والقدمين والأسنان قبل وفاته، بينما نُحِتت حروفٌ على جلده المصاب بالكثيرِ من الحروق والكدمات.

وقد تدهورت العلاقات أكثر بين مصر وإيطاليا في الشهر السابق (كانون الأول/ديسمبر 2020) حين أغلقت النيابة العامة المصرية تحقيقها في مقتل ريجيني، رافضةً النتائج التي توصّل إليها الإدعاء الإيطالي والتي اتّهمت 4 مسؤولين أمنيين مصريين بالمسؤولية عن موته.

وبينما قد لا يشكّلُ السجلُ المقيتُ لعبد الفتاح السيسي في مجالِ حقوقِ الإنسانِ مبعثَ قلقٍ للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، ولكن في الوقت ذاته لن تفعل البطولة شيئاً يُذكرُ لإصلاح التصدعاتِ في علاقته مع هاتين الدولتين الخليجيتين، الداعمين الماليين الرئيسيين له.

ففي خطوةٍ لن تمرّ من دون أن تلاحظها عواصم دول الخليج، اختارت مصر فندق سانت ريجيس، والذي تملكه قطر والمفتتح حديثاً على كورنيش نهر النيل في القاهرةِ، ليكون واحداً من النقاطِ اللوجيستية الرئيسية في البطولةِ، بما في ذلك مركزها الإعلامي.

كما وصل وزير المالية القطري علي شريف العمادي إلى القاهرةِ في الأسبوع السابق لافتتاحِ الفندقِ، بعد ساعاتٍ قليلة من رفع قمة مجلس التعاون الخليجي لمقاطعة اقتصادية ودبلوماسية لقطر، بقيادة السعودية والإمارات، استمرت لمدة 3 أعوام ونصف، وهو حصار اشتركت فيه مصر إضافة إلى البحرين. والعمادي هو أول مسؤول حكومي قطري يزورُ مصر منذ المقاطعة التي فُرِضت في عام 2017.

 

Egypt reopens its airspace to Qatari aircraft, and will allow the resumption of direct flights between the countries, which have been suspended since 2017: https://t.co/NoasIyibxv

.#egypt #qatar #relations #internationalrelations #airspace #travels #territorial #arab pic.twitter.com/ZWw6c2f9b2

— Wikiafripedia (@wikiafripedia) January 14, 2021

 

 

وقد كان المقصود من استعراض الفندق، وإن كان خلافاً للمتوقعِ، إيصال قلق مصر، إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، من أنّ المصالحة مع قطر قد تضمّنت الكثير من التنازلات، بما فيها التنازل عن المطالبةِ بإغلاق شبكة تلفزيون الجزيرة الحرة المدعومة من دولة قطر، إضافة إلى التوقف عن دعم الجماعات السياسية مثل الإخوان المسلمين.

وقد أظهرت مصر موافقتها على مضض على رفعِ الحصارِ، على الرغم من حقيقة أنها قد قبلت بالاستثمار القطري المستمر وإمدادات الغاز القطري على مدى السنوات الثلاث ونصف الماضية.

ألا تزال مصر ركيزة أساسية للسياسة الأميركية في الشرقِ الأوسط؟

كما شعرت مصر بالتهميش أيضاً بسبب إقامةِ الإمارات العربية المتحدة والبحرين لعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل. إذ حرمت هذه الخطوة مصر من دورها بوصفها القناة الدبلوماسية الرسمية لإسرائيل إلى العالمِ العربي في الوقت الذي يسعى فيه نظام السيسي إلى بذل أفضل ما لديه استباقاً لتولي جو بايدن منصبه.

ومما يفاقمُ من مخاوفِ السيسي: الدعم الإماراتي لإثيوبيا، إذ أنه على خلاف معها حول موضوع إقامةِ سدٍّ على نهر النيل مما يهدّدُ إمدادات المياه لمصر؛ إضافة إلى تزايد النفوذ الإماراتي في السودان المتاخمة لها؛ وخطط ربط الإماراتِ مع إسرائيل عبر خطّ أنابيب مما قد ينافس مصر في بيع الغاز إلى أوروبا؛ والاهتمام الإماراتي بميناء حيفا، والذي قد يشكّلُ بديلاً عن قناةِ السويس.

 

 

ويمكن لكل هذا أن يقوّضَ مكانة مصر بوصفها ركيزة أساسيةً لسياسة الولايات المتحدة الأميركية في الشرقِ الأوسطِ ويقنعَ الولايات المتحدة بتحويل البؤرة المحورية لسياستها الأوسع في الشرقِ الأوسطِ إلى دول الخليجِ.

وقد سعى الرئيس المصري إلى استباقِ  إدارة بايدن القادمة عبر إطلاق سراح السجناء وتسليط الضوء على علاقته الجيدة مع المسيحيين المصريين، وتوظيفِ شركات الضغط الأميركية لتلميعِ صورته أمام معسكر بايدن والكابيتول هيل [الكونغرس الأميركي].

واستضافةُ بطولة العالم لكرة اليد للرجال هي مناورة صغيرةٌ في بحر المعجزات التي يحاول السيسي تحقيقها، ولا سيما ما لوَّثه به ترامب عبر وصفه للرئيس المصري بـالقول إنه "ديكتاتورِي المفضَّل". وهذا لقب من غير المرجح أن تغيره بطولة واحدة لكرة اليد.

 

 

جيمس م. دورسي

ترجمة يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2021

ar.Qantara.de

 

[embed:render:embedded:node:42775]