ثقافة محلية في وجه العولمة

"الاطلاع على عالم الآخر" كان شعار ورشة عمل مصرية – ألمانية حول السمات الثقافية المشتركة في كتب أدب الأطفال والشباب. إلا ان النقاش تمحور بشكل خاص حول موضوع واحد: أزمة أدب الأطفال في مصر. تقرير يورغن شترياك من القاهرة

الصورة: إخلاص
طفل مصري في مولد

​​"الاطلاع على عالم الآخر" كان شعار ورشة عمل مصرية – ألمانية على هامش معرض الكتاب 2004 حول السمات الثقافية المشتركة في كتب أدب الأطفال والشباب. إلا ان النقاش تمحور بشكل خاص حول موضوع واحد: أزمة أدب الأطفال في مصر. تقرير يورغن شترياك من القاهرة

من قدر له أن يمر بمعرض الكتاب في القاهرة، لربما كان له أن يعتقد، بأن مصر هي جنة أدب الأطفال. فقد قامت عشرات الأجنحة بعرض كم هائل من كتب أدب الأطفال. وفي أكياس مشتريات الزوار يجد المرء – الى جانب الكتب الدينية والكتب الاختصاصية – أيضا وبشكل خاص عناوين للصغار.

أدب الأطفال، السلعة النادرة

إن الانطباع الأول يخدع. فمن ضمن الكتب التي كان الناس يشترونها لصغارهم، كانت غالبيتها كتب تعليمية للأكثر صغرا في السن: كتب من أجل التسلية واللهو – وتعلم القراءة، كراسات رسم، دورات لتعليم اللغة الانكليزية ... الخ. أما الكتب التي قدمت قصص أطفال حكايات أو روايات حقا فقد كانت قليلة. وفيما يتعلق بالكتب الخاصة بالاطفال الاكبر سنا أو الشبيبة فوجودها في عالم الكتاب في مصر يكاد يكون معدوما، وهذا ما شكت منه الصحافة المصرية هذا العام أيضا.

وهكذا توصلت ورشة عمل مختصي - أدب الأطفال الألمانية المصرية بعد جهد كبير إلى نتيجة تبعث على الكآبة حول حال أدب الأطفال العربي. فعدد كتب أدب الأطفال التي تنشر سنويا في السوق المصرية يصل رقما بخانتين لا أكثر، هذا ما تقوله سعيدة حميد، مدرسة أدب الأطفال في جامعة حلوان.

واحة لابداع الطفولة

إن ورشة العمل التي استغرقت يوما كاملا، والتي أعدها معهد غوته في القاهرة، أقيمت في مكتبة مبارك العامة – هذا المكان الجميل جدا لمثل هذه الندوات. فتجد في كل طوابق الفيلا الرومانسية على ضفة النيل ضجة أطفال. يقرؤون أو يلعبون أو يستمتعون بوقتهم مع ألعاب الكومبيوتر، وسماع الكاسيتات ووسائل المعلوماتية الأخرى الحديثة. ولكن مكتبة مبارك العامة حالة استثنائية – فهي تكاد تكون واحة خيالية لأبداع الطفولة. ولا يوجد سوى أماكن قليلة جدا من هذا النوع في القاهرة، مدينة الـ 17 مليون نسمة.

وتبدو الألمانية هايدي روش، التي شاركت في ورشة العمل هذه، وهي من جامعة برلين التقنية، منبهرة بما تراه، فقد عاشت في تلك الأيام مصر، التي بدت لها وكأنها بلد محبة الأطفال اللامتناهية. ولكن من يدخل على سبيل المثال أسواق لعب الأطفال في القاهرة، فسيعرف بأن لعب الأطفال في مصر وبشكل خاص زاهية الألوان، عالية الأصوات وذات مستوى متدن للتسلية.

هكذا هو الواقع وحسب ما يراه الكبار، ليثير اعجاب الصغار. وليس هناك سوى القليل من المنتجات التي تخدم الإبداع واكتشاف الحياة اليومية. وهذا هو حال كتب الأطفال أيضا. ومن النادر ما تعمل تلك الكتب على الحفز على الولوج إلى هذا العالم بطريقة شخصية وبشكل نقدي يحتمل التناقضات.

في طريق البحث عن أدب مناسب

وقد يتضح الأمر بعض الشيء حينما يعرف المرء بأن ما يعرض من أدب للاكبر سنا وللشباب هو إلى جانب أدب الأطفال ضئيل جدا. يسمح للأطفال في مصر أن يمرحوا ويلعبوا، ويتمتعوا بطفولتهم، يسهرون طويلا ويلعبون حتى منتصف الليل في الأزقة، كما يسمح لهم القيام بالضجة والصخب. ولكنهم عندما يشرعون تدريجيا في ولوج عالم الكبار، يبدو وكأن بشكل أو بآخر قد وضع حدا لاستقلاليتهم الشخصية.

إن ذلك بدا واضحا في ورشة العمل. وقد تم الحديث ضمن الورشة عن الأدب الذي ينبغي أن يقدم من ثقافات أخرى للاطفال المصريين. "إن محتويات الكتب الأجنبية غالبا ما لا تناسب أطفالنا"، هذا ما تقوله المدرّسة الجامعية سعيدة حميد.

وثمة اعتراضات من هذا النوع تعود إلى التقاليد والقيم – والدين أيضا – وأوضحت النساء المصريات المختصات ولأكثر من مرة بشكل لا يدع مجالا للشك، بأن الهدف الرئيسي من أدب الأطفال هو توجيه الجيل الصاعد. وتعتبر هايدي روش ان ذلك "منطق قديم جدا في علم التربية"، وقالت إحدى المصريات الحاضرات في الاستراحة بانزعاج: "اننا نتحدث طوال الوقت عن المحظورات بدل أن نتحدث عما هو مسموح به، من أجل حفز أطفالنا على استغلال هذه الأطر أيضا."

ثقافة محلية في وجه العولمة المعلوماتية

لقد واجهت النساء المصريات المشاركات بشكل عام كلمة "عالم" الواردة في شعار الندوة الذي يقول "الاطلاع على عالم الآخر" بموقف أقرب إلى النقدي، بسبب هيمنة أدب الأطفال الغربية غالبا في ظل العولمة، والتي تصل أيضا إلى حجرات أطفال مصر من خلال الفضائيات والانترنت والدعاية وغيرها من وسائل النشر والاعلام. من هنا كان واجسهن الرئيسي هو، كيف يمكن أن يساعد أدب الأطفال المصري في المحافظة على الهوية الذاتية.

"إنه تفكير الأقلية" هذا ما تقوله هايدي روش وهنا تظهر امكانية للمقارنة مع أدب المهجر في المجتمعات الغربية.

ولكن حتى التلفاز، وسيلة الإعلام المنافسة، يبدي أيضا بدايات تبعث على الأمل. فسلسلة Sesamstrasse المصرية بعنوان "العم السمسم" يتم مشاهدتها في المناطق الريفية من قبل 86% وفي المدن من قبل 99% من الأطفال دون سن الثامنة من العمر. وتدور هذه السلسلة حول مواضيع مثل المساواة بين الرجل والمرأة، البيئة والنشاط الاجتماعي – ومن الجدير بالذكر أنها تعرض فقط بمواصفات مصرية وفي بيئة مصرية.

كذلك الأمر بالنسبة لسلسلة الأفلام المتحركة "بكر" مع مغامرات الصبي النوبي الصغير بكر. وتقومان هاتان السلسلتان على أساس القيم والتقاليد المصرية، ولقد حققتا كلاهما نجاحا باهرا تحلم به كتب أدب الأطفال في مصر.

إن التسابق بين مسلسلات الأطفال التلفزيونية وكتب أدب الأطفال هي كأن يتسابق الارنب مع القنفذ. إن الوضع المالي لغالبية العائلات المصرية لا يسمح لها بالانفاق دون تدبير شديد. فلماذا التبذير بشراء كتب أدب الأطفال إذا كان التلفزيون على الرف مفتوحا طوال اليوم؟ وانطلاقا من الأزمة العامة التي يعاني منها أدب الأطفال في مصر (وفي بلدان عربية أخرى) يبدو السؤال حول فكرة الثقافة المشتركة ثانويا وبشكل واضح تمام الوضوح.

ومع نهاية الورشة زفت اليزابيث بيروت من معهد غوته خبرا سارا: حيث سيتم ترجمة ونشر ستة كتب من أدب الأطفال من اللغة الألمانية إلى اللغة العربية بالتعاون مع دور نشر في بيروت والقاهرة والرباط. وجاء صوت منادي معترض بسرعة قائلا: "ولكن رجاء بالاتجاه المعاكس أيضا".

قنطرة، يورغن شترياك، قنطرة 2004
ترجمة مصطفى السليمان

يورغن شرياك صحفي ألماني مقيم في القاهرة