عبيد في القرن الحادي والعشرين أيضا!

يعاني في موريتانيا التي تعتبر واحدة من أفقر بلدان العالم حتى اليوم جزء كبير من السكان من العبودية وعواقبها. تقرير أعدته منى نجار عن آخر الانجازات المتحققة في مجال مكافحة العبودية ورواسبها التاريخية.

الشيخ سعد بو كمارا وبو بكر ولد مسعود؛ الصورة: منى النجار
الشيخ سعد بو كمارا (يسار الصورة) أحد أعضاء منظمة "نجدة العبيد" - وبو بكر ولد مسعود، أحد مؤسسي المنظمة ورئيسها أيضا.

​​

إختبر بو بكر ولد مسعود العبودية بنفسه، إذ كان والداه عبدين طوال عقود عدة، وكان زملاؤه في المدرسة يسخرون منه باعتباره عبدا. منذ سنوات عدة يشارك المهندس المعماري بو بكر ولد مسعود في مكافحة العبودية في بلده. وهو أحد مؤسسي منظمة "نجدة العبيد" ورئيسها أيضا.

نصف الموريتانيين ضحايا للعبودية

يحق لهذا الرجل الأسود الممتلئ، قصير القامة وذي اللحية البيضاء أن يشعر بالرضا من نفسه، فبعد عقود من تحريم الكلام عن العبودية تغير الكثير الآن في هذا البلد الواقع شمال غرب افريقيا. ففي الصيف وافق البرلمان على قانون يجرّم العبودية ويعاقب عليها.

يرى ولد مسعود أن القانون يستحق التقدير، كما يرى أيضا أنه يعكس الإرادة السياسية للحكومة وللرئيس المنتخب في مارس / آذار الماضي تجاه الاعتراف بالمشكلة ومواجهتها بجدية. فعلى الرغم من أن العبودية ممنوعة في موريتانيا منذ مدة إلا أن القانون الذي صدر في ثمانينيات القرن العشرين لم يدخل البتة في حيز التنفيذ.

لا توجد إحصائيات دقيقة عن نسبة انتشار العبودية في موريتانيا، إلا أن المنظمات العالمية تعتقد أن حوالي نصف الموريتانيين البالغ عددهم ثلاثة ملايين يعانون من هذه الظاهرة. وتشمل العبوديه هنا العبيد والحراطين، وهم الأرقّاء سابقا، وذريتهم.

الجنة محرمة على من لا يطيع سيده

يصف بو بكر ولد مسعود العبد بالانسان الذي يعمل ليل نهار في خدمة سيده، ويعيش معه، ويرثه سيده وله الحق أيضا في تقرير مصير أولاده. ويستطرد أن الرجال أو النساء العبيد يقومون برعي الماشية أو الزراعة أو بأعمال المنزل. كما يساء استخدام الدين في الإبقاء على العبودية، فعلى حد قوله "يشيع الاعتقاد بيننا بأن العبد الذي لا يطيع سيده لا يدخل الجنة".

لقد نشأت هذه الظاهرة مع مرور الزمن، ولم ترتبط بلون البشرة إلا قليلا. كانت بدايتها أيام كانت القبائل تحارب بعضها بعضا، وعندما كانت القوافل تجوب البلاد محملة بالملح والصمغ العربي وكان ثمة من ينهب الناس أحيانا ويبيعهم.

أما اليوم فلا يوجد استعباد جديد، ولكن الأبناء يرثون العبودية عن آبائهم. لقد تركت العبودية آثارا بالغة في المجتمع الموريتاني. ففي العاصمة نواكشوط، حيث يعيش حاليا ثلث الموريتانيين، تظهر الخطورة الاجتماعية لهذه المشكلة. غالبية سكان الأحياء الفقيرة هم من الحراطين الذين ليس لهم حضور قوي في مدارس البلاد. كذلك هو الشأن في ما يخص امتلاك الأراضي الزراعية. كما يحرّم المجتمع الزواج منهم.

تناقض مع القرآن

يرى الشيخ سعد بو كمارا أن القانون الجديد الذي يجرّم العبودية ويجعلها تحت طائلة القانون ليس سوى خطوة أولى لاختراق الحلقة المفرغة التي يتواجد فيها الآلاف من الناس. كما يطالب السيد/ بو كمارا، العضو في منظمة "نجدة العبيد" وأستاذ علوم الإجتماع في جامعة نواكشوط، بتعبئة اجتماعية شاملة، قائلا: "يجب علينا أن نتعاون مع الأئمة، وأن نذهب إلى المساجد ونقول للناس أن العبودية تخالف القرآن. لا بد من أن نغير هذا الوضع في عقولنا. إنني أقوم بصفتي أستاذا جامعيا بتأهيل مدربين يذهبون إلى الأرياف لتوعية الناس وتأسيس فروع لمنظمتنا".

تشارك منظمة "نجدة العبيد" في الاذاعة الشعبية "راديو سيتيون"، حيث يمكنها الاتصال بالمعنيين والقيام بتنويرهم. كما تحاول أيضا من خلال مختلف المشاريع الأخذ بيد العبيد ومن كانوا عبيدا سابقا لتأسيس مورد رزق لهم. وعلى ذلك يعلق الشيخ بو كمارا قائلا: "يجب علينا أن نعتمد على أنفسنا اقتصاديا، وإلا سنهبط بسرعة إلى نفس الأوضاع السابقة".

إن عملية التغلب على العبودية وعواقبها سوف تظل تشغل أجيالا من الموريتانيين، ولكن على الرغم من ذلك فإن ولد مسعود رئيس منظمة "نجدة العبيد" متفائل وهو يعبر عن ذلك بقوله: "إننا نكافح اليوم سوية: الحراطون وأبناء أسياد العبيد وعلية القوم. فاليوم هناك الكثيرون ممن هم ضد العبودية ".

كتابة: منى نجار
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع محفوظة: قنطرة 2007

www

الموقع الشبكي لمنظمة "نجدة العبيد" (بالفرنسية)