رحلة التيه

تشهد صناعة السينما المتواضعة في القسم الكردي من العراق تطورا يكاد يكون بعيدًا عن انتباه الرأي العام العالمي. الفيلم الجديد للمخرج هينِر سليم " دُولْ" الذي تم تصويره بمساعدة الحكومة المحلية هناك جاء خطوة على طريق هذا التطور.تقرير أريانا ميرزا.

​​

يخوض أزاد بطل الفيلم الدرامي " دُولْ" لمخرجه هينِر سليم رحلةَ تيهٍ عبر ثلاث دول. وبالرغم من هذه الأوديسة إلا أنّه لا يغادر المناطق الكردية قط. يضفى على منطقة المثلث التركي الإيراني العراقي في الفيلم بداع السخرية اسم "مثلث برمودا". حيث يقوم بطل الفيلم برحلةٍ في منطقةٍ ذات طبيعة صلفة وغريبة باحثًا عن حياةٍ حرةٍ مستقلة.

مشاهد منبرية

يتم استحضار وحدة الشعب الكردي في فيلم " دُولْ" عبر صورٍ رائعة، وحوارات تملؤها الأسرار، وليس آخرًا من خلال الموسيقى. كما أنّ عنوان الفيلم ذو علاقة أيضا بالموسيقى. "دُولْ" كلمة كردية ذات ثلاثة معانٍ: وادي، وطبلٌ، وطبّال.

ولا تبدو اللغة الكردية هنا وحدها ذات ملامح خاصة بل كذلك الأمر بالنسبة للغة السينمائية التي اختارها هينِر سليم ليروي بها قصته، إذ يصعب تفكيك رموزها بسهولة. حيث تتداخل السخرية والشاعرية ببعضهما بلا حدودٍ فاصلة، وتتوالى قصص الأحداث المقتضبة مع مشاهد منبرية شعاراتية.

وبالكاد يتم إدخال الشخصيات والمواضيع إلى مسرح الأحداث حتى تخرج منه في اللحظة التالية. وبسبب هذه القفزات في مسار السرد يبقى حتى أزاد بطل الفيلم غريبًا، بالرغم من أنّ رحلته تبقى في صلب الحدث. إذ لا نعرف الكثير عن هذا اللاجئ الملاحق البريء، أما تمثيل نظمي كيريك فكان متخشبا.

رسالة سياسية

جاء الفيلم واضحًا بوصفه رسالةً سياسيةً سهلة القراءة. يخبرنا "دُولْ" أنّ الأكراد في المناطق الكردية المحكومة ذاتيًا قد تحرروا أخيرًا من الحكم الأجنبي ومن الملاحقة، وأنّ أبناء جلدتهم في إيران وتركيا على أشد الشوق لحريةٍ مماثلة.

​​وبهذا يمكننا تقييم "دُولْ" بوصفه فيلمًا ينادي بحقوق الأكراد، وبرهانًا على اهتمام الحكومة الكردية المحلية بدعم الثقافة. فبعد أنْ وفَّرت الإدارة المحلية الدعم اللوجستي لفيلم "يمكن للسلاحف أن تطير" للمخرج بهمان غوبادي والذي عرض في مهرجان البرليناله الدولي للسينما في برلين 2006 شاركت هذه المرة بتغطية الأكلاف المالية لإنتاج الشريط.

وجاء على لسان هينِر سليم في مهرجان البرليناله الدولي للسينما في برلين 2007: "في كردستان العراق، لدينا الحرية التامة لصناعة ما نشاء من الأفلام، ولأنْ نكتب ونبدع كما نريد". كما أشار المخرج البالغ من العمر ثلاثة وأربعين عامًا، والذي عاش عشرات السنين في مهجره الفرنسي، إلى أنّ فن السينما هو فنٌ حديث العهد في كردستان، الأمر الذي زاد من سعادته إزاء تعامل الإدارة الرسمية والمواطنين على السواء برحابة صدر معه أثناء أعمال التصوير.

عدم تفهم

أما إذا كان نداء سليم بفيلمه هذا قد وصل إلى جمهور السينما الغربي، فهذا أمرٌ يبقى موضع سؤال بالرغم من قصة نشوء الفيلم الإيجابية. فقد اصطدمت رواية "دُولْ" المغالية بالألغاز بعدم التفهم لمرات عديدة في مهرجان البرلينالة.

وعبَّر عددٌ من الأكراد المقيمين في ألمانيا عن استيائهم من الشريط بعد العرض الافتتاحي في برلين. وجاء رد المخرج هينِر واثقًا على النقد الذي وجهه له أبناء قومه، لا بل استخدم هذا الهجوم ليسجل موقفًا سياسيًا، حيث قال: "يسعدني أنْ نكون الآن هنا في بلدٍ، يُسمح فيه لكل شخصٍ أنْ يعبِّر عن رأيه".

بقلم أريانا ميرزا
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

10 دور سينما لأكثر من 40 مليون إنسان
مشهد من فيلم "يمكن للسلاحف أن تطير" للمخرج باهمان غوبادي حصل فيلم "يمكن للسلاحف أن تطير" للمخرج باهمان غوبادي في مهرجان برلين السينمائي Berlinale على جائزة "فيلم السلام". الفيلم يواجه المشاهدين بالوضع الحالي في كردستان العراق. اريانا ميرزا تكتب عن غوبادي والسينما الكردية.

أفلام المخرج يلماز غوناي هي نقطة الانطلاق محمد أكتاش: "نشاطات الأكراد السياسية طغت بشدة على المشهد لزمن طويل، لذا وجب القيام بشيء مغاير". أول مهرجان للسينما الكردية يتم تنظيمه في برلين. لكن هل هناك سينما كردية تستحق هذه التسمية؟ الإجابة على هذا السؤال في هذه المقابلة مع محمد أكتاش مدير المهرجان وبولانت كوجك أحد منظميه.