فاتحة لبداية عهد جديد في العلاقات الأمريكية المصرية؟

يرى الكاتب والصحافي التونسي سليم بوخذير أن الإفراج عن أيمن نور، احد أهم رموز المعارضة المصرية الليبرالية، استوجبته دواع سياسية عديدة اجتمعت معا، كان أهمها رغبة الحكومة المصرية في فتح صفحة جديدة في العلاقات مع إدارة أوباما وتخفيف حالة الاحتقان، التي خلقها اعتقالها له في علاقتها مع المجتمع المدني المصري ومنظمات حقوق الإنسان الدولية.

أيمن نور بين مؤيديه في وقت سابق، الصورة: ا.ب
هل الإفراج عن نور استجابة من حكومة مبارك للمطالبة الأمريكيّة؟ ولماذا تأخرت الاستجابة كل هذه السنوات؟

​​ أعلن النائب المصري العام أنّ إطلاق سراح المعارض المعروف أيمن نور تمّ لـ"أسباب صحية" وتبنّت المصادر الحكومية المصرية هذا التبرير، فيما قال نور إنّ الإفراج عنه، الذي اعتبره خطوة إيجابية، لم يتم بناء على أي صفقة أو أي حوار مع النظام المصري و أنّه لم يكن يعرف إلى آخر لحظة أنه مفرج عنه إلى أن أوصلته سيارة أمنية من السجن إلى بيته بحي الزمالك.

في الواقع، لا يمكن للملاحظين أن يُصدّقوا بسهولة أنّ الإفراج عن أشهر معارض لنظام الرئيس المصري مبارك كان لـ"أسباب صحيّة"، فصحيح أنّ نور عانى من أزمات صحية كبيرة في السجن زادها تفاقما ما اشتكى منه من تعسف وتحامل عليه في السجن وحرمانه من حقوقه الأساسية، إلاّ أننا لو صدقنا أنّ الإفراج كان لِـ"أسباب صحّية" كما ذُكر، فلماذا إذن لم يتمّ قبل ذلك بسنتيْن مثلا أو حتى سنة؟ ألم تكن معاناة نور الصحّية في المعتقل متفاقمة من ذي قبل وتكرّر اشتكاؤه من هذه الناحية؟

تأخر الإفراج عن المشاكس ..وتداعيات متلاحقة

وفي المقابل، لا يمكن لقسم آخر من الملاحظين أن يقتنع بأنّ الإفراج عن الوجه المعروف للمعارضة العلمانية في مصر كان فقط استجابة لطلب أمريكي متكرّر بالإفراج عن هذا المناضل المصري الليبرالي الذي يظل رقما هامّا ونوعيا في لوحة معادلات السياسة في مصر.

ذلك أنّ المُطالبات الأمريكيّة الحثيثة للسلطات المصرية بالإفراج عن رئيس حزب الغد أيمن نور، لم تتوقف في السنوات الماضية حيث اعتبرت حكومة الرئيس بوش وقتها اعتقاله تقصيا من الحكومة المصرية من تعهدات الديمقراطية والحرية وحكم القانون.

ومع أنّ عدم الإفراج عن نور طوال فترة حكم الرئيس بوش، خلق حالة نسبية من الجفاء بين الولايات المتحدة وحكومة مبارك، فإن النظام المصري لم يتخلّ عن إصراره على الاحتفاظ بالدكتور نور خلف القضبان، بعيدا عن محيطة العائلي والنضالي ومحروما من المشاركة في الحياة السياسيّة.

فلماذا يكون -في رأي البعض- الإفراج عن نور مؤخرا بالذات وقبل زهاء 5 أشهر كما ذكر هو بنفسه من تاريخ نهاية حكمه، هو استجابة من حكومة مبارك للمطالبة الأمريكيّة بالإفراج عنه؟ لماذا تتأخر الاستجابة كل هذه السنوات؟

وفيما أكد الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية جوردن دوجيد أن حكومة بلاده "لم تُبلغ مسبقا بالإفراج عن نور" مع ترحيبها بذلك، يقلّل سكوت كاربنتر، نائب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية في فترة حكم الرئيس بوش ومدير مشروع "فكرة" بواشنطن من صدقية أن الإفراج عن نور كان لـ"أسباب صحية"، ذلك أن المشاكل الصحية لنور في السجن كانت قائمة منذ سنة اعتقاله الأولى، وهو يرى أنّه لابدّ أن تكون هناك أسباب أكبر لاتخاذ الحكومة المصرية لقرار إطلاق سراح نور في مقدمتها المطالبات الأمريكية.

ويرى سكوت كاربنتر أنّ ما كتبته صحيفة "واشنطن بوست" قبل يومين من الإفراج عن نور لابدّ وأن تكون استندت فيه إلى مصادر مطلعة. وكانت "واشنطن بوست" الأمريكية كتبت بتاريخ 16 فبراير مقالا اعتبر هجوما على الحكومة المصرية قبل فترة قصيرة من زيارة مرتقبة للرئيس مبارك إلى واشنطن في نيسان - أبريل القادم. وحثّت الصحيفة الرئيس الأمريكي أوباما على أن يُبلغ مصر أن واشنطن لن تتساهل مع اضطهاد المعارضين وأنه لابد لحكومة مصر بأن تفرج عن أيمن نور وأن تسقط التهم الموجهة للمفكر والمناضل من أجل حقوق المواطنة، سعد الدين إبراهيم، على خلفية كتاباته ونشاطه الحقوقي.

من بوش إلى أوباما .. نور فاتحة العلاقة بالبيت الأبيض

من الواضح أن الإفراج عن نور استوجبته دواع عديدة اجتمعت معا، فمن ناحية لم يتبقّ لمحكوميّة أيمن نور إلا بعض الأشهر، لذلك لن تربح الحكومة المصرية شيئا من مزيد الاستبقاء عليه في السجن للمدة القصيرة الباقية، ومن ناحية أخرى الرجل مرّ فعلا بظروف صحية صعبة كانت في تفاقم.

نور يتفقد مقر حزبه بعض تعرضه للعبث، الصورة: ا.ب
"إطلاق سراح نور سيزيد من فرص حصول منعطفات وتفاعلات جديدة في لوحة مُعادلات الحياة الحزبية والسياسية بمصر"

​​ كما يبدو أنّ الرئيس المصري، الذي وصل إلى ما يُشبه القطيعة مع واشنطن بسبب ملفّ الديمقراطية، الذي كان أيمن نور على رأس صفحاته، غير راغب في المحافظة على أي أسوار قد تكون بينه وبين البيت الأبيض في عهد ساكنه الجديد الرئيس أوباما، ولذلك اختارت الحكومة المصرية إعطاء الضوء الأخضر لأيمن نور في درب الحرية وذلك أملا في أن تنال هي أضواء خضراء كثيرة في طريق علاقتها بالولايات المتحدة، فضلا عن محاولة حكومة مبارك من خلال الإفراج عن نور تخفيف حالة الاحتقان التي خلقها اعتقالها له ليس في علاقتها بالمجتمع المدني المصري فقط، بل بعديد أطياف ومنظمات حقوق الإنسان الدولية الكبرى.

وبعيدا عن التشكيك في مدى وجاهة القضية، التي سُجن بسببها رئيس حزب الغد، وعن علاقة كل ذلك بتجرُّئِه في دولة من العالم الثالث على منافسة الرئيس في الانتخابات الرئاسية بكل جدية، فإنّه لا يختلف اثنان في أنّ المشهد السياسي فقد الكثير من بريقه بعد استبعاد نور منه بعد الاعتقال.

الساحة السياسية المصرية تستعيد بعد الإفراج عن نور نجما من نجومها المؤثّرين، وهو بلا شك يزيد فرص حصول منعطفات وتفاعلات جديدة في لوحة مُعادلات الحياة الحزبية والسياسية بمصر.

آمال بتحريك الرمال في المشهد السياسي

لقد استطاع أن نور أن يوجد نوعا من الحراك السياسي في الساحة المصرية قبل اعتقاله، كما استطاع أن يوجد نوعا من الاستقطاب غير التقليدي في المشهد السياسي المصري، الذي كانت تحكمه في الإجمال جبهتا جذب فقط، الأولى هي للسلطة والثانية جبهة جذب للتيار الإسلامي، الذي تمثله حركة الإخوان المسلمين.

وحين ظهر أيمن نور، وخاصة بعد دخوله الانتخابات الرئاسية مع ما حرّكه ظهور حركة "كفاية" الليبيرالية من رمال في الساحة السياسية المصرية، بدا وكأنّ هناك إمكانية لخلق جبهة ثالثة للاستقطاب هي الجبهة العلمانية الليبرالية التي تختلف مع النخبة الحاكمة في تأجيل الإصلاحات السياسية وتتقاطع في مطالب الحرية مع جبهة الإسلام السياسي المعتدل فيما تختلف معها في المشروع الثقافي وفي مسائل أخرى كالتشريعات وعلاقة الدين بالدولة.

ومن هذا المنطبق يأتي الإفراج عن أيمن نور، الذي أعلن فور نفضه لغبار السجن عن جسمه نيّته استئناف عمله السياسي وتمسكه بالنضال من أجل الإصلاح الديمقراطي، ليعطي انطباعا بأنّ دماء جديدة قد تُبعث في المشهد السياسي بمصر، خاصة وأن تجربة الاعتقال قد عززت مكانته كواحد من الأصوات المهمة للنضال من أجل الديمقراطية في مصر وحتى في المنطقة العربية. وما أحوج المشهد السياسي المصري الآن إلى حالة المدّّ هذه التي من المنتظر أن تعود وتيرتها إلى الارتفاع مع عودة أيمن نور، وما سيتركه ذلك من أثر إيجابي على مطالبات الإصلاح في مصر وفي المنطقة.

سليم بوخذير
حقوق الطبع: قنطرة 2009

سليم بوخذير، كاتب وصحافي تونسي

قنطرة

الاستبداد السياسي في العالم العربي:
لعنة الدكتاتورية وشبح الديمقراطية
على الرغم من بعض المحاولات الضعيفة لإحداث إصلاحات سياسية في بعض الدول العربية وبعد هذه الدول عن إحداث تحول ديمقراطي حقيقي وحقيقة أن القادة العرب في معظمهم من الطاعنين في السن، إلا أنهم استطاعوا أن يبقوا على حكمهم على مدار عقود طويلة. ولكن كيف نجح هؤلاء في التكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية وما مسوغاتهم لرفض الإصلاح والديمقراطية؟ نور الدين جبنون في محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات.

المشهد السياسي في مصر:
ما مستقبل الليبراليين؟
يرى الصحفي المصري إسندر العمراني أن هناك أدلة على وجود تأييد لليبرالية في مصر ولكن السؤال هو ما إذا كان بإمكان الأحزاب الليبرالية الحصول على تأييد المصريين وتشكيل قاعدة انتخابية.

حوار مع سعد الدين إبراهيم:
لقد اهتز عرش الاستبداد
يتحدث سعد الدين إبراهيم أحد المرشحين للرئاسة المصرية وأستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية في القاهرة ورئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية عن مدى مصداقية أوربا والولايات المتحدة في دعم الديموقراطية في العالم العربي، كما يرى تطورا ملحوظا في مجال الإصلاح في العالم العربي.