لقاء في القاهرة

في إطار مشروع "الديوان الشرقي الغربي" التقي كل من الروائي المصري إدوار الخراط والأديب الألماني مارتين موزيباخ في أمسية بمعهد غوته الألماني بالقاهرة، وقد جاء هذا اللقاء ضمن فعاليات معرض الكتاب الدولي في القاهرة. يورغن شترياك تابع هذه الأمسية

إدوار الخراط، تصوير ماركوس كيرشغيسنر
إدوار الخراط

​​

عندما يلتقي شاعران من ثقافتين مختلفتين في ندوة ما ويمتعان الجمهور بقراءة مقتطفات من أعمالهما، فهل من المفترض أن نتوقع أن يشبه الموقف مسابقة غنائية يتبارى فيها الطرفان؟ وإذا كان الشاعران من المكرمين بالجوائز في بلديهما، ويعد مكان الندوة بالنسبة لأحدهما في خارج بلاده أي خارج ملعبه والآخر في بلده أي على أرضه، فهل يشبه الأمر هنا لقاءا بين خصمين كرويين؟

لا تصلح النصوص الأدبية كمادة للتباري والتنافس، لكنها تصلح بالأحرى للمقارنة. في اليوم قبل الأخير لمعرض الكتاب الدولي بالقاهرة هذا العام، أُفسح المجال لجمهور من المصريين والألمان أن يعقدوا مثل هذه المقارنة، حيث قرأ كل من الكاتب المصري الشهير إدوار الخراط والروائي الألماني مارتن موزيباخ من أعمالهما في معهد غوته بالقاهرة.

لا ينتمي أي من الكاتبين إلى جيل الكتاب الذين كانوا يعتبرون عرض أعمالهم أمام الجمهور جزءا لا يتجزأ من هذه الأعمال. قرأ كلاهما مقتطفات من كتبهما دون أن يصدرا أية تعليقات تقريبا، كلاهما أطلقا العنان لنصوصهما مع معرفتهما التامة أن لا سيطرة لهما على متلقي النصوص وكيفية تلقيها. كلاهما كاد تقريبا أن يختفي وراء عمله.

الديوان الشرقي الغربي

عقدت الندوة في إطار مشروع الديوان الشرقي الغربي، الذي تدعمه عدة مؤسسات ثقافية بارزة- وهي أكاديمية الزمالة العلمية في برلين وإدارة مهرجانات برلين وبيت ثقافات العالم في برلين ومعاهد جوته في الدول المرتبطة بالمشروع، وإذاعة غرب ألمانيا ودار النشر الألمانية C. H. Beck.

ويركز المشروع على لقاءات تدوم لعدة أسابيع بين كاتب أو كاتبة ألمانية وكاتب أو كاتبة من منطقة الشرق الأوسط أو من تركيا أو إيران. وفي نهاية هذه اللقاءات تكون هناك مجموعة من المقالات التي نشأت أثناء هذه الرحلات أو بمناسبتها.

وطوال الأمسية لم يلتفت أي من الكاتبان إلى الآخر إلا قليلا. بأدب واهتمام نظر كلاهما إلى الخلف حيث عُرضت على الحائط ترجمة لنصوص من يقرأ منهما. كلاهما كان متواضعا قليل الكلام فيما عدا قراءة نصوصهما، أو الإجابة فيما بعد على الأسئلة التي شجعتهما على الكلام. وبدا الأمر تقريبا وكأن كل منهما يحس بأن وجوده مزعج للآخر أثناء قراءته. لكن ذلك كان جيدا أيضا لأن الأمسية كانت عن الحوار الأدبي وليس عن واحد من الكاتبين بمفرده.

ديوان في أجواء شبه رسمية

من المفترض طبعا أن يستدعي مشروع الديوان الشرقي الغربي نموذج الشاعر الألماني غوته، لكن كلمة ديوان تستدعي أيضا أجواء مسترخية يغمرها دخان النارجيلة ومناقشات تدوم ليال، ولأن الأدب مسألة ذهنية في المقام الأول فكان بالأحرى أن تسود الأجواء الديوانية هذه الندوة.

بدت الأجواء التي عقدت فيها الندوة شديدة الجفاف، مثل اجتماع التقرير الختامي السنوي لدي المصرفيين. مر فريق عمل من المصورين التلفزيين الألمان عبر الصفوف وقاموا بالتصوير، وقد زاد عملهم هذا من الإحساس بالطابع الرسمي للأمسية. كان من الممكن تأجير مقهى، ربما مقهى ريش، كما فعل الزملاء السويسريون من هيئة بروهلفيتسيا قبل ليال ثلاث عندما عقدوا المناقشة بين الكتاب المصريين والناشرين السويسريين هناك.

قرأ الخراط فصولا من كتابيه "حجارة بوبيلو" و"ترابها زعفران"، وكلاهما مترجم إلى الألمانية وصدرا منذ سنوات عن دار لينوس النشطة. وقرأ موزيباخ مقتطفات من روايته "التركية. قام أحمد مرسي مدير دار الكتب المصرية بإدارة الندوة وتقديم الكاتبين للجمهور في البداية، ومن الواضح أنه عند تقديمه لموزيباخ استند إلى نص مترجم ترجمة غير موفقة بعض الشيء، ولم يظهر حتى الآن بالعربية في صورة كتاب.

مارتين موزيباخ، تصوير ماركوس كيرشغيسنر
مارتين موزيباخ

​​يتحدث موزيباخ عن صعوبة تعرفه على عمله الأصلي في الترجمة قائلا: "لقد واجهت أحيانا بعض الصعوبة في التعرف على بعض المقتطفات من أعمالي". ربما يرجع اختيار المترجم لفقرات من رواية موزيباخ "التركية" إلى الثقافات المختلطة الموجودة فيه، حيث تدور الرواية في أوساط المهاجرين في ألمانيا.

اهتمام خاص بـ "التركية"

وهكذا تعرف الجمهور من خلال المقتطفات التي قُرأت من رواية "التركية" على الزوجين الرومانيين الصاخبين اللذين يشعران بعد عدة أشهر من مجيئهما إلى ألمانيا أن السكون الألماني يمتصهما ببساطة، مثلما تمتص ورقة نشاف سميكة البلل، ويصمتان هما أيضا مثل معظم الألمان، ويتعرف الجمهور أيضا على كشك بأحد الضواحي يتحول إلى ملتقى للأجانب، وعلى علاقة الحب الغريبة التي تربط بطل الرواية بالبطلة التي يحمل الكتاب اسمها أي "التركية".

هذا الجانب على وجه الخصوص حظي باهتمام الجمهور المصري، وطُرحت أسئلة حول الحياة اليومية للأتراك في ألمانيا وعن ما يكتبونه وعن أفلامهم ومشكلاتهم. وجاءت بعد ذلك أسئلة عن إن كان الحب الذي تعرض له الرواية يرمز للصداقة بين الشعوب. لكن الكاتب موزيباخ أجاب بدبلوماسية وكأنه لا يريد التدخل في الحياة الخاصة بنصه.

مواصلة الحوار في مسقط رأس الخراط

وبأسلوب لطيف سأل الجمهور كلا الكاتبين عن طريقة عملهما وعن عملية الإبداع. لكن اليوم كان الخميس، الليلة السابقة على عطلة نهاية الأسبوع في مصر، والتي ستطول نظرا لاتصالها بعيد الأضحى. وأحس الجمهور والمشاركون أن كلاهما قد بدأ العطلة، أو ربما قد أصابهم التعب بعد انقضاء أسبوع مجهد مع معرض الكتاب، وارتوى ظمأهم للمعرفة.

في الأيام المقبلة سيصطحب إدوار الخراط زميله الألماني موزيباخ ليريه مسقط رأسه الإسكندرية. وبالتأكيد تمنى كثيرون من جمهور الديوان أن يرافقوا الكاتبين في هذه الرحلة.

بقلم يورغن شترياك

ترجمة أحمد فاروق