حوار عالمي عبر الكاميرات: مقاربة جديدة لمفهوم وواقع الديمقراطية عربياً وعالمياً

التحديات الجديدة التي تواجه إدراكنا لمفهوم الديمقراطية هي ما يسعى معهد غوته لاستكشافه وسبر أغواره عبر سلسلة من فعالياته، التي تقام تحت عنوان "استقبال العالم لِرسم خريطة الديمقراطية"؛ ويتم فيها تسليط الضوء على أوجُه الاختلاف والتشابُه بين الحراك الاجتماعي الجديد في أوروبا وبين الحراك الاحتجاجي في شمال إفريقيا؛ كلاوديا مِندِه تلقي نظرة على مضمون هذه الفعاليات المُعَوْلَمة.

في أربع فعاليات تُجرَى بشكل حيّ ومباشر، يناقش الخبراء والجمهور في مسرح مدينة ميونِخ ومدن أخرى حول العالم، عبر حوار تنقله بالتزامُن شاشات الفيديو، آمالهم وتوقعاتهم ومخاوفهم فيما يخص عملية نشر الديمقراطية.

وينضَمّ عبر كاميرات الفيديو إلى الجمهور في ميونِخ خبراء وجمهور في فروع أخرى لمعهد غوته في كل من القاهرة ومدريد وبكين ولندن وواشنطن وأثينا. ومن خلال هذه الطريقة يتسنى للجمهور في القاهرة مثلاً مناقشة الحاضرين في ميونخ بشكل مباشر، وبهذا يُجرَى حوار عالمي يتميز بأصوات مختلفة ولغات متعددة وآراء متباينة، تتناقَش دون أي تأخير زمني.

حَيِّز لإجراء التجارب

"الثقافة يجب أن تفتح أبواباً للتجارب في وقتنا الحاضر"؛ هذا ما يقوله هانز غيورغ تونغيس، مدير قسم العلوم والتاريخ المعاصر في مقر معهد غوته بميونخ؛ وهذا هو الشكل الثقافي الجديد الذي خرج به هذا المركز الثقافي الألماني.

ويرى غيورغ تونغيس أن النقاش بشكل مباشر يمثل شكلاً جديداً يمكن من خلاله مكافحة سطحية الإنترنت. ويتابع قوله: "نريد أن نجرِّب إمكانية إجراء حوار عابر للحدود في الوقت نفسه، وبذلك خلق مساحة للتفكير في مسائل سياسية راهنة". فكلمة الديمقراطية مرتبطة بآمال مختلفة. وهي تعني لحركات التحرر في شمال إفريقيا والعالم العربي مبدأً سياسياً مثالياً للمستقبل.

احتجاجات ضد الرئيس التونسي الأسبق بن علي عام 2011، أب
الحرية والديمقراطية: أضحت الديمقراطية بالنسبة لحركات التحرر في العالم العربي مبدأً سياسياً مثالياً للمستقبل. وإسقاطها لأنظمتها الاستبدادية أيقظ آمالا كبيرة لديها في العدالة الاجتماعية وزيادة الثروة لدى الفئة العريضة من المجتمع.

​​

وبعد الإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية في ليبيا وتونس ومصر، فإن مجتمعاتها، التي تمُرّ بمرحلة تحوُّل، لم تعد مهتمة فقط بالمزيد من المشاركة السياسية وسيادة القانون وحق تقرير المصير؛ فكثيراً ما يترافق مع التغلب على الأنظمة الشمولية وبناء المؤسسات الديمقراطية: نشوء توقعات بمزيد من الرخاء للفئات الشعبية الواسعة.

وفي الوقت ذاته، لا يزال التساؤل مفتوحاً حول إنْ كانت الديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيكون لها وجه إسلامي، وكيف يمكن لملامح هذا الوجه أن تبدو. فهل ستنتهِج الحركات الإسلامية في المنطقة منهجاً يدفع باتجاه المزيد من الديمقراطية، أم أنها، على العكس من ذلك، ستقف عائقاً في طريق هذا التوجُّه؟

وهل سيبدأ التطور الديموقراطي بعد فشل هذه الحركات سياسياً؟ وهل يقترن المزيد من الديمقراطية في المجتمعات الإسلامية، لزاماً بالضرورة، مع الفصل بين الدين والدولة؟ هذه أسئلة مُلحَّة، تتعلق بطريق عربي له خصوصيته نحو الديمقراطية، ويطرحها على أنفسهم المثقفون في دول التغيير العربي.

"ثورة المتعلمين"

الاحتجاجات العالمية التي بدأت منذ عام 2011، تستند، كما يرى لفولفغانغ كراوزهار خبير العلوم السياسية في معهد الدراسات الاجتماعية بمدينة هامبورغ، على حركة الاحتجاج العالمية الأولى عام 1968.

ولهذا يتحدث كراوزهار عن "ثورة المتعلمين"، التي ينتفض فيها أبناء الطبقة المتوسطة، لعدم توفر فرص لهم في أسواق العمل، رغم مؤهلاتهم العلمية العالية؛ ويجدون في هذه الثورة مُتنفساً لإحباطاتهم.

ورغم ذلك، توجد اختلافات كبيرة بين الحراكين الاحتجاجيين، فالمطالب المطروحة على جدول أعمال النظام الديمقراطي في أوروبا تختلف بشكل كبير عنها في العالم العربي. إذ أنّ المَطالِب في القارة الأوروبية، التي أنهكتها الأزمة المالية، تتمحور حول حجم الحيِّز الديمقراطي المتبقي حين يقود المتحكِّمون بالأموال سياسات الدول. فما هي خيارات توجُّه المؤسسات المنتخَبة في أوروبا، إنْ كان لا يزال لديها أية خيارات هلى الإطلاق: عندما تكون قوة اللاعبين الاقتصاديين هي الطاغية؟ وحين يفقد السياسيون القدرة على صناعة القرار؟ ويختزلون أنفسهم إلى مجرَّد إداريِّين للأمر الواقع؟

ونظراً لانخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات، في كل الدول الأوروبية، وتراجُع الثقة بالنُّخَب السياسية، فإن المسألة لدى حركات الاحتجاج الاجتماعية الجديدة في أوروبا هي مسألة إيجاد طُرُق جديدة للمشاركة السياسية، بهدف إعادة إحياء الديمقراطية في أوروبا.

وفي هذا الصدد، يستخدم الباحث الاجتماعي الإنكليزي كولين كراوتش مصطلح "ما بعد الديمقراطية" لوصف الوضع الراهن في الديمقراطيات الغربية، لأن الأمر بات يتعلق بضمان عمل النظام بكفاءة أكثر من ضمان مشاركة المواطنين في هذا النظام.

هل نحن في بداية حراك احتجاجي عالمي؟

عدم الارتياح لِما آلت إليه الديمقراطية مؤخراً في أوروبا والولايات المتحدة يتجلى في ظهور حركات مثل حركة "احتلوا". ولكن، ألَمْ تختفِ هذه الحركة منذ وقت ليس بالقصير، أم أننا نقِف على أبواب حركة احتجاج عالمية ضد تدخل الاقتصاد في كل مناحي الحياة؟

​​

إذْ باتَت العلاقة بين الاقتصاد والدولة من أكثر الموضوعات إثارةً في الوقت الحاضر. كما أن صعود الصين يُشكِّك في الاعتقاد السائد بأن الدول الحُرَّة هي الوحيدة القادرة على النجاح اقتصادياً. وهذه القضية تلعب دوراً محورياً في النقاش الذي يجريه معهد غوته في بكين.

وفي الوقت ذاته، اصطدمت الدول الديمقراطية بحدود قدراتها القصوى، لأن التحديات الجديدة غير قابلة للحل إلا بالتعاون بين هذه الدول. ومن هذه التحديات: تنظيم أسواق المال، المُطلقَة العنان دون ضابط، إلى جانب أمور أخرى من أهمها التغيُّر المُناخي وتفاقُم شُح الموارد.

فَهَل "نحن نتحدث عن المصطلح نفسه في سياق النقاش عن الديمقراطية، أم أن كل واحد منا يعني شيئاً آخر عند حديثه عن الديمقراطية؟"- هذا التساؤل، كما يرى هانز غيورغ تونغيس من معهد غوته، هو أحد أهم الأسئلة وأكثرها إثارة في سلسلة فعاليات معهد غوته.

محور الفعالية الأولى، التي تحمل عنوان "الاحتجاج والمشاركة"، وتُجرى في تاريخ 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، بين ميونخ والقاهرة ومدريد، هو أوجه التشابُه والاختلاف بين الحركات الاجتماعية الجديدة في أوروبا وحركات الاحتجاج في شمال إفريقيا.

وحول هذا الموضوع، تنضَمّ في معهد غوته بالقاهرة كل من الراقصة ومصمِّمة الرقصات كريمة منصور والمخرجة هالة جلال إلى النقاش، الذي يديره شتيفان فايدنَر مع الجمهور في ميونخ.
وأما بقية الفعاليات التي تُقام عام 2013، فتحمل العناوين: "الديمقراطية والاقتصاد" و"المثالية والتجديد" و"الديمقراطية على جبهة الدفاع".

كلاوديا منده
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2012