كل الطرق تؤدي إلى بن علي

اتسمت ردود الفعل الأوربية على الانتخابات التونسية بالمجاملة. وتشير منظمة إنترناسونال ميديا سبورت في تحليلها للمعركة الانتخابية إلى إخلال الإعلام الحكومي لمهمته. تقرير الصحفية والناشطة في مجال حقوق الإنسان سهام بن سدرين

سهام بن سدرين، الصورة: صحفيون بلا حدود
سهام بن سدرين

​​اتسمت ردود الفعل الأوربية على الانتخابات التونسية بالمجاملة، بينما اتخذت الإدارة الأميريكية موقفا أكثر تحفظا. وتشير منظمة إنترناسونال ميديا سبورت في تحليلها للمعركة الانتخابية بوضوح إلى إخلال الإعلام التونسي الحكومي لمهمته. تقرير الصحفية والناشطة في مجال حقوق الإنسان سهام بن سدرين

أصدرت "أنترناسيونال ميديا سيبورت"(IMS)، وهي منظمة غير حكومية مقرها في الدانمارك، تقرير معايناتها حول التغطية الإعلامية للانتخابات التشريعية والرئاسية التي جرت في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2004 في تونس.

قيمت بعثة المعاينة سلوك وسائل الإعلام التونسية أثناء الحملة الانتخابية مستعملة في ذلك المعايير العالمية للتحليل الكمي والنوعي، وانتهت إلى خلاصة تفيد باحتكار شديد للفضاء الإعلامي من طرف الرئيس بن علي وحزبه التجمع الدستوري الديموقراطي(RCD):

"لقد كان الرئيس بن علي العنصر المركزي لهذه الحملة بحصوله على معدل 77 بالمائة من الوقت المخصص للحملة في وسائل الإعلام السمعية البصرية وعلى 92 بالمائة في الصحافة المكتوبة"، يؤكد التقرير.

فشل وسائل الإعلام

لقد خضع الصحافيون إلى رقابة مشددة: "والصحافيون الذين تم استجوابهم يؤكدون أنه لم يكن يحق لهم نشر معلومات متأتية من أحزاب من المعارضة التي تعتبر راديكالية أو ذات توجه نقدي تجاه الحكومة"؛ "لقد استغلت الإدارة الحكومية بعض الموارد والعلاقات بصفة فاحشة من أجل تطويع محتوى تغطية الانتخابات".

"وقد أخلت وسائل الإعلام الحكومية بمهمتها، خاصة في ما يتعلق بالحقوق الأساسية المؤمنة في المسار الانتخابي: حق الناخبين في أن يكونوا على بينة من الاختيارات البديلة والمواضيع السياسية التي تهم المصلحة العامة." "لقد خدمت وسائل الإعلام الحزب الحاكم على حساب الديمقراطية والمصلحة العامة. وبالنهاية فإن فشل وسائل الإعلام مؤشر على عدم قدرة النظام السياسي التونسي على التلاؤم مع المعايير الدولية في هذا المجال"، يستخلص التقرير في النهاية.

هذا التقرير لا يتناول سوى وجه محدد من المسار الانتخابي وهو حرية التعبير. لكنه في ظل ما اتسمت به هذه الانتخابات من غياب لكل معاينة شاملة، يظل الشهادة الوحيدة على هذا الاحتكار الذي يمارسه بن علي وحزبه على الفضاء العمومي، شهادة تمت مراجعتها وتحقيقها من قبل فريق مستقل من الأخصائيين الدوليين.

هذا الاحتكار هو ما يفسر النتيجة "السوفييتية" لنسبة ال94 بالمائة التي حصل عليها الرئيس بن علي؛ نتيجة "على المنوال التونسي" سيقول ثييس بيرمان الممثل الهولندي في البرلمان الأوروبي والمراقب الدولي لانتخاب أوكرايينا في تعليقه لوكالة الأنباء الفرنسية(AFP) عن عمليات التزوير المكثفة التي طرأت على انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني التي جرت هناك.

رقابة شاملة

لكن بن علي ليس في حاجة حتى إلى التزوير من أجل الحصول على هذه النتيجة. وراء واجهة التعددية هناك نظام محكم لتطويق الفضاء العمومي لا عن طريق السيطرة على وسائل الإعلام فقط، بل كذلك بفرض المراقبة على كل الوسائل المؤسساتية التي تسمح بالاتصال بالجمهور(حرية التجمعات والتنظيم والتظاهر) مكونا بذلك حصنا منيعا يسد الطريق أمام كل خيار بديل يمكن أن يحاول التعبير عن نفسه. "في تونس، كل الطرق تؤدي إلى بن علي"، يقول أحد الشبان معبرا عن خيبة أمله.

أما الحجة التي يتذرع بها بن علي لتبرير"انتصاره الساحق" فهي ضعف المعارضة. "لكن كيف يمكن أن تتطور معارضة سلمية ترى نفسها ممنوعة من التعبير عن رأيها ومن التجمع ومن استعمال الوسائل العمومية من أجل إبلاغ صوتها إلى الجمهور، بينما يخضع عناصرها إلى الملاحقات بسبب انتمائهم إلى هذه الأحزاب المعارضة؟ وهل عرف الناس نظاما شموليا قد قَِبل بتطور بدائل ديمقراطية سلمية في ظل سيطرته؟" يتساءل خليل الزاوية العضو القيادي في المنتدى الديموقراطي للعمل والحريات (FDTL)، وهو حزب معترف به قانونيا قد نادى إلى مقاطعة الانتخابات ورأى مقره يحاصر من طرف الشرطة في اليوم السابق على الانتخابات لا لشيء إلا لأنه دعا فرع جمعية ATTAC-Tunisie لعقد اجتماع لها هناك.

بعد مرور شهر فقط على "الاستفتاء"-حسب عبارة صحيفة ""لابراس" الحكومية- الذي أقر بن علي في الحكم جاءت أولى التكريسات الساطعة لهذا التطويق الذي يمارس على الفضاء العمومي مجسدة في القمع العنيف الذي تعرض له اجتماع عام نظمته الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في مدينة القيروان يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني لمناقشة محتوى المجلة اللانتخابية التونسية.

وقد دعي إليه ممثلون عن مؤسسات المجتمع المدني وأحزاب سياسية. " تم حشد عدد هائل من رجال الشرطة حول مقر فرع رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان بالقيروان حيث كان من المفترض أن ينعقد الملتقى، وكذلك في مداخل المدينة. وقد منع العديد من المشاركين من الدخول إلى المدينة. كما منعت قوات الأمن المناضلين المتجمعين حول مقر الفرع من الدخول قبل أن يتم تفريقهم بطريقة عنيفة.

وقد تعرض العديد من الأشخاص إلى التعنيف والضرب الشديد ركلا بالأقدام من طرف الشرطة"، كما جاء في نص يعبر فيه "مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان" عن استيائه الذي نشر في رسالة مفتوحة إلى الرئيس بن علي بتاريخ 2 ديسمبر/كانون الأول 2004، والذي اختتم بهذه العبارات:

"إن المرصد يعبر عن مخاوفه تجاه هذه الملاحقات وهذه التجاوزات التي تستهدف حرية التجمع السلمي."

بفضل عملية التلاعب بالدستور التي أجريت في ماي/نيسان 2004 والتي سمحت لبن علي بالتحايل من أجل الحصول على مدة رئاسية رابعة بعد 17 سنة من الحكم المطلق، قد غدا رئيس الجمهورية هو السلطة الوحيدة الحقيقية في جمهورية بلا مؤسسات.

مظاهر لا غير!

بالنسبة لأغلبية التونسيين الذين أدبروا عن هذه الانتخابات فإن هذا الاقتراع لا يمثل شيئا ذا أهمية؛ إنما المسألة كلها لعبة تحبير تتولى إخراجها وزارة الداخلية؛ الإله المهندس العملاق الذي يدير هذه العملية والذي يمنح بن علي الرقم الذي باركته رؤى العرافات كرقم مناسب كما تقر بذلك القوانين الفلكية، بينما يكون نصيب المنافسين ما تبقى من الأصفار والفواصل كل بحسب درجة ولائه.

لكن هذه الانتخابات لا تمثل بالنسبة لبن علي كما بالنسبة لأوروبا سوى عملية إنقاذ للمظاهر لنظام لا علاقة له بالديموقراطية، ولكنه مطالب مع ذلك بالظهور بمظهر لائق أمام شركائه الغربيين الذين لا يودون كثيرا التورط في علاقات مع دكتاتوريات مفضوحة.

لعل ذلك ما يفسر إمساك الأجهزة العالمية عن المجيء إلى تونس، هي التي من عادتها أن ترسل ملاحظين لمراقبة الانتخابات قد شهدناهم في رومانيا وفي الولايات المتحدة وناميبيا ومؤخرا في أوكرانيا.

لقد كانت ردود الفعل الأوروبية والفرنسية منها على وجه الخصوص تجاه انتخابات 24 أكتوبر/تشرين الأول بتونس مطبوعة بطابع المجاملة. هنأ الرئيس شيراك بن علي وأكد له "التشجيع الشخصي على المضي قدما في تعميق أواصر تعاوننا، وأن نواصل العمل معكم على تدعيم الشراكة الأورومتوسطية."

وبشيء من التحفظ، ولكن في نفس السياق عبرت رئاسة الاتحاد الأوروبي عن ارتياحها إلى "أن الناخبين كان أمامهم مجال للاختيار بين عدد من المرشحين للرئاسة و[...] يلاحظ أن المسار الذي قاد إلى انتخابات 24 أكتوبر في مجمله لم يسمح بمنح فرص متساوية لكل المرشحين. وبصفة عامة فإن مزيدا من حرية التعبير والتجمع سيكون من شأنه أن يدعم أكثر منجزات المراحل التي قطعت على طريق ديمقراطية منفتحة تعددية وممثلة."

أما الإدارة الأميركية فقد كان موقفها النقدي أكثر وضوحا: "لقد اتسمت هذه الانتخابات بنواقص خطيرة"، يؤكد مسؤول من دائرة الحكومة معتبرا أنه "لا يوجد فضاء سياسي حقيقي يمكن من مشاركة معارضة ذات أهمية"..."هناك تضييقات تحد من إمكانيات التعبير ومن إمكانية القيام بنشاطات سياسية مستقلة واستخدام وسائل الإعلام. وهناك أيضا أعمال ترهيب وملاحقات."إلا أن هذا الممثل قد فضل الإدلاء بهذه الآراء دون التعريف بهويته.

أما الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض فقد كان أكثر مواربة فيما هو يعبر عن تحفظاته: "إننا منشغلون لكون تونس لم تستغل كل ما لديها من طاقات"، يصرح آدم إيرلي نائب الناطق الرسمي باسم الدائرة الحكومية.

لكن تونس ليست أوكرانيا! وقد تم فهم الرسالة في أوساط المعارضة التونسية كما يلي: "يمكن للتونسيين أن يكتفوا، على سبيل التعويض عن الحق في اختيار حر لمن يحكمهم، ب"الاستقرار السياسي" الذي تضمنه لهم القبضة الحديدية لحليفنا بن علي، وأن يؤجلوا لوقت لاحق طموحاتهم الديمقراطية!"

نتيجة التلاعب بالدستور

هناك نشاز واحد يمكن للمرء أن يسجله في مجمل هذه المواقف وهو موقف هيئة حقوق الإنسان المتفرعة عن المجلس الأوروبي والذي جاء على لسان رئيستها هيلين فلوتر: "إن هذا المسار ذا الانطلاقة السيئة يمس بمصداقية برنامج العمل الذي تم الاتفاق عليه في إطار سياسة الجوار وبموجب البند الثاني من اتفاقية التعاون."

أما المعارضة التونسية فإنها لا تخفي خيبة آمالها: "اليوم وبعد أن أسدل الستار على هذه "اللا-انتخابات"، لم يعد هناك من شك في أن عملية التلاعب بالدستور التي سبقتها وكذلك الطريقة التي جرت بها ونتائجها قد عملت على مزيد من خلخلة شرعية النظام الحاكم وتعميق الهوة التي تفصله عن المجتمع"، يصرح مصطفى بن جعفر السكرتير العام للمنتدى الديمقراطي من أجل العمل والحرية"(FDTL).

بينما تصرح مجموعة أربعة أحزاب معارضة في بيان مشترك: "إن نتائج هذا الاقتراع هي نتيجة منطقية لعملية التلاعب بالدستور التي سنحت بخطة رئاسة لمدى الحياة، ونتيجة لتهميش القوى البديلة وعزلها عن مجالات الحياة العمومية، ولافتقاد الحريات ولولاء الإدارة وللمعيقات التي تحول دون وجود قضاء مستقل.

وفي كلمة واحدة إنها نتيجة لغياب الشروط الأولية التي تسمح بتنافس نزيه وشفاف.مرشح المبادرة الديمقراطية السيد محمد علي الحلواني الذي لعب دور العنصر المزعج الذي أربك الآلة الانتخابية الرسمية ولم يحصل، خلافا لكل المؤشرات ذات المصداقية، إلا على نسبة 0،95 بالمائة من الأصوات، قدم اعتراضا إلى المجلس التشريعي من أجل إبطال صلوحية نتائج الانتخابات معتمدا في ذلك على وثائق عن التجاوزات الخطيرة والتزويرات المكثفة.

يصرح محمد علي الحلواني: "كانت انتخابات سنة 2004 فرصة ضائعة بالنسبة لتونس... لقد استعملت كوسيلة للمكافأة والعقاب. مكافأة لأولئك الطيعين، وعقوبة ضد المعارضين الحقيقيين. إنه أمر خطير على تونس، خطير على الاستقرار. إن القطيعة القائمة بين انتظارات وطموحات الشعب من جهة وواقع النظام السياسي أمر خطير."

أجل، إنها نتائج خطيرة على ذلك "الاستقرار" التي يتذرع به النظام، لأن نظام بن علي، يسد كل سبل المعارضة السلمية، بصدد إعداد الأرضية الملائمة لكل أشكال التطرف العنيف؛ البديل الوحيد الذي سيكون بوسعه أن يرث السلطة في حالة حدوث فراغ على رأس الدولة.

بقلم سهام بن سدرين، حقوق الطبع قنطرة 2004
الترجمة من الفرنسية علي مصباح

1. أعد هذا التقرير بالاشتراك مع Center for Media Policy and Developpement وثلاث جمعيات غير حكومية تونسية هي: الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والمجلس الوطني للحريات بتونس، وجمعية النساء الديموقراطيات التونسية.
2. كثيرا ما يلجأ بن علي إلى رأي العرافات قبل اتخاذ قراراته السياسية
3. الحزب الديمقراطي التقدمي، والمنتدى الديمقراطي من أجل العمل والحرية، مجلس من أجل الجمهورية والحزب الشيوعي العمالي التونسي.

مقال آخر عن تونس على موقع قنطرة هنا
مقابلة مع سهام بن سدرين على موقع قنطرة هنا