11.4.

ماذا أنجز الرئيس الفلسطيني محمود عباس حتى الآن؟ هل تكفي النوايا الحسنة؟

د. إبراهيم حمامي، 7 نيسان/أبريل 2005

عملاً بنصيحة الكثيرين ممّن أحترمهم، وتقديراً لآخرين، وقطعاً للشك باليقين، آثرت مراقبة التطورات دون التعليق عليها، وقررت إعفاء قلمي من الكتابة ردحاً من الزمان، علّ وعسى أن تحدث المعجزة ونلمس شيئاً واقعياً على الأرض من الوعود الطنّانة الرنّانة من الإنجازات التي لم تتبلور فعلاً حقيقياً حتى الآن، هذا من طرفنا طبعاً، لأن الطرف الآخر المتمثل في الإحتلال وحكومته لم يتوقف لحظة واحدة عن جني ثمار سياسة حسن النوايا التي تنتهجها قيادة سلطة أوسلو.

شهران منذ لقاء شرم الشيخ وإعلان التهدئة، وثلاثة منذ تولي عبّاس منصبه الجديد رئيساً لسلطة أوسلو، وخمسة منذ رحيل عرفات، والحصاد حتى اليوم، وحتى لا نقسوا على سلطة أوسلو ونقول صفر مكعب، أقول حصاد يكاد لا يرى إلا بالمجاهر المكبرة.

لايخلو مقال أو موضوع أو حوار أو نقاش من التأكيد على حسن نوايا عبّاس وصدقه وجديته في الإصلاح والشفافية والنهوض بالوطن والمواطن، وبغض النظر عن إختلاف الآراء، دعونا نفترض جدلاً صحة هذا الطرح، أي النية الحسنة والصادقة في التغيير للأفضل، وبأن عبّاس يختلف عن سلفه قلباً وقالباً، وبأنه واضح الفكر والطرح – وهذه جزئية لا يمكن انكارها-، لنفترض كل ذلك ونتساءل من بعد:

هل تكفي النوايا الحسنة؟ وهل يمكن لتلك السياسة أن تحرر الأرض وتحقق الإستقلال والحرية للمواطن وتصل بنا إلى حقوقنا المشروعة متّكلين على شريك السلام الجديد شارون؟

عبّاس وفي لقائه الأخير مع كتّاب وصحفيين يوم 04/04/2005 طالب منحه مزيداً من الوقت قائلاً وبالحرف:

"الإجراءات التي تمت حتى الآن هي البداية ولكن النتائج لاتحدث بين يوم وليلة ولاتوجد لدينا عصا سحرية، إلا أن لدينا العزم والتصميم على المضي قدماً في خطواتنا".

حسن خريشة، النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي أشار في لقاء قبل يومين إلى حسن نوايا عبّاس والعوائق التي يواجهها من مافيا الفساد، وهو ما كرره ناهض الريس وزير العدل السابق في لقاء مع موقع اسلام أون لاين بتاريخ 05/04/2005، وكذلك أحمد الديك عضو المجلس الثوري لحركة فتح، وعدلي صادق الكاتب ووكيل الوزارة وغيرهم.

لست بصدد طرح أسئلة إفتراضية، تحمل إجابات توقعية، لكن ما جرى ويجري على الأرض يؤكد حقيقة واحدة هي أننا نعيش وهماً اسمه "النوايا الحسنة"، وهم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ففي الوقت الذي يكرر محمود عبّاس في كل مناسبة تمسكه بعملية السلام وتفاهماته "الشفهية" مع شارون، والإلتزامات المعلنة وغير المعلنة، واعداً تارة ومهدداً أخرى، ليقيل المئات ويعزل الآلاف وغيرها من إجراءات "حسن النوايا" لكسب ود شريك السلام، لايألوا هذا الشريك وأركان حكومته الإحتلالية جهداً ولايضيع وقتاً في تكريس الإحتلال وتوجيه الصفعات لسلطة أوسلو ذات النوايا الطيبة، وتغيير الواقع على الأرض، دون الإلتفات لمناشدات وتوسلات عريقات ودحلان وغيرهم ممن يشكون ليل نهار من محاولات شارون المتكررة إفشال عباس، ولا لمطالبات بوش بوقف الإستيطان!

وحتى لا يدعي من يدعي وكالعادة أن ما سبق هو مجافاة للحقيقة وادعاء بلا بينة أو مضمون، لنستعرض سوياً بعض الأحداث الأخيرة منذ "تفاهمات" شرم الشيخ، مركزاً على إجراءات الإحتلال التي يتفرج عليها أركان سلطة أوسلو مطالبين بالمزيد من الوقت، ربما لإستكمالها فرضاً للأمر الواقع، أو ثقة في الشريك الجديد ضمن سياسة النوايا الحسنة:

لم تتوقف حملات المداهمات والإعتقالات وطالت حتى من أفرج عنهم ضمن الصفقة المعروفة بحجة نشاطهم "الإرهابي" ، وما زال الشهداء والجرحى يسقطون برصاص الإحتلال وآخرهم الجرحى بجراح خطيرة في بلدة سلفيت.

لم تتوقف عمليات مصادرة الأراضي ليعلن الجعبري أن 54% من أراضي الخليل أصبحت الآن مصادرة، وليكشف المكتب الوطني للدفاع عن الأرض و مقاومة الاستيطان عن أنّ مساحة الأراضي التي تمت مصادرتها أو وضع اليد عليها أو الاستيلاء عليها من قِبَل المستوطنين في شهري شباط و آذار 2005 بلغت حوالي 93132.5 دونماً رغم ما أعلن عنه من تفاهمات مع السلطة الفلسطينية في شرم الشيخ.

(...)

استمرت سلطات الإحتلال في سياسة هدم المنازل لتقرر مؤخراً هدم 90 منزلاً تضم أكثر من 150 عائلة فلسطينية في منطقة البستان ببلدة سلوان في القدس المحتلة الأمر الذي سيؤدي إلى تشريد أكثر من 800 فلسطيني.

قرار رئيس حكومة الإحتلال بالمصادقة على المسار الجديد لجدار الفصل في مقطعٍ جنوب وشرق مدينة القدس المحتلة (جوار قبة راحيل و مستوطنة معاليه أدوميم).

الإستمرار في سياسة الإذلال على المعابر ومرة أخرى دون اعتراض أو احتجاج من قبل سلطة أوسلو ورئيسها.

(...)

محمود عبّاس صادق النية، جاد، واضح الفكر والنهج، ليكن، لكن كل ذلك فشل في تحقيق شيء ملموس، وفي عهده الميمون تضيع الحقوق في ظل صمت يصل حد المؤامرة، فإن كانت النوايا الحسنة والإعتدال تقابل بالإهانة والنكران والإستهزاء والإزدراء من قبل شارون وجنرالاته، فإن الوقت قد حان ليثور عبّاس على نفسه ونواياه ويقلب الطاولة على الجميع إن كان حقاً جاد وصادق فيما يسعى إليه، وما دون ذلك على كل من يطالب بالمزيد من الوقت أن يتحمل مسؤولية ضياع الوطن، لأن النوايا الحسنة لا تصلح مع الإحتلال.