الإعدام في إيران...ردع تام ورعب من شبح تقويض النظام

باتت إيران تستخدم عقوبة الإعدام حتى ضد جريمة السرقة، وهو ما لم يكن معمولاً به من قبل في إيران، كما يلاحظ الصحفي الألماني شتيفان بوخن، الذي يرى أن استخدام النظام الإيراني لعقوبات صارمة ورادعة يزداد بشكل خاص في أوقات الأزمات الاجتماعية والسياسية.

الكاتبة ، الكاتب: Stefan Buchen

منذ فترة طويلة ونحن نعلم من تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية أن شاربي الخمر في إيران يُجلدون، وأن الزناة يُرجمون، وأن المثليين الجنسيين يُعلّقون على المشانق. وتعلن الدولة من خلال هذه العقوبات حقها في تطبيق مفومها للشريعة الإسلامية.

وعندما يقرأ المواطنون في إيران عن هذه العقوبات أو الإعدامات في الصحف أو عندما يشاهدونها وهي تنفذ علانيةً، فإنهم يتذكرون أنهم يعيشون في جمهورية إسلامية. يحكم القضاة في إيران ويفصلون بين الحق والباطل، ويقررون العقوبة الملائمة للجريمة المقترفة، وذلك بالاستناد على المصادر الدينية الثابتة – هذا ما يريد حكام البلاد إفهامه للشعب.

الوضع المثالي هو وجود مبادئ واضحة، منبعها الإسلام، وفقهاء يصدرون أحكامهم العادلة على هدى تلك المبادئ. غير أن الواقع لوّث هذه المثاليات منذ أيام ثورة عام 1979. وخلال هذه الأيام يتضح بجلاء مدى الفشل في الوصول إلى المثُل المعلنة. لقد صدرت في الآونة الأخيرة أحكام بالإعدام في جرائم لم تكن عقوبتها في الماضي الإعدام، وأعني جرائم السرقة والسلب والنهب.

هناك قضية أثارت ضجة كبيرة في إيران، وهي قضية شابين في مقتبل العشرينات تم إعدامهما علانيةً في إحدى حدائق طهران العامة في منتصف شهر يناير (كانون الثاني) 2013. كان الشابان قد هاجما أحد المارة في شارع بطهران شاهرين السكين، ثم سرقا منه محفظة نقوده.

وبحسب ما تردد لم يتجاوز المبلغ المسروق ما يقدر بخمسين يورو. قام مصور مجهول بالتقاط صور إعدام الشابين. إحدى تلك الصور تبين المحكوم عليه وهو يبحث عن التعزية لدى جلاده الملثم قبل أن يقوم الجلاد بلف حبل المشنقة على عنقه.

احتجاجات لإيرانيين مهاجرين في مدينة كولونيا الألمانية على عقوبة الإعدام في إيران. دويتشه فيله.
احتجاجات لإيرانيين مهاجرين في مدينة كولونيا الألمانية على عقوبة الإعدام في إيران: العام الماضي 2012 تم تنفيذ 400 عقوبة إعدام في إيران. ودعت لجنة حقوق لإنسان التابعة للأمم المتحدة إيران إلى التخفيف من عقوبات الإعدام ومراعاة حقوق المُدانين في جرائم.

​​

"محاربة الله"

ماذا حدث؟ حتى الآن كانت السرقة تُعاقب في الجمهورية الإسلامية بقطع اليد اليمني في أسوأ الحالات، وكثيراً ما كان يتاح للمحكوم عليهم تحويل العقوبة الجسدية إلى عقوبة بالسجن أو إلى غرامة مالية.

لا تتحدث المصادر الإسلامية عن عقوبة الإعدام في جرائم السرقة إلا في حالات قطع الطرق فحسب، أي السطو المسلح على القوافل التجارية في الصحراء. لكن القضاة في إيران لا يشيرون إلى مصطلح "قطع الطريق" في حكمهم.

أما حيثيات حكم الإعدام المثير للجدل الذي أصدرته محكمة الثورة فقد جاء على النحو التالي: بارتكابهما جريمة السطو المسلح فإن الشابين متهمان بنشر شعور بغياب الأمن والاستقرار في البلاد على نحو يهدد وجود الجمهورية الإسلامية كلها.

وبهذا يكونان قد ارتكبا جريمة "المحاربة"، أي محاربة الله، فالجمهورية الإسلامية هي – في عرف المحكمة – الدولة التي أُسست بمشيئة الله. وعقوبة "المحاربة" هي الإعدام مثلما قرر الخميني.

ستار بيهشتي. مدوّن إيراني. Irani
المدون الإيراني الشاب ستار بيهشتي، قبضت عليه في الشرطة في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2012 ووجد جثةً هامدةً بعد أيام من ذلك. وأثارت قضيته الرأي العام العالمي.

​​
ولم يحاول آية الله صادق أمولي لاريجاني، رئيس جهاز القضاء في إيران، أن ينكر الطبيعة الجائرة للحكم. "بالطبع من الممكن إصدار عقوبة أخرى على هذا الجرم. ولكن حتى نوضح للعناصر الإجرامية أنهم سيدفعون ثمناً عالياً مقابل جرائمهم، فقد قررت المحكمة إصدار عقوبة الإعدام. (...) لقد صدر الحكم بالإعدام بهدف الردع" حسبما ذكرت وكالة الأنباء الرسمية "فارس".

وتمارس الدولة الإيرانية سياسة هجومية في هذا الموضوع. خلال المحاكمة في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2012 عرض التلفزيون عدة مرات الفيديو الذي سجلته كاميرات المراقبة والذي يوثق، حسبما يدّعون، حادثة السطو. أما حكم الإعدام فقد تم تنفيذه بالطبع "على الملأ العام". ووفق ما قال مواطنون في طهران فقد تم لصق ملصقات ضخمة في المدينة تحمل عبارة "الإعدام عقوبة السرقة".

اللصوص وقطاع الطرق أعداء الدولة الجدد؟

هل أصبح اللصوص وقطاع الطرق أعداء الدولة الجدد؟ حتى الآن كان أعداء الدولة هم المثقفون النقديون مثل هاشم أغا دجاري، أو صناع الأفلام المشاكسين مثل جعفر باناهي، أو الطلاب من زعماء الموجة الخضراء، وهي الحركة التي عارضت إعادة الانتخاب المثير للجدل للرئيس أحمدي نجاد عام 2009.

هؤلاء هم الذين ينبغي عليهم أن يتوقعوا الاتهام بـ"المحاربة" في إيران؛ أو أن يلقوا حتفهم – حتى دون اتهام – "بالسكتة القلبية" في أحد أقسام الشرطة، كما حدث للمدون الشاب ستار بيهشتي قبل بضعة أشهر؛ أو أن يختفوا في يوم من الأيام، قبل أن يظهروا بعد وقت قصير جثةً هامدةً على حافة طريق موحش، مثلما حدث لكتاب كثيرين ومفكرين معارضين مشهورين خلال سلسلة الاغتيالات التي استمرت من 1998 حتى 2002.

ولكن اللصوص وقطاع الطرق؟ يبدو أن الجمهورية الإسلامية – وقبل أربعة شهور من بدء الانتخابات الرئاسية – قد بدأت مرحلة جديدة من الصراع من أجل أن تظل على قيد الحياة. أما وسائل الإعلام التابعة للدولة فهي تكثر الحديث عن "الفتنة الكبرى" الجديدة التي يريد الخارج العدائي أن يبث بذورها في البلاد قبل الانتخابات.

آية الله صادق أمولي لاريجاني، رئيس جهاز القضاء في إيران. FARS
"علينا أن نبدأ عهداً جديداً من الصراع مع قوى الشر"، هكذا وصف الحُكم: أمولي لاريجاني، رئيس جهاز القضاء

​​إن العزلة الدولية التي يعاني منها النظام بشكل متزايد منذ قمعه لـ"الحركة الخضراء" قمعاً دموياً في عام 2009 بدأت تأتي بثمارها. أما نتائج العقوبات الاقتصادية فهي وخيمة، وعلى خلاف ما حدث قبل عام 2009، فهي لم تعد مقتصرة فحسب على البرنامج النووي والتسليح العسكري، بل هي تشمل الاقتصاد كله.

عوَز في المجتمع الإيراني

قيمة العملية المحلية، الريال، تتدهور، في حين ترتفع تكاليف المعيشة. أدوية مهمة لم تعد تدخل البلاد، وهكذا أصبح عشرات الآلاف من مرضى السرطان محرومين من الحصول على العلاج الكيماوي. إيران تعاني من أزمة إنسانية.

إن الفقر الاجتماعي الجديد في إيران يؤدي بالفعل إلى زيادة جرائم السرقة والسطو. هذا ما يُجمِع عليه المواطنون الإيرانيون. ولهذا يبدو النظام عصبياً وقلقاً، وهو ما يجعل رد فعله أكثر دموية، أي أن يقوم بإعدام صغار المجرمين علانية. الردع التام هو شعار المرحلة.

لا ينطبق ذلك على الاحتجاجات السياسية فحسب، إذ ينبغي أن يُخمَد في المهد كل ما قد يُطلِق شبح الفوضى والأناركية من القمقم. "علينا أن نبدأ عهداً جديداً من الصراع مع قوى الشر"، هكذا وصف الأمر أمولي لاريجاني، رئيس جهاز القضاء.

أما المصداقية السياسية فلم تعد تلعب أي دور في هذه المرحلة التي يخوض فيها حكام إيران صراعاً من أجل البقاء على قيد الحياة.


شتيفان بوخن
ترجمة: صفية مسعود
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013

يعمل شتيفان بوخن صحفياً بالمجلة التلفزيونية "بانوراما" التي تبثها القناة الأولى في ألمانيا ARD