''أجمل سبت'' ـ الإعلان الرسمي لولادة دولة جنوب السودان

شوارع مدن وبلدات جنوب السودان رقصت كثيرا ليل الجمعة/السبت ومنذ الساعات الأولى لإعلان إستقلال دولة جنوب السودان. استقلال ناله الجنوبيون بشق الأنفس لكنه يدخل المنطقة في فترة جديدة من عدم اليقين. الأجواء قبيل إعلان الدولة. مثيانق شريلو من جوبا ينقل إلينا هذه الأجواء الاحتفالية.



حين تجول في شوارع جوبا يحيلك كل شيء فيها على أمر واحد، إنه الإعلان الرسمي لقيام دولة جنوب السودان، أو كما يطلق عليه معظم الناس هنا: أجمل سبت. والمقصود بالطبع يوم السبت التاسع من شهر تموز/ يوليو لعام ألفين وأحد عشر، يوم الإعلان الرسمي عن هذه الدولة. وكل من تلتقي به يقول لك: السبت جاي؛ وبالفعل ما هي إلا ساعات قليلة وتطلق الصافرة النهائية مؤذنة إعلان دولة جديدة في عالمنا هذا. وكانت هذه الدولة، دولة جنوب السودان قد أضحت واقعا معاشا، خصوصا وسط الجنوبيين قبل الإعلان الرسمي للاستقلال عقب نزاع تاريخي طويل ومرير، راح ضحيته حوالي مليوني شخص حسب التقديرات الدولية بشان الجرب الأهلية في السودان.

وكان الجنوبيون قد صوتوا بنسبة عالية جدا لصالح الانفصال مفضلينه على البقاء مع شمال السودان في دولة واحدة. وقد بلغت نسبة المصوتين للدولة الجديدة 98 % وذلك في الاستفتاء الذي شهده جنوب السودان في التاسع من كانون الثاني/ يناير الماضي، والذي وصفته المنظمات الدولية والإقليمية بالعملية الديمقراطية النزيهة والسلمية. وقبيل الإعلان الرسمي للاستقلال، الذي ستقام مراسيمه السبت بساحة متحف الزعيم جون قرنق دي مبيور مؤسس الحركة الشعبية، تبدو ملامح الفرح واضحة على وجوه المواطنين الجنوبيين بمناسبة نيلهم "الاستقلال".

"حلم تاريخي يتحقق"

الصورة دويتشه فيله
يقول المراقبون إن دولة جنوب السودان الوليدة ستواجه تحديات كبيرة

​​

وأعرب عدد من المواطنين في مناطق مختلفة من مدينة جوبا العاصمة العتيدة للدولة الوليدة ممن استطلعت دويتشه فيله آراءهم عن ارتياحهم لتحقق ما وصفوه بحلمهم التاريخي؛ فيما قال آخرون إنهم انتظروا طويلا هذه "اللحظات التاريخية". وفي هذه الأثناء بدأت الفرق الشعبية والتراثية بتقديم عروض غنائية وتراثية استعدادا للاحتفالات التي من المتوقع ان تشارك فيها عدد كبير من الفرقوالفنانين.

ويقول المواطن أندرو شارلس في مقابلة مع دويتشه فيله إن "الاستقلال جاء في إطار التضحيات التاريخية من قبل شعب جنوب السودان منذ حقب من التاريخ السوداني المعاصر". ويضيف شارلس بأنه "فخور جداً بهذه التضحيات وأنه على أمل في أن يحقق الاستقلال كل طموحات الشعب الجنوبي الذي يرغب في العيش الكريم وفي رفاهية". وينهي شارلس كلامه بالقول: "نحن في جنوب السودان سعداء لأننا أخيرا أصبحنا أحرارا".

تحديات هائلة

الصورة د ب ا
الفرحة تعم كل مناطق جنوب السودان مع اقتراب الولادة الرسمية للدولة الفتية

​​

وبما أن مستقبل الدولة الجديدة تواجه تحديات هائلة، فإن كواش نياويلو على قناعة بان "الدولة الوليدة ستكون ديمقراطية ولن يستطيع حزب واحد ان يتربع على عرشها وأن التعددية الحزبية ستكون من الشروط الأساسية المتوفرة لتلك الدولة". إلا أن نياويلو يستدرك ليقول بأن قضية ابيي وجبال النوبة ستعكر صفو الدولة الوليدة مضيفا "آمل في أن يتوصل الطرفان في الجنوب والشمال لحل سلمي لهاتين القضيتين".

ويرى ايجيل ماسباي أن شعب جنوب السودان "انتظر الاستقلال طويلا" وبأنه فرصة أن يحكم نفسه بنفسه دون وصايا من أحد على حد قوله. ويضيف ماسباي لدويتشه فيله قائلا: "آمل أن تستمر عملية السلام وكذلك حل القضايا الخلافية على ذات النحو بين الشمال والجنوب". ويتابع المواطن الجنوبي المتحمس للانفصال بالقول "أتوقع أن يحظى جنوب السودان بدعم من المجتمع الدولي وكذلك دول الجوار ومن بينها دولة كينيا".


أفراح في كل مكان

وليس بعيدا من مكان ماسباي كانت مجموعة من النساء يرقصن وينشدن أناشيد حماسية "بمناسبة الاستقلال، وكذلك بمناسبة انضمام عدد من القيادات بحزب المؤتمر الوطني الحاكم في الشمال من أصول جنوبية إلى حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان". فقد شمل الانضمام أحد أبرز قيادات الحزب الوطني وهو رياك قاي كوك، نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني رئيس قطاع الجنوب. وعبر عدد من الشباب عن سعادتهم لنيل شعب الجنوب الحرية التي قالوا إنهم انتظروها طويلا.


ويقول هؤلاء بأنهم كانوا على أمل بأنه في يوم من الأيام سيشهد الجنوب وشعبه النور؛ فهم ناضلوا على مر التاريخ من أجل الكرامة الإنسانية والعدالة والمساواة. ويشير جاستن قرنق إلى أنه في غاية السعادة خصوصاً أنه "فخور بصبر الشعب الجنوبي الذي نال حقه في تحقيق المصير". ويضيف قرنق لدويتشه فيله قائلا "أعتقد بأننا اجتزنا مرحلة مهمة من مراحل أمتنا ويجب علينا أن نثبت للعالم بأننا على قدر المسؤولية في المضي قدماً نحو بناء دولتنا الوليدة".

مشاركات أجنبية


وتقول تريزا، وهى امرأة ناهزت الخمسين عاماً "أنا أؤمن بأنني تحررت منذ اليوم وكذلك أحفادي الذين تمنيت دوماً إلا يعيشوا في ظروف عشتها في سنن حياتي". وتضيف تيريزا لدويتشه فيله والفرح يشع من عينيها "لكل هذه الأسباب أنا حقيقة في غاية السعادة وأحمد الرب على ذلك". ولم يقتصر الفرح على مواطني الجنوب وحدهم بل شمل الجاليات الأجنبية المقيمة هناك والتي رحبت بقدوم الدولة الجديدة في إفريقيا. كما قدم العديد منها التهاني للمواطنين الجنوبيين والحكومة بمناسبة نيل الاستقلال.

وقد قام أفراد الجالية الارترية بتعليق صور لعدد من القادة الجنوبيين خلف سياراتهم الخاصة وعليها كتابات وعبارات تؤكد مشاركتهم لمواطني جنوب السودان أفراح الاستقلال ونيل الحرية. ومهما تباينت الآراء والطموحات والآمال فإن "الهدف واحد وهو فرحة الاستقلال والتي أصبحت شعورا عاما يراود كل مواطني جنوب السودان بمختلف فئاتهم"، يقول أحد الشباب الجنوبيين. ويضيف "يحدونا الأمل في أن نجد كل ما كنا نفتقد إليه في دولتنا القديمة في هذا الاستقلال الذي انتظرناه طويلا".

 

مثيانق شريلو ـ جوبا
مراجعة: أحمد حسو
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011