سينما جنين.....نافذة أمل على واقع مر

في البدء كان فيلم "قلب جنين"، وعنه انبثق فيلم "سينما جنين"، فيلم وثائقي للمخرج الألماني ماركوس فيتل حول العقبات والمشاكل التي واجهها الأخير لإعادة افتتاح قاعة العرض السينمائي في جنين بعد إغلاق دام 22 عاما. بيرند زوبولا يعرفنا بهذا المشروع الفني الفريد من نوعه.



ما كان لفيلم "سينما جنين"، الذي تعرضه قاعات السينما في ألمانيا اعتبارا من 28 من حزيران/ يونيو 2012، أن يرى النور لولا فيلم "قلب جنين"، الفيلم الوثائقي الذي حاول طرح الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ببعده الإنساني. ويتحدث الفيلم عن الفلسطيني إسماعيل الخطيب، الذي فقد ابنه ذو الحادية عشر ربيعا، بسبب إصابته في الرأس برصاص الجيش الإسرائيلي.


بعد هذه الواقعة قرر الأب التبرع بأعضاء ابنه القتيل إلى أحد المستشفيات الإسرائيلية، ليمنح بذلك الحياة إلى خمسة أطفال إسرائيليين. وقد قام المخرجان الإسرائيلي ليئور جيللر والألماني ماركوس فيتر بمرافقة إسماعيل الخطيب أثناء رحلته داخل إسرائيل عام 2008، لزيارة الأطفال الذين تنبض في أجسادهم أعضاء الطفل الفلسطيني. وفاز فيلم "قلب جنين" بجائزة السينما للسلام عام 2009، ثم جائزة الفيلم الألماني لعام 2010.

انطلاق المشروع الجديد

ماركوس فيتر
. قام المخرجان الإسرائيلي ليئور جيللر والألماني ماركوس فيتر بإخراج فيلم "قلب جنين" الذي فاز بجائزة السينما للسلام عام 2009، ثم جائزة الفيلم الألماني لعام 2010

​​وفي الليلة ذاتها التي تم فيها عرض فيلم "قلب جنين" عام 2008 في مدينة جنين نفسها، طاف فيتر والخطيب شوارع المدينة ليكتشفا أنقاض "سينما جنين"، وهي صالة العرض التي أغلقت لمدة 22 عاما،عند انطلاق الانتفاضة الأولى عام 1987. وقد راودت المخرج الألماني فيتر فكرة إعادة افتتاحها. فالرجل الذي كرس حياته لإخراج الأفلام، يدرك مدى "قدرة السينما على تحريك مشاعر العشرات من الناس".

وعلى وقع التناقضات والصراعات التي تميز منطقة الشرق الأوسط، قرر فيتر، برفقة إسماعيل الخطيب والمترجم فخري حماد إطلاق مشروع ثقافي واعد، يتجلى في إعادة افتتاح "سينما جنين". "كانت فلسطين في السابق تعج بدور سينما عصرية، وكان الناس يقفون في طوابير للدخول إلى قاعات العرض لمشاهدة الأفلام". كما أن النساء كن يلبسن "ملابس قصيرة عوض أن يضعن الحجاب على رؤوسهن". بهذه المقدمة يبدأ الفيلم الوثائقي "سينما جنين"، ليرد التساؤل فيما بعد حول مدى تعاطي أهل جنين مع قاعة العرض في حال فتحت أبوابها بالفعل للجمهور.


بيد أن الحلم بدا للوهلة الأولى مدفونا بين غبار السنين وبين أنقاض الجدران المتآكلة، التي تتسلل إليها أشعة الشمس عبر شظايا زجاج النافذة المنكسر. وفجأة، ظهرت حمامتان فزعتا من الكاميرا وحلقتا إلى الأعلى، وكأنهما تريدان الإشارة إلى الأمل ودحض كل التنبؤات باستحالة افتتاح "سينما جنين" مرة أخرى.

عقبات وإصرارعلى تحدي الواقع

سينما جنين
مساع حثيثة وجهود ضخمة بذلت لإطلاق مشروع سينما جنين

​​وبعد عقبات جمة تعرض لها فيتر ورفاقه انطلق العمل بالمشروع بعد موافقة السلطات الفلسطينية ووزارة الخارجية الألمانية بتمويله. غير أن تحفظات كثيرة ظهرت على الجانب الفلسطيني، نظرا لتخوفات البعض من أن وجود قاعة سينما في جنين قد "يدلل" على عودة الحياة إلى طبيعتها، وهو ما كان ينافي الواقع تماما.


وبحكم أن الفلسطينيين ينظرون عادة بعين الريبة إلى كل "أنشطة السلام"، طُرح مشروع "سينما جنين" ليس من زاوية "مشروع سلام"، وإنما كمشروع ثقافي واعد وكما يقول ماركوس فيتل، كنا "نود إنشاء قاعة سينما في جنين تعيد إلى الفلسطيني كرامته، خاصة وأنه طالما وصف من قبل الإسرائيليين كإنسان لا علاقة له بالثقافة وهذا غير صحيح بطبيعة الحال".


واجه المشروع مشاكل عدة، فيكفي أنه وفي كل مرة يظهر مالك جديد لدار السينما. وكان على فيتل ورفاقه الصمود أمام البيروقراطية الإدارية وأمام موجة من الأحكام المسبقة. وعند اندلاع حرب غزة قبل أكثر من ثلاث سنوات، بات السؤال ملحا حول الدور الذي ستلعبه "سينما جنين"، بمعنى هل تتحول إلى أداة "مقاومة"، أم أنها "فقط" قاعة لعرض "الأفلام الجيدة".


وفي نهاية المطاف تحول الحلم إلى حقيقة وافتتحت في الخامس من آب/ أغسطس 2010 قاعة "سينما جنين" أبوابها رسميا، في احتفال شارك فيه زكريا زبيدي قائد كتائب الأقصى في الضفة الغربية. وحاملا رشاشه، أخذ الأخير مكانا على المنصة، موضحا أنه لن يخلع سلاحه حتى في قاعة السينما تلك. وبعد ثمانية أشهر من ذلك قتل جوليانو مير خميس، المدير العربي الإسرائيلي لمسرح الحرية في الجنين من قبل ملثمين مجهولين. وكان جوليانو من أكبر الداعمين لمشروع "سينما جنين". لكن اغتياله أوضح جليا كيف أن جنين بعيدة تماما عن الحياة الطبيعية، حتى ولو افتتحت فيها "سينما جنين".

 

بيرند زوبولا
ترجمة: وفاق بنكيران
مراجعة: أحمد حسو
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011