استقطاب جماهيري منقطع النظير... واتهامات بـ''خدش الحياء العام''

ريهانا، إنريكي إغليسياس، جيسي جي، وغيرهم يشاركون في مهرجان موازين الموسيقي هذا العام، الذي يثير عادة استقطابا حادا بين العلمانيين والإسلاميين لا يوازيه إلا النجاح الجماهيري لما أصبح أكبر تظاهرة موسيقية في المغرب. سهام أشطو تسلط الضوء من الرباط على فعاليات المهرجان والجدل حوله في المغرب.

زاد إقبال الشباب سنويا على حفلات الفنانين العالميين الذين يشاركون في مهرجان "موازين" بشكل ملحوظ. و يرى البعض أن المهرجان عمل إلى حد ما على مواجهة "مد الإسلاميين"، حيث اعتبر الكاتب والمثقف المغربي أحمد عصيد أن "موازين نجح في إضعاف نفوذ الإسلاميين لأنه كغيره من المهرجانات الموسيقية التي تروج لثقافة الانفتاح والمرح والبهجة، بينما يراهن الإسلاميون على خلق مناخ متوتر ومشحون ضد مظاهر الحداثة في السلوك والوعي لدى المغاربة".


وتحول "موازين" من مناسبة محلية إلى مهرجان عالمي معروف منذ بدأ في إدراج أسماء موسيقية عالمية ضمن برمجته، فجلب من مختلف أنحاء العالم فنانين بعضهم يغني للمرة الأولى في إفريقيا و العالم العربي من بينهم شاكيرا، ويتني هيوستن، ماريا كاري، خوليو إغليسياس، إلتون جون وغيرهم شاركوا في الدورات السابقة للمهرجان و مازال موازين يسعى في كل دورة إلى استقطاب أهم نجوم الساحة العربية و العالمية.

النجاح الجماهيري لمهرجان موازين يزعج التيارات المحافظة في المغرب
النجاح الجماهيري لمهرجان موازين يزعج التيارات المحافظة في المغرب

​​

مهرجان "موازين" بين الخصوصية والانفتاح

ويثير "موازين" منذ انطلاقه جدلا واسعا في المغرب بسبب موازنته الضخمة وتكلفته المالية الكبيرة، بالإضافة إلى كون التيارات المحافظة تتهمه بأنه يسوق قيما بعيدة عن "الهوية الثقافية المغربية"، وهو ما جعل النقاش في كل دورة يأخذ طابعا إيديولوجيا وسياسيا يتعدى الإطار الفني.


وعن بعض خلفيات ذلك يوضح عصيد أنه "من الأسباب هناك ارتباط المهرجان بأطراف سلطوية داخل الدولة، كما أن بعض القوى المدنية في المغرب ترى فيه تبذيرا لأموال طائلة في وقت يجتاز فيه المغرب أزمة مالية خانقة، مع أن منظميه يؤكدون أنه مدعوم من شركات خاصة". كما أن هناك سببا آخر يشرحه عصيد وهو موقف الإسلاميين من المهرجان: "هم يرغبون في فرض وجودهم في المجتمع عبر البوابة الأخلاقية، لأنهم يعتقدون أن الموسيقى و الغناء أمور إباحية و بأن العزف على وتر الأخلاق قد يزيد أنصارهم".

 


بلال التليدي، رئيس تحرير جريدة التجديد المقربة من حزب العدالة والتنمية ،اعتبر أن دوافع انتقاد المهرجان متعددة، منها القانوني والأخلاقي و السياسي والتدبيري. ويطرح التليدي تساؤلات مثلا حول الشرعية القانونية لاحتكار المهرجان للإعلام العمومي، وشروط استقدام الفنانين من المغرب وخارجه بالإضافة إلى بث الصور المخلة بالآداب العامة حسب رأيه.
ومن جهته صرح محمد الحمداوي رئيس حركة التوحيد والإصلاح، التي تعتبر الذراع الإيديولوجي و الدعوي لحزب العدالة و التنمية، تعليقا على الجدل الدائر حول المهرجان "لا تستغربوا إنفاق الملايير على مهرجانات هدفها تحطيم قيم شباب الأمة حتى يستمر الفساد و الطغيان".

مهرجان موازين استقطب جماهير قياسية وازداد رسوخاً في الثقافة المغربية
مهرجان موازين استقطب جماهير قياسية وازداد رسوخاً في الثقافة المغربية

​​

مهرجان يزعج الإسلاميين

في الدورة الحالية من "موازين" خلقت الفنانتان ريهانا وجيسي جي الحدث، الأولى عندما حققت أكبر نسبة من الجمهور في تاريخ المهرجان إذ حضر حفلها أزيد من 150 ألف شخص، معظمهم من الشباب. والثانية بسبب لباسها الجريئ خلال الحفل، والذي اعتبر "مخلا بالحياء" من قبل المحافظين لتتصدر صورها الصحف والمجلات المغربية ومواقع الانترنت مثيرة جدلا كبيرا في البلد.

ورغم أن إلغاء المهرجان يشكل إحدى المطالب القليلة التي يتفق عليها المعسكران العلماني والإسلامي في المغرب. الأول بسبب الموازنة المخصصة له، والثاني بسبب ما يعتبره "تهديدا للهوية الإسلامية"، إلا أن هناك بعدا آخر يزعج الإسلاميين بخصوص موازين حسب بعض المتتبعين و هو أعداد الجماهير الغفيرة التي تتابع المهرحان في كل دورة، خصوصا فئات الشباب، التي تركز التيارات الإسلامية على استقطابها اعتمادا على الخطاب الديني. إلأ أن ذلك لا يعني بالضرورة تهديدا لشعبية الإسلاميين في الشارع المغربي، التي لم تتراجع رغم الأزمة التي تتخبط فيها الحكومة بزعامة حزب العدالة والتنمية.

حدة الانتقادات للمهرجان كانت تتصاعد أكثر في كل مرة يدعو فيها المهرجان بعض الأسماء العالمية، مثلما حدث عندما شارك المغني البريطاني إلتون جون في إحدى دورات المهرجان، و استنكر الإسلاميون حينها دعوة مغني معروف بميولاته المثلية إلى المغرب كون ذلك يتعارض مع "المرجعية الدينية والثقافية للبلد" حسب رأيهم.

ومن أبرز الأطراف المعارضة للمهرجان "حركة التوحيد الإصلاح"، "جماعة العدل والإحسان"، والجماعات السلفية. وكان حزب العدالة والتنمية من أشد المعارضين أيضا للمهرجان عندما كان في صفوف المعارضة، لكن صوته بشأن هذا الموضوع خفت منذ توليه قيادة الإئتلاف الحكومي الحالي.

ويرى جواد الرامي، وهو معد ومقدم برامج في إذاعة "إم إف إم" المغربية الخاصة، أن من الضروري إبعاد المهرجان عن النقاش الإيديولوجي السياسي، والتعامل معه كمنتوج فني و ثقافي بعيدا عن أي توظيف له. و يضيف الرامي في حوار مع دويتشه فيله أن المهرجان يعكس خصوصية المغرب الثقافية المتنوعة و تطلعه نحو الحداثة، "وخير دليل على ذلك تتبع الجماهير الغفيرة له وتعطشهم لمعرفة الجديد بخصوصه".

 

 

سهام أشطو

تحرير: حسن زنيند

حقوق النشر: دويتشه فيله 2013