عالم من الصور النمطية والأفكار الاختزالية

ترى نيللي فينيزيا، مؤسسة ومديرة معهد فينيزيا للتنوع والتعدد الثقافي، في هذه المقالة أن الصور النمطية والأحكام المسبقة التي تحكم الصراع الشرق الأوسطي تدعونا للتساؤل عن مكان الآخر في داخلنا وكيف يجرى استحداث هذه الصورة.

صورة رمزية، الصورة: د.ب.ا
ترى نيللي فينيزيا أن التعايش يحتاج إلى الابتعاد عن الصور النمطية وطرح تساؤلات تتعلق عن مكان الآخر

​​ شاركْتُ مؤخراً كمنسّقة في مؤتمر دولي، بحث في الحوار بين الشعوب من خلفيات مختلفة في مجتمع متعدد الثقافات. وحَضَرَت المؤتمر كذلك الكاتبة الأمريكية ربيكا ووكر، التي ولدت في الولايات المتحدة في منتصف ستينيات القرن الماضي لأب يهودي أبيض وأم مسيحية سوداء، في وقت كان فيه زواج كهذا يعتبر غير قانوني. لذا فقد كانت تُصنّف طفلة "غير شرعية". تحدثت السيدة ووكر عن تجاربها الطويلة في الرفض.

وبالنسبة لليهود كانت تعتبر "غير بيضاء بشكل كافٍ"، وبالنسبة للأطفال السود في مدرستها لم تكن "سوداء بما فيه الكفاية". سألْت السيدة ووكر في نهاية حديثها إذا كان باستطاعتها وصف لحظة في حياتها لم تكن تشعر فيه أنها "غير شرعية" أو خارج الإجماع. بعد لحظة من الصمت أجابت: "كلا، لا أتذكر لحظة كهذه". ليس الشعور بأن المرء "خارج الإجماع" فريداً للذين يعيشون الصدع بين الأبيض والأسود. إنه ظاهرة اجتماعية عالمية موجودة في مجتمعات تزرع فيها الأنظمة الاجتماعية والسياسية التحامل تجاه الآخر.

قوالب تقليدية

طفلان فلسطينيان، الصورة: د.ب.ا
المناهج التعليمية والمعايشات تلعب دورا رئيسا في تشكيل وعي الأطفال بالآخر

​​ تصف تجربة العيش "خارج الإجماع" كذلك المشاعر المتبادلة الموجودة بين يهود إسرائيل والفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر. ينظر كل طرف إلى الآخر على أنه "غريب" يهدد أمنه أو أمنها على مستوى وجودي إضافة إلى الحياة اليومية. لذا ننزع لأن نقولب الآخر في دور عدو يتواجد "خارج الإجماع". ولا أعني بكلمة "عدو" هنا عدواً خارجياً يهدد وجودنا بالمعنى السياسي، وإنما عدو داخلي موضوعي، أي الأسلوب الذي يرى كل واحد منا الآخر بغض النظر عن المجموعات المذكورة أعلاه التي ننتمي إليها.

وفي إسرائيل، يلعب التعليم غير الرسمي كآلية اجتماعية دوراً رئيسياً في تشكيل وجهات النظر المتأصّلة تجاه الآخر. تضم كتب الأطفال وقصصهم رسائل نمطية فيما يتعلق بالآخر. في ثقافة الشباب الإسرائيلية على سبيل المثال، فإن صورة العربي كشخصية شرعية في أدب الأطفال أو أفلامهم أو ألعاب الحاسوب معدومة الوجود تقريباً. وعندما يتم تقديم صورة العربي، فهو دائماً تقريباً يُصوَّر على أنه العدو.

قد يكون التلفزيون أهم وسط في تشكيل صورة الآخر. ومن الأمثلة على ذلك برنامج "Big Brother"، الذي يعرّفه مخرجو المحطة على أنه برنامج وثائقي يعكس المجتمع الإسرائيلي ويعتبر "برنامجاً يعمل على صياغة الرأي". وبعد أن يتلاشى وعي المشاركين بالكاميرات وتخف حدة وعيهم وانتباههم، يستطيع المرء سماع تعابير عدوانية وعنصرية عن الآخر. وتعمل حتى الإعلانات التي تُبث أثناء البرنامج على تعزيز هذه الصور النمطية، إلا بالنسبة لحالات عابرة تظهر فيها صورة "العربي الآخر" في "ضوء إيجابي"، ترتبط بالطبع بالحمّص والقهوة.

وقفة مع الذات

شعار معهد فينيزيا للتنوع والتعدد الثقافي، الصورة: معهد فينيزيا
يشكل المعهد نافذة للحوار المشترك بين الفلسطينيين والإسرائيليين من خلال مبادرات ومشاريع مشتركة

​​ يعلّم الانغماس في بيئة اجتماعية مشبّعة بالصور النمطية والإجحافات حيال الهويات والثقافات الأخرى، يعلّم الفرد داخل ذلك المجتمع ما هي الهويات والثقافات التي يُنظر إليها على أنها أعلى قيمة وأيها أقل. وبهذا يصبح اليهودي الإسرائيلي أو الفلسطيني الآخر جزءاً من تكويننا العاطفي. تطلق هذه الناحية العاطفية صفات مشوهة وغير دقيقة على الآخر ولكن الصورة قوية لدرجة أنها تؤثر على الأسلوب الذي نفكّر ونشعر ونتصرف فيه تجاه الآخر. المعنى الضمني هنا هو أنه حتى لو كنا نؤمن بالقيم الليبرالية كاحترام الآخر وقبوله على مستوى الإدراك الحسّي، إلا أن قوة هذه المشاعر السلبية تجاه الآخر تجعل من الصعب ممارستها.

وحتى يتسنى تحقيق التغيير يتوجب علينا أن نبدأ بحثنا من الداخل. لذا تعتبر المواجهات بين اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين (على جانبي الخط الأخضر) والتي يُقصد بها إيجاد علاقات شخصية والحد من التحامل والإجحاف، مهمّة ولكنها ليست كافية. الخطوة الأولى هي أن نسأل أنفسنا: ما هو مكان الآخر في داخلنا؟ كيف جرى استحداث هذه الصورة؟ من أين نستنبط المعرفة المتواجدة في طبقات أفكارنا الصلبة التي تغذي التجربة العاطفية للآخر؟

حتى يتسنى لنا تحقيق التغيير، يتوجب علينا أن نبدأ العملية مع عوامل التغيير في مجتمعنا، وهم أولاً وآخرا التربويون والإعلاميون الذين يشكلون من حيث الجوهر قيادات المجتمع. يجب العمل أثناء تدريبهم في الجامعات أو المؤسسات الأكاديمية على تنمية الوعي الشخصي بالتحامل والصور النمطية والآليات الاجتماعية. عملية بناء هذا الوعي بالتأكيد سوف تتطلب الشجاعة وبيئة مساندة، ولكنها واحدة من أهم الطرق لمباشرة التغيير الاجتماعي.

نيللي فينيزيا
حقوق النشر: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية/ قنطرة 2010

نيللي فينيزيا، مؤسسة ومديرة معهد فينيزيا للتنوع والتعدد الثقافي وهي تحمل شهادة الماجستير في تعليم الثقافات المتعددة. هذا المقال هو جزء من سلسلة خاصة عن التعليم غير الرسمي في المضمون الإسرائيلي الفلسطيني.

قنطرة

كتابان عن إسرائيل وفلسطين:
شعبان ...رحلتان...دليلا سفر
"رحلة في ربوع إسرائيل" و"رحلة إلى فلسطين": أكثر مما يتوقع المرء بكثير، إذ يكمل هذان الكتابان بعضهما بعضا – الكتاب الأول كتبته الصحفية الألمانية زيلكه تيمبل، والثاني بقلم الكاتب الفرنسي إريك هازان. مارتين فوربيرغ في رحلة نقدية للكتابين.

مع الكاتب الإسرائيلي آساف غافرون:
لعبة كمبيوتر في خدمة السلام
وضع الكاتب الإسرائيلي آساف غافرون نصوص لعبة كمبيوتر تحمل اسم "صانع السلام" في محاولة منه لتعزيز رؤية السلام في الشرق الأوسط. غافرون عرض كذلك في روايته "اغتيال جميل" وجهات نظر غير معتادة بسبره غور العالم الداخلي الخاص بشخص إسرائيلي وقع ضحية الإرهاب وبشخص انتحاري فلسطيني. أريانا ميرزا تحدَّث مع هذا الكاتب الإسرائيلي.

الكاتبة والرسامة عايدة نصرالله:
أزمة الهوية... "مَن أنا"..."أين أنا"
صدرت حديثاً الترجمة الألمانية لرواية "عزيزي من وراء البحار" للكاتبة والفنانة الفلسطينية -الإسرائيلية عايدة نصرالله. في هذه الرواية تستكشف الكاتبة أبعاد الهوية المركبة للفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل. مارتينا صبرا التقت عايدة نصرالله في مدينة كولونيا خلال الرحلة التي قامت بها في ألمانيا للتعريف بكتابها الجديد.