حيوية الشمس المصرية

مشروع سيكيم يجمع بين الزراعة العضوية والمسؤولية الاجتماعية تجاه العاملين ومبادئ الأنثربوسوفيا لرودلف شتاينر والنجاح الاقتصادي. شتيفاني غزيل قامت بزيارة مركز المشروع في الصحراء المصرية.

عاملات إزيس يقمن بتعبئة شاي البابونج، الصورة: www.sekem.com
توفر شركة سيكيم للعاملين في فروعها المختلفة الضمانات الاجتماعية الضرورية.

​​

تقترب حافلة العمال من بوابة شركة سيكيم، مملكة الدكتور إبراهيم أبو العيش. هذه المزرعة البيودينامية التي تبلغ مساحتها سبعون هكتارا تقع في الصحراء المصرية على بعد خمسة وأربعين كيلومترا شمال شرق القاهرة. وبعد أن أخبر جاري في الحافلة، وهو مصري يعمل محاسبا، رجال الأمن أنني صحفية ألمانية وعلى موعد مع السيدة إيفون، سمحوا لنا بالدخول.

وقد أجّلت السيدة إيفون مراسم التحية قائلة "فيما بعد" حتى لا يفوتنا الطابور المدرسي. فالتلاميذ البالغ عددهم ما يناهز ثلاثمائة يجتمعون – مثلهم في ذلك مثل كل العاملين في أقسام الشركة – مع مدرسيهم كل صباح، بدءً من أطفال الحضانة حتى تلاميذ الثانوية في فناء مدرسة سيكيم ليؤدون الصلاة وتحية العلم.

تعاليم رودولف شتاينر

وينتمي التلاميذ إلى أسر فلاحين أو إلى أسر العاملين في سيكيم البالغ عددهم ألفين والذين يعيشون على مقربة من المزرعة. نقف في حلقات ثلاث متحدة المركز، ويقوم بعض التلاميذ والمدرسين بالحديث عما يتعلمونه الآن. وهم يلتزمون تماما بمناهج التعليم المصرية، ويزيد على ذلك مواد التربية الموسيقية والفنون التشكيلية واللغة الألمانية.

لقد تعرف الدكتور إبراهيم أبو العيش على تعاليم ردولف شتاينر أثناء دراسته العليا للصيدلة في جامعة غراتس بالنمسا، وقام عام 1977 بتأسيس شركة سيكيم كي يعلّم أبناء وطنه مبادئ الأنثروبوسوفيا التي تضم أيضا الزراعة البيودينامية.

وأثناء قيام السيدة إيفون بجولة معي خلال عنابر الإنتاج في المزرعة كنت أفكر فيما يتفق أو يتعارض بين الأنثروبوسوفيا والإسلام، وتساءلت إذا كان الاتجاه الأنثروبوسوفي يلاقي رفضا شديدا من المسلمين المصريين.

يبدو أن السيدة إيفون على علم بهذه الأسئلة، فبدون أن تبدأ النقاش في الموضوع شرحت لي ما يهم الدكتور إبراهيم أبو العيش وزوجته غُدرون وابنه حلمي وزوجة ابنه كونستانسه والعاملين الأوروبيين في المزرعة البالغ متوسط عددهم عشرين، فهؤلاء جميعا يهمهم:

النجاح الاقتصادي غير القائم على حساب البيئة أو الأيدي العاملة، ولكنه يقوم بالعكس على تطوير إعادة استخدام الموارد البشرية والطبيعية.

الحياة في الصحراء

كانت السيدة إيفون قد أتت هي وزوجها وطفليها الصغيران من ألمانيا إلى الصحراء المصرية منذ عشرين عاما، لأنها لم تكن سعيدة في حياتها. وفي سيكيم شعرت على الفور أن الحظ قد حالفها، فهي تحب حياة المصريين وبساطتهم و"بحثهم عن القرب والمودة".

مزرعة من مزارع سيكيم، الصورة: www.sekem.com
تعتمد سيكيم بشكل رئيسي على تصدير المنتوجات إلى الدول الأوربية.

​​ومنذ ذلك الوقت وتتولى هذه السيدة المتخصصة في التربية الإجتماعية مهمة الإدارة. وإلى جانب المهام الكثيرة الأخرى يقع على عاتقها في المقام الأول إظهار التمثيل الخارجي للمزرعة في أحسن صورة.

وتجد السيدة إيفون أن تجربة شركة سيكيم أحسن مثال على إمكانية تغيير مصر لتتحول إلى أنه بلد جميل، ولهذا ترى أن مهمتها "استقطاب" الكثير من الناس بقدر المستطاع. وترى أن على الأوروبيين أن يكون لديهم الاستعداد للتكيف، وأن ينطلقوا من الأسس الموجودة كي يستطيعوا إحداث تغيير ما.

وفي بعض الأحايين يصعب عليها أن تتحلى بالصبر عندما ترى طلاء الإطار الخارجي للنوافذ غير مدهون بدقة، فـ"الدكتور" – كما يختصر العاملون لاسم أبو العيش – يحرص كل الحرص على العناية والدقة الألمانية في العمل.

كفاءة عالية

إن ما أحرزته سيكيم حتى الآن له وقع كبير في النفس. كلمة سيكيم تعني باللغة المصرية القديمة "حيوية الشمس" وجميع فروع الشركة تقريبا تحمل أسماء ترجع أيضا إلى الهيروغليفية. إن الأجهزة والمعدات ونظافة عنابر الإنتاج تعادل المستوى الغربي، ويؤدي جميع العاملين مهامهم بنفس طيبة وبكفاءة عالية.

وفرع "حاتور" يختص بتوزيع الفاكهة والخضروات الطازجة، أما فرع "آتوس" فيختص بانتاج وتسويق منتجات دوائية ونباتية صيدلية عضوية، وفرع "إزيس" الذي تأسس عام 1984 يختص بتسويق شاي الأعشاب ويقوم أيضا الآن بتوزيع منتجات أخرى مثل زيوت الطعام والفواكه المجففة.

وهناك ثلاثة محلات لبيع متجات سيكيم في القاهرة، حيث ازداد الطلب على المواد الغذائية العضوية. وظل التصدير هو المصدر الرئيسي للواردات، وبلغت مبيعات فروع شركة سيكيم عام 2003 خمسة وخمسون مليون جنيه مصري، أي ما يعادل ثمانية ملايين يورو.

يشارك في زراعة معظم الأعشاب والمواد الغذائية 400 شريك آخر، تتولى رعايتهم شركة "ليبرا". وهي تقوم أيضا بشرح أساسيات الزراعة البيودينامية للمهتمين بذلك، وفيما بعد تقوم بالاستثمار بمجرد ما يتم التغيير على الطريقة الجديدة.

دعم الشباب

تتناسب أجور العمال مع مستوى الأجور المصرية، وفي أثناء العمل يؤدي العمال تمارين رياضية حسب إيقاعات موسيقية. وتعتبر المشاركة في دورات محو الأمية والمحاضرات الثقافية والأعمال الفنية التقليدية فرضا على العاملين. وقد قامت الشركة تجاه العاملين باتخاذ الاحتياطات اللازمة للتأمين الاجتماعي.

ومرورا على المسرح ذات المدرجات التي تتسع لألفين شخص أثناء العرض المسرحي أو الاجتماعات العامة، ذهبنا إلى مركز التأهيل المسمّى مشروع مبارك كول. هذا المشروع يهدف إلى تأهيل الشباب في ست مجالات، منها التجارة والغزل والنسيج والنجارة والهندسة الزراعية والهندسة الإلكترونية والتكنيك.

تؤكد السيدة إيفون على أن سيكيم تجعل "التكامل" بين الأنشطة المختلفة في مقدمة إهتماماتها. وقمنا بزيارة تلاميذ قسم الغزل والنسيج الذين يقومون أيضا بإعداد ملابس العمل، وحاليا في سبيل إنتاج عرائس لشركة "Waschbär" التي سوف تورّد بتشكيلة جديدة من "Conytex".

إبراهيم أبو العيش، الصورة: أ ب
إبراهيم أبو العيش

​​الآن قد حان الوقت للقاء مؤسس سيكيم. وتنتظر السيدة إيفون معي في مكتب كبير مُضاء بأنوار ساطعة ومليء بالكتب الألمانية. وتوضح إيفون وجهة نظر رئيسها بأن التفكير الصحيح لا يكون إلا باللغة الألمانية.

وأخير دخل علينا مصريا رشيقا لامع العينين لا يُرى عليه سن السبعين أو أنه نجا من أزمة قلبية. قال الدكتور أبو العيش أنه تعرف على الأنثروبوسوفيا من خلال كتاب "فلسفة الحرية" لردولف شتاينر، وهو عمل صعب الفهم، يعيد قراءته دائما ليكتسب منه معارف جديدة. وأوضح لنا أن الأنثروبوسوفيا لا تتعارض بأي حال من الأحوال مع العقيدة، فهذه فلسفة وتلك ديانة.

وعلى العكس فقد فهم الإسلام حقا من خلال الأنثروبوسوفيا، ووجد أن كثيرا مما في القرآن يتفق مع نظرية ردولف شتاينر. إن نظرية ردولف شتاينر لا تحتل مكان الصدارة بالنسبة له، ولكن أهميتها تقع في كونها باعثا يفيده في إبداع أي شيء. ومن يقول أن المسلمين ينحرفون عن العقيدة الصحيحة في سيكيم فندعوه للحديث مع العاملين ليقنع بعكس ذلك. وقد كان لذلك تأثيرا ناجحا في كل مرة.

صراع أم توافق؟

هل استطعتم التوفيق بين الإنتماء للوطن مصر وبين الكفاءة والدقة الأوروبية، أم أن كلاهما يتصارعان في خاطركم؟ يبتسم الدكتور أبو العيش بسمة خفيفة، ويقول أنه ليس لديه صراع بينهما كما أنه لا يوجد توافق بين كليهما. ويقول فاتحا ذراعيه: لقد نتج عنهما شيئا جديدا، فتقول إيفون: "سيكيم".

إن الوقت ضيق، وسافرنا بسيارة مرسيدس من طراز (S) ذات اللون اللبني إلى اجتماع التلاميذ الذي يعقد يوم الخميس من كل أسبوع. يبدأ الإجتماع بتلاوة قرآنية شجية من سورة إبراهيم، ثم يتلوها عزف موسيقي لقطعة من تأليف "Wilhelm Topp" بعنوان "Zigeunerständchen" ويقوم بالعزف على الأوتار والناي فرقة سيكيم، وعلى المثلث الموسيقي مدرّسة الموسيقى المصرية.

وبعد الموسيقى تبدأ المناقشة حول موضوعات مثل البطالة والفائدة من الزراعة العضوية. ويختار الدكتور أبو العيش بعض هذه الأسئلة ويقوم بالإجابة عليها. وفي النهاية يصافح كل تلميذ وهو يناديه باسمه، فالدكتور إبراهيم أبو العيش يعرف أسماء كل التلاميذ وكل العاملين في سيكيم.

بقلم شتيفاني غزيل
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2005

قنطرة
التوازن والتطور
بدأت قصة سيكيم SEKEM قبل 26 عاما في منطقة صحراوية بين أسوان والإسكندرية وحصلت الشركة تقديرا لتطبيق أساليب زراعية بيوديناميكية على جائزة منظمة نوبل البديلة.

www

سيكيم