حارس الدولة الأتاتوركية في إطار"ديمقراطية-عسكرية"

ينظر معظم المواطنين في تركيا إلى دور الجيش بشكل إيجابي، إذ لم تطمح القوات المسلحة التركية قط لإقامة حكم دكتاتوري عسكري كما هو الحال في معظم الدول العربية، وفق لؤي المدهون في تحليله لطبيعة دور المؤسسة العسكرية التركية.

رئيس الأركان التركي ورئيس الوزراء إردوغان، الصورة: د.ب.ا
الجيش التركي يقدم نفسه على أنه حامي منجزات الدولة الكمالية

​​ لا يمكن تجاهُل دور الجيش التركي في الحياة السياسية على ضفاف البوسفور، حيث لعبت القوات المسلحة دورًا مركزيًا في عملية اتخاذ القرارات ولا تزال تفعل ذلك حتى اليوم. وهي لا تخضع لمراقبة أي سلطة، لذا يتصرف الجيش في فضاء الدولة بشكلٍ مستقلٍ إلى حدٍّ بعيد.

يتم استعراض هذا الوضع المميز مرة كل سنتين من خلال التغيير الدوري لقيادة الجيش التركي، حيث لا يحق لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ولا للبرلمان التركي أن يشاركا في تعيين رئيس الأركان العامة عماد الدولة.

هكذا لم يكن على أردوغان سوى المصادقة شكليًا على تعيين الجنرال إلكِر باشبوغ في الأسبوع المنصرم في قيادة الجيش بعد تزكيته من قِبَل هيئة قيادة الأركان. ونظرًا لهذا الوضع يتحدث بعض المختصين في العلوم السياسية عن "ديمقراطية-عسكرية" إزاء سعة نفوذ الجنرالات الفريدة.

مجلس الأمن القومي بوصفه حكومةً موازيةً فعليًا

حملة انتخابية في تركيا، الصورة: أ.ب
"خلافًا للديمقراطيات الغربية الأخرى يُنظر إلى دور الجيش في تركيا بشكلٍ إيجابي إلى حدٍّ بعيد"

​​ يبسط الجيش نفوذًا واسعاً على كافة سلطات الدولة، وبخاصةً من خلال "مجلس الأمن القومي" الذي تم تأسيسه بعد انقلاب عام 1960. والجدير بالذكر أن مجلس الأمن القومي قد حصل على صلاحياتٍ مُلزِمةٍ للحكومة بعد الانقلاب الثالث في العام 1980، كما تحولت لجنة السكرتارية العامة التابعة له إلى حكومة موازية عبر مراسيم سرية.

والمفاجئ في هذا الوضع الفريد للجهاز العسكري في ظل نظام ديمقراطي أنه لا يمكن إيجاد تفسيرٍ واف له عبر واقع خضوع كافة سلطات الدولة لرقابة العسكر. لا بل أن هذا الوضع يتأسس على قبول القوات المسلحة التركية في الوعي العام التركي بوصفها جزءًا لا يتجزأ من الثقافة السياسية التي تجذَرَت تاريخيًا.

خلافًا للديمقراطيات الغربية الأخرى يُنظر إلى دور الجيش في تركيا بشكلٍ إيجابي إلى حدٍّ بعيد، كما تتمتع النخبة العسكرية بسمعةٍ لا غبار عليها على الإطلاق لدى المواطنين، وبالتالي تستمد النخبة من ذلك شرعيتها بوصفها درع الجمهورية الحقيقي.

احترام فائق "لحماة الجمهورية"

تؤكد نتائج استطلاعات الرأي الراهنة على الاحترام الفائق الذي يحظى به الجيش الذي يُعتبر المؤسسة العامة الأكثر أهلاً بالثقة في البلاد. ويتعلق ذلك بالتأكيد بأسطورة تأسيس الجمهورية، وبتاريخ القوات المسلحة التركية: بدءًا من حرب التحرير الأسطورية بين الأعوام 1919 حتى 1922 مرورًا باجتياح جزيرة قبرص عام 1974 ووصولاً إلى الصراع الدائم مع المنظمة الكردية الانفصالية "حزب العمال الكردستاني" PKK، ما رفع من شأن العسكر ليصبحوا المؤسسة الوحيدة في البلاد التي أسهمت بشكلٍ كبيرٍ في تكوين اعتزاز الأتراك بوطنهم.

لقاء الساسة والعسكر، الصورة: أ.ب
"الجيش رأس هرم الإصلاحات السياسية التركية "

​​ كذلك أتاتورك الذي يُعتبر مؤسس تركيا الحديثة، يحظى باحترام معظم الأتراك لأنه جنَّب بلاده من السقوط في درك حكم الاستعمار على عكس ما جرى للجيران العرب نتيجةً لاتفاقية سايكس بيكو التي أُبرمت في 16 أيار/مايو 1916.

يضاف إلى ذلك دور الجيش المميز بوصفه الأداةَ التي فُرِضَت بها الإصلاحات العلمانية وخطوات التحديث التي أتت من قمة السلطة، والتي بنى عليها أتاتورك قوام الدولة، الأمر الذي منحه شرعيةً لا خلاف عليها، إذ كان الجيش التركي هو القوة الوحيدة فعليًا التي استطاعت أن تحل محل المواطنة التي كانت غائبة في المجتمع التركي، كما بنى أتاتورك عماد السلطة التي ارتكزت عليها الأجهزة الأخرى للدولة.

"ديمقراطية أتاتورك العسكرية"

هذا التماهي أدى بالضرورة على نحوٍ ما لأن تشعر القوات المسلحة التركية بأن رسالتها تتضمن التدخل في سياسة البلاد كلما ظنت أن "دولتها" تتعرض للتهديد. وثمة ما يكفي من الأمثلة التي تدل على ذلك: فإلى جانب التدخلات التي حصلت في الأعوام 1960 و1971 و1980 هناك "الانقلاب الأبيض" في نيسان/إبريل 1997، وسعي الجنرالات في 27 نيسان/إبريل 2007 في أول "انقلاب عبر الانترنت" في التاريخ على الأرجح لمنع انتخاب عبد الله غول رئيسًا للبلاد، لكن بلا جدوى.

رغم ذلك يختلف دور القوات المسلحة التركية جذريًا عن دور مثيلاتها العربية. وتكمن خصوصيتها الكبيرة في أنها لم تسع قط إلى إقامة دكتاتورية عسكرية، بخلاف الجيوش العربية والعسكر في "الجمهورية الإلهية" إيران الذين يقومون بدور الضامن للدكتاتوريات وهم أدوات قمع تعمل على حماية السلطة.

ضرورة صياغة دستور مدني جديد

وبما أن الدستور الذي أقر في ثمانينيات القرن الماضي قد زرع بذور النزاع على الصلاحيات والسلطة بين الجيش والحكومة التركيين، أصبح لا بدَّ من العمل على إقرار دستورٍ مدني جديدٍ في الوقت القريب. على أي حال سيتعين على قيادة الجيش أن تتخلى عن قسمٍ كبيرٍ من نفوذها في سياق اقتراب تركيا من معايير الاتحاد الأوروبي. وسيكون القيام بذلك بالتوافق مع قيادة الجيش تحديا كبيرا ليس لحزب العدالة والتنمية ما بعد إسلاموي الصاعد، بل أيضًا لرئيس الأركان الجديد إلكِر باشبوغ.

لؤي المدهون
ترجمة: يوسف حجازي
قنطرة 2008

قنطرة

الجيش التركي والإتحاد الأوروبي:
مؤسسة خارج كل رقابة
يعتبر النفوذ الذي تتمتع به القوات المسلحة التركية أكبر عقبة في طريق انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي. حوار مع الباحث أرول أوزكوراي

أنصار أتاتورك في مواجهة أقلية ديموقراطية:
ماذا يجري في تركيا؟
يتظاهر مئات الألوف - كثير من النساء والشباب وممثلي الطبقة الوسطى ضد حكومة إسلامية قادت بلدها نحو أوروبا بشكل أقوى من أي حكومة أخرى في العقود الماضية. تحليل الصحفي الألماني غونتر زويفرت.

المحامية والناشطة من أجل حقوق الإنسان الكردية الأصل إرين كيسكين:
"كل السلطة في قبضة الجيش التركي"
مُنحت إرين كيسكين في مدينة أسلينغن الألمانية جائزة تيودور هيكر للشجاعة والإستقامة. في الحوار التالي ترى المحامية والناشطة من أجل حقوق الإنسان أن تركيا لم تلب بعد الشروط الضرورية للانضمام إلى الاتحاد الأوربي.