بعد عام من محاولة الانقلاب الفاشلة على إردوغان في تركيا
حالة طوارئ وآلام نفسية في صفوف المعارضة التركية

"مسيرة العدالة" التي خرجت في تركيا بمبادرة من زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، كمال كيليتشدار أوغلو، عملت أيضا على إيقاظ الأتراك العلمانيين الحذرين سياسيا. فقد أدركوا أخيرا أنهم من دون المشاركة السياسية سيفقدون هويتهم شيئا فشيئا، مثلما يرى الصحفي التركي يافوز بيدر في تعليقه التالي.

قال لي مؤخرًا أحد الأصدقاء على الهاتف: "لن نجلس بعد الآن سويةً على العشاء. فما أن شربنا كأسًا أو كأسين من العَرَق، حتى بدأنأ جميعنا في إحباط بعضنا البعض. في هذه الحالة يُصاب الجميع بالاكتئاب، وكلُّ شخص ينسحب إلى قوقعته".

ثقافة الحياة الليلية في إسطنبول وأزمير وغيرهما من المدن الساحلية الأخرى في تركيا، كانت تمتاز دائمًا بطابع غير رسمي، ملوَّن وسياسي أيضًا. حيث يلتقي الأصدقاء والناشطون سياسيًا ويتناقشون حول السؤال الأزلي عن وضع البلد في المستقبل.

ولكن صديقي هذا عبَّر الآن عمَّا بات يشعر به الكثيرون منا: فهذه النقاشات لم تعد ممتعة، لأنَّ الخوف بات مهيمنًا إلى درجة أنَّ الشعور بالاغتراب في هذا "الصراع الثقافي" أصبح شديدًا للغاية، والظلم بلغ درجة فادحة، بحيث أنَّ الاستسلام تحوَّل إلى حالة نفسية عامة.

لقد لاحظتْ أيضًا نائبةٌ برلمانية عن أكبر أحزاب المعارضة، هو حزب الشعب الجمهوري، أنَّ النفسية الوطنية باتت تعاني في عهد ما بعد محاولة الانقلاب. وقد سألتْ في وزارة الصحة عن عدد حالات الأمراض النفسية التي تم تسجيلها في المستشفيات التركية.

كان الرد الرسمي مثيرًا للقلق. فقد زاد استخدام مضادات الاكتئاب خلال الأربعة أعوام الماضية أكثر من خمسة وعشرين في المائة. وحتى نهاية عام 2016 دخل نحو تسعة ملايين شخص تركي إلى المستشفيات بسبب مشكلات نفسية. وفقط منذ شهر كانون الثاني/يناير من هذا العام 2017 خضع أكثر من ثلاثة ملايين ومائتي ألف شخص في تركيا لفحوصات نفسية.

حشد "مسيرة العدالة" في تركيا. Foto: Diego Cupolo
إرادة التغيير والعدالة: "الآن بدأ أخيرًا يتَّضح أيضًا بالنسبة ’للطبقة البرجوازية المروَّضة‘، التي كانت تشعر بتجاهلها في تصويتها بـ’لا‘ للتعديل الدستوري، بأنَّ الشارع هو المكان الوحيد من أجل المقاومة. وفي كلِّ يوم بات ينضم المزيد من أفرادها إلى الاحتجاج، لأنَّهم يتعرَّفون الآن على الآلية السياسية للحكَّام، التي تبقى على قيد الحياة فقط لأنَّها تبتلع المزيد والمزيد من الحرِّيات المدنية"، بحسب رأي الصحفي يافوز بيدر.

الأمل في استعادة العدالة

"غير أنَّ العدد الحقيقي للأشخاص المتضرِّرين ربما يكون أعلى بكثير من ذلك، لأنَّ الكثيرين لا يجرؤون على الذهاب إلى الطبيب بسبب الضغط الاجتماعي والأحكام المسبقة"، مثلما تقول النائبة البرلمانية أيلين نازلياكا: "العلاج الوحيد لهذه الحالة يكمن في استعادة العدالة. لا يمكن الاستمرار في تقييد الديمقراطية. يجب التوقُّف عن قمع المعارضة والعودة إلى الحياة الطبيعية، وإلاَّ فإنَّ الجميع سيصابون بالجنون مع مرور الوقت".

هذا الوضع يُذكِّرني بفيلم شاهدته قبل فترة طويلة، اسمه "بوري باروتا" (برميل البارود) للمخرج الصربي الكبير غوران باسكالييفيتش (أنتج عام 1998). وفي هذا الفيلم يصف المخرج بصورة رائعة حالة الغضب والإحباط والتعصُّب، التي تبقي صربيا في حالة طوارئ سياسية.

والشيء نفسه يمكن للمرء ملاحظته أيضًا في الحياة المدنية في تركيا. حيث ترافق حالة الطوارئ السياسية حالة طوارئ نفسية.

"مسيرة العدالة"، التي خرجت بمبادرة من زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليتشدار أوغلو، هدفها الأساسي هو استعادة العدالة. ولكن هل سيكون لهذه المسيرة أي تأثير على سجن مالتيب، حيث يتم سجن الصحفي أنيس بربر أوغلو وصحفيين آخرين؟ لا أحد يستطيع قول ذلك بالضبط، على الرغم من أنَّ الكثيرين يدعمون جهود حزب الشعب الجمهوري، التي تشكِّل بالنسبة لهم بادرة أمل.

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة