هل ميركل تقامر؟ أم أنها قادرة على إقناع الناخبين بأن قانون الهجرة الجديد في مصلحة ألمانيا؟

هل تتمكن ميركل من إقناع الناخبين بأن قانون العمل الجديد يعالج نقص العمالة ولن يزيد التنافس على الوظائف، وبالتالي هل تنجح في قطع تغذية القلق بين من يشعرون بالفعل بالغربة في بلدهم؟خصوصا وأن قوة العمل في أكبر اقتصاد بأوروبا لا يمكن أن تستقر إلا بصافي عدد مهاجرين وافدين قدره 400 ألف شخص سنويا حتى عام 2060.

فالشركات تواجه صعوبات مع نقص غير مسبوق في العمالة وثمة توقعات بتباطؤ الهجرة من بقية الدول الأوروبية والقانون الجديد يتطلع إلى العمال المهرة من خارج الاتحاد الأوروبي، كما أن المؤهل الوظيفي ومهارات اللغة الألمانية معياران أساسيان فيه.

وتأمل المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في أن يجعل قانون جديد للهجرة عثور العاملين الأجانب على وظائف في ألمانيا أكثر سهولة، لكن مسعاها لشغل رقم قياسي من فرص العمل يهدد بإغضاب الناخبين الذين ما زالوا مستائين من سياسة الباب المفتوح التي تنتهجها بشأن اللاجئين.

ومع تقدم السكان في العمر وانكماش قوة العمل، يقول رؤساء شركات إن ألمانيا بحاجة إلى مرونة أكبر لشغل ما يزيد عن نصف مليون وظيفة شاغرة.

وقالت ميركل في البرلمان الألماني (البوندستاغ): "سنواصل الاعتماد على المهنيين الأجانب"، مدافعة عن خططها بشأن الهجرة في مواجهة انتقاد سياسيين معارضين.

وقالت ميركل: "لا يجب على الشركات أن تغادر البلاد لأنها عاجزة عن العثور على موظفين"، مضيفة أن العديد من رواد الأعمال أكثر قلقا بشأن توظيف العمال المهرة من الحصول على إعفاء ضريبي.

ويهدف القانون، الذي من المنتظر أن تناقشه ميركل وحكومتها في وقت لاحق من الشهر الجاري، إلى جذب العاملين من خارج الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أنهم سيحتاجون إلى مؤهل مهني ومهارات إجادة اللغة الألمانية حين يتقدمون للحصول على تأشيرة عمل وفقا لورقة صاغها مسؤولون.

ويري مسؤولون حكوميون أن القانون، الذي يرحب به أرباب العمل، نقطة تحول في السباق العالمي على الموهبة مع تبني دول أخرى قواعد أكثر صرامة بشأن الهجرة.

لكن القانون قد يُغضب الناخبين الذين يشعرون بالتجاهل بعد قرار ميركل باستقبال ما يزيد عن مليون لاجئ في عام 2015.

وأظهر استطلاع للرأي أُجري هذا الشهر أن 51 بالمئة يشعرون بأن الحكومة لا تتعامل مع مخاوف الألمان بشأن الهجرة بجدية. وفي شرق ألمانيا، وصل الرقم إلى 66 في المئة.

ومن المقرر إجراء انتخابات محلية العام القادم 2019 في ولايات ساكسونيا وبراندنبورغ وتورينجيا بشرق البلاد، حيث من المتوقع أن يحقق حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف مكاسب قوية على حساب المحافظين بزعامة ميركل وشركائها في الائتلاف الحكومي الحزب الديمقراطي الاشتراكي المنتمي إلى يسار الوسط.

تدفق

تسبب التدفق غير المسبوق لطالبي اللجوء في عام 2015، وبشكل أساسي من دول مسلمة مثل أفغانستان وسوريا والعراق، بالفعل في إثارة غضب شعبي وأوصل حزب البديل من أجل ألمانيا الذي يرفض قانون الهجرة الجديد إلى البرلمان الوطني.

وظهرت الانقسامات العميقة للعيان في مدينة كيمنتس بشرق ألمانيا، والتي شهدت احتجاجات عنيفة لليمين المتطرف بعد إلقاء اللوم على مهاجرين في مقتل رجل ألماني (أبوه من أصل كوبي) طعنا.

وفي إشارة إلى كيمنتس، وصف وزير الداخلية هورست زيهوفر، زعيم الاتحاد الاجتماعي المسيحي، الحزب البافاري الحليف لميركل، الهجرة بأنها أساس "كل المشاكل السياسية" في ألمانيا.

وقد تتفادى ميركل رد فعل سياسي عنيف إذا استطاعت إقناع الناخبين بأن القانون الجديد سيعالج نقص العمالة في أماكن بعينها ولن يزيد التنافس العام في سوق التوظيف.

وقال جيرو نويجباور الخبير السياسي لدى جامعة برلين الحرة "إذا استطاعت أن تجعل المسألة واضحة على نحو قابل للتصديق بأن هذا يتعلق بالمصلحة الشخصية لألمانيا، فإنها لن تغذي القلق بين من يشعرون بالفعل بالغربة في بلدهم".

وقال: "لكن إذا لم يحدث هذا، فإن هذا القانون سيعود بنتيجة عكسية على ميركل، خصوصا مع الوضع في الاعتبار أن هناك ثلاثة انتخابات محلية العام القادم 2019 في شرق ألمانيا".

كما تُجرى أيضا في أكتوبر / تشرين الأول 2018 انتخابات محلية في بافاريا وهيسن، حيث قد يزيد صعود حزب البديل من أجل ألمانيا صعوبة تشكيل حكومات ائتلافية.

وينطوي السماح لمزيد من الأجانب بدخول البلاد على تهديد لميركل، حتى إذا كان من المتوقع انكماش قوة العمل في أكبر اقتصاد بأوروبا بشدة، ولا يمكن أن تستقر إلا في ظل صافي عدد مهاجرين وافدين قدره 400 ألف شخص سنويا حتى عام 2060.

وبلغت فرص العمل مستوى قياسيا مرتفعا عند 1.2 مليون بسبب فترة طويلة من النمو الاقتصادي، بينما بلغ معدل البطالة أدنى مستوياته منذ إعادة توحيد ألمانيا في عام 1990 وفقا لمكتب العمل.

ويكلف نقص العمالة الاقتصاد ما يصل إلى 0.9 نقطة مئوية من الناتج سنويا وفقا لمعهد آي.دبليو الاقتصادي الألماني.

صعوبات

ومن بين الشركات التي تواجه صعوبات في العثور على موظفين إييم، وهي شركة ناشئة في برلين تربط ملايين المصورين عالميا بالوكالات والعملاء عبر منصة إلكترونية.

وقال مايكل جونز رئيس شؤون الموظفين لدى إييم في مقر الشركة في كرويتسبيرغ، وهو حي متعدد الثقافات في برلين يضم الكثير من المهاجرين الأوربيين، "نحن متأثرون بنقص العالمية بنسبة مئة في المئة".

وأضاف: "نواجه صعوبات لشغل الكثير من الوظائف في مجالات مثل هندسة ومبيعات البرمجيات". وفي بعض الحالات يستغرق الأمر ستة أشهر لكي يتلقى مرشح أجنبي الضوء الأخضر من سلطات الهجرة.

على سبيل المثال، تريد إييم أن تعين متخصصا من مصر، لكنها ما زالت في انتظار التأكيد النهائي. وهذا يجعل من الصعب على إييم التخطيط وعلى الموظف المصري أن ينتقل إلى ألمانيا.

ومن القطاعات الأخرى المتأثرة بنقص العمالة البناء والتعليم ورعاية الأطفال وتمريض كبار السن.

ويقول آرنو شفالي الرئيس التنفيذي لكوريان التي تدير تقديم خدمات التمريض المنزلي في ألمانيا، إن عدد كبار السن المحتاجين إلى رعاية دائمة سيرتفع بأكثر من الربع على مدى 15 سنة قادمة.

وقال شفالي: "بحلول ذلك الوقت، ربما يتعين علينا التعامل مع نقص يزيد عن 250 ألف عامل في قطاع الرعاية... المهاجرون المؤهلون يمكنهم المساعدة في سد هذه الفجوة، هذا ليس الحل الوحيد، لكنه جزء من الحل".

ويقول وزير الصحة ينس شبان إن شبانا من كوسوفو وألبانيا قد يساعدون في شغل 50 ألف وظيفة بقطاع تمريض كبار السن.

وتقول نقابات عمالية إن التمريض المنزلي قد يجذب العاملين المحليين عبر تحسين الأجر وظروف العمل.

ويرفض حزب البديل من أجل ألمانيا القانون الجديد، ويقول إنه سيشجع الهجرة وسيؤدي إلى "إغراق الأجور" على حساب المواطنين الأقل تعليما.

وقال أوي فيت النائب المنتمي لحزب البديل من أجل ألمانيا "إذا نظرت إلى الزيادات الصغيرة للغاية في الأجور، لا تحتاج لأن تكون خبيرا للقول بأنه فعليا لا يوجد نقص في العمالة الماهرة".

وتشدد ميركل على أن قانون الهجرة مصحوب ببرنامج بقيمة أربعة مليارات يورو لمساعدة الألمان العاطلين عن العمل لفترة طويلة، والبالغ عددهم 800 ألف، على إيجاد وظيفة.

تغيير

وبينما يعثر عدد متزايد من المهاجرين الذين دخلوا البلاد في عام 2015 على وظائف، فإن العملية بطيئة بالنظر إلى الحاجة الملحة للعاملين. ويحتاج السوري أو العراقي الذي تلقى تعليما محدودا ما بين ثلاث وخمس سنوات لتعلم اللغة الألمانية والحصول على مؤهل مهني.

بالإضافة إلى هذا، فإن أحزاب الائتلاف مختلفة حول ما إذا كان يجب السماح للاجئين بإسقاط وضع اللجوء عنهم إذا عثروا على وظيفة وتعلموا اللغة الألمانية.

ويقول المحافظون إن هذا سيشجع هجرة طالبي اللجوء الذين يفتقرون إلى المهارات المناسبة. ويريد الحزب الديمقراطي الاشتراكي نهجا أكثر براغماتية.

وقال وزير العمل هوبرتوس هايل المنتمي للحزب الديمقراطي الاشتراكي لرويترز "الأمر يتعلق بمنع وضع نُعيد فيه الأشخاص المناسبين، ثم نضطر إلى الاجتهاد في البحث عن عمال مهرة في الخارج".

وتتضمن تسوية طرحها مسؤولون أن يتمكن طالبو اللجوء الموجودون في ألمانيا حاليا فقط من إجراء ذلك التحول، على أن يتم استبعاد اللاجئين في المستقبل.

وأصبحت ألمانيا ثاني وجهة مفضلة للمهاجرين بعد الولايات المتحدة، حيث جذبت ما يزيد عن مليون شخص في عام 2016 وفقا لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

ومن بين أولئك، أكثر من 600 ألف شخص من مواطني الاتحاد الأوروبي، الذين بإمكانهم اختيار مكان إقامتهم وعملهم داخل دول الاتحاد.

لكن ألمانيا تتوقع انخفاض تلك الأرقام، إذ إن النمو الاقتصادي في أوروبا يعني أن باستطاعة الأشخاص العثور على عمل في بلدهم. بالإضافة إلى هذا، فإن عدد السكان الذين في سن العمل بأوروبا ينخفض بسبب تراجع معدلات المواليد.

وقال إنجو كرامر رئيس الاتحاد الألماني لرابطات أصحاب الأعمال: "يجب علينا الاستفادة بشكل كامل من الإمكانات المحلية. لكن هذا ببساطة لن يكون كافيا، نحتاج أيضا إلى عمال مهرة من دول خارج أوروبا".

وبالنسبة لكرامر، فإن مستقبل ألمانيا الاقتصادي في خطر إذا ما عجزت الحكومة عن تبني قانون حديث للهجرة. وبالنسبة لميركل، فإن المشروع جزء من مساعيها لحماية ما حققته في مسيرة عملها السياسي. رويترز