"عراق وهمي" في صحراء تكساس

يقوم الجيش الأمريكي في فيلم "دوي المعركة المحتدمة" Full Battle Rattle بمحاكاة الحرب في العراق مستعينًا بممثلين عراقيين؛ فهل يقف صانعو الفيلم على مسافة نقدية كافية من موضوع فيلمهم؟ قراءة مارتين غيرنر لفيلم يتداخل فيه الخيال بالواقع.

دمى بلاستيكية، دم اصطناعي من مشاهد هذا الفيلم، الصورة: فيلم Full Battle Rattle
فيلم يحاكي الحرب بأدق تفاصيلها كما لو بدا المرء في ساحة حرب حقيقية

​​يبدو كل شيء في مدينة واصل الوهمية كما نعرفه عن العراق من نشرات الأخبار: تنفجر عبوة، تدوي نيران المدافع الرشاشة، تحترق سيارات وتتناثر جثث وجرحى على الأرض. يُقتلُ عراقيون، وتبكيهم نساؤهم. بعض الشيعة يقاتلون ضد السنة، والجيش الأمريكي يحاول السيطرة على هذه الفوضى.

بعد ذلك تصدر الأوامر، وتنتهي كل التمثيلية. ينهض الموتى من جديد، ينفضون الغبار عن ملابسهم، وبعد لحظات يتناولون بعضا من الطعام ويشرعون بالمزاح.

مدينة واصل الوهمية هي واحدة من ثلاثة عشر موقعًا في صحراء موجيف في كاليفورنيا التي تبعد 150 كيلومترا عن لوس أنجلس، يقوم فيها الجيش الأمريكي بمحاكاة حرب العراق. تذكر كواليس القرية بأفلام رعاة البقر إلى حدٍّ ما، والكواليس عبارة عن مجموعة من الأبنية المصنوعة من الخشب. كما شُيِّد المسجد من عدة طبقات من الألواح الخشبية، والمئذنة تلوح عاليًا على طرف الشارع. وبُنيت إلى جانب هذا مقبرة عراقية شواهد قبورها مصنوعة من الأخشاب وليس من الحجر.

دمى بلاستيكية، دم اصطناعي، دموع حقيقية

لكن بالمقابل هناك 200 عراقي حقيقي مدني، يقومون بأدوار محددة في سيناريو الحرب الوهمية مع جنود أمريكيين حقيقيين.

يمثل بسّام دور نائب محافظ مدينة واصل ويجلس قبالة ضابط أمريكي يتحدث للكاميرا قائلاً: "إن المعايير الثقافية العراقية مهمة بالنسبة لنا لأننا نريد الظهور بشكل احترافي ومهذب وحكيم".

أحد الممثلين العراقيين في هذا الفيلم، الصورة: توني جيربر
شعور بالذنب ....خيانة وطنية...شعور ينتاب الممثلين العراقيين الذين شاركوا في فيلم Full Battle Rattle

​​سيناريو معسكر التدريب الذي يستغرق أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع يتضمن تعليمات عن مظاهرات معادية لأمريكا بجانب ترويج الدعاية الأمريكية. ويهتف بعض الممثلين العراقيين المحتشدين: "يسقط جورج بوش!".

ودمى بلاستيكية يمكن انتزاع وتركيب أعضائها تضرجت بدم اصطناعي يجري تحضيرها لمشاهد الجرحى والمصابين، حيث يتم تطبيبها ورعايتها وكأنها أجساد بشرية. تُذرف دموع حقيقية خلال جنازة ميت غير حقيقي. لا شيء يُترك للصدفة. مشاهد مصورة باحتراف، لكنها تبدو غريبة وعبثية كلما تقدم الفيلم في مساره.

هل هو فيلم أمريكي وطني أم فيلم نقدي؟

يقول جيسي موس أحد مخرجي الفيلم: "إن الواقع أكثر تعقيدًا وصعوبةً وخطورة من قدرة الجيش الأمريكي على تمثيله في معسكر من المعسكرات. ونفترض أن يعكس فيلمنا كذب الجيش الأمريكي ونواياه الحسنة، التي قد انقلبت إلى النقيض".

ولولا المقابلات التي أجريت مع الممثلين العراقيين لفقد الفيلم جزءًا كبيرًا من قدرته على جذب المشاهدين. ومن شأن الموسيقى التصويرية المرافقة للعديد من المشاهد أن تدفع المرء للظن بأن هدف هذه اللقطات أن تبث نفحةً قوميةً أمريكيةً. هكذا شعر عدد من المشاهدين أثناء العرض الأول للفيلم في مهرجان برلين السينمائي على أي حال.

يقول المخرج جيسي موس: "كان هدفنا أن نصنع فيلمًا وثائقيًا مراقبا، وليس فيلمًا تربويًا يأخذ بيد المشاهدين ويشرح لهم كيف لهم تقييم هذا وذاك. هذه الحرب عشواء، وبوش وإدارته يتحملون مسؤوليتها ومسؤولية الكثير من القتلى".

تهمة الخيانة الوطنية

يُفتضح في الفيلم أمر تدبيرات الجيش الأمريكي المزعومة لرفع الحساسية تجاه ثقافة العراقيين، وفي أحد المشاهد يتابع جندي أمريكي مع ممثلتين عراقيتين كوميديا تلفزيونية مصرية، ويُعبِّر وجه الجندي الطفولي عن عدم فهمه لما يحصل على الشاشة ولما تضحك جليستيه.

يقر أحد الجنود الذين خاضوا الحرب في العراق فعلاً بأنه يلاقي "دائمًا صعوبات مع العراقيين في الأيام الثلاثة الأولى من معسكر التدريب".

هرب العديد من الممثلين العراقيين من بلادهم قبل نشوب الحرب. والتمثيل ليس شيئا بدهيًا بالنسبة لهم على الإطلاق. يروي المشارك صاحب الدور رقم (4491) في هذا الصدد: "كان لدي في البداية شعور بالذنب بسبب عملي هنا. البعض في الجالية العراقية يتهمني ويتهم زملائي بالخيانة الوطنية. فكرت كثيرًا فيما ما إذا كان علي التوقف عن هذا العمل، إلا أن جزءًا من الأجر الذي أكسبه هنا أرسله إلى عائلتي في العراق".

ساحة وهمية للمعركة – ممثلون حقيقيون

يحتفل الممثلون العراقيون في الفيلم بعرسٍ عربي. ويُعرض فيلم فيديو يُعدم فيه أحدهم، حيث يقوم أحد الممثلين بدور الضحية. وبالكاد يمكن احتمال المشهد من دون شيءٍ من الكوميديا السوداء. يُسلِّم الجيش الأمريكي مدينة واصل للسلطات العراقية في النهاية. ويقع اعتداء آخر في حفل الابتهاج الختامي يُقتل خلاله المحافظ الجديد.

يقول توني غيربر المخرج الثاني للفيلم: "يتصرف الجيش مثل اتحاد اقتصادي لشركات مستقلة يريد أن يظهر بأنه يخطط للمستقبل". ويضيف: "هذه الميكانيكية تمضي قدمًا وتحافظ على استمرارية ثقافة الخوف في الولايات المتحدة. الخوف الدائم من أن يُستهدف المرء مجددًا من قبل الخصوم".

يتم تغيير التجهيزات في مدينة واصل في الوقت الحالي، حيث ستنشأ بدل القرية العراقية كواليس للحرب في أفغانستان تصل كلفتها إلى 12 مليون دولار.

مارتين غيرنر
ترجمة: يوسف حجازي
حقوق الطبع: قنطرة 2008

قنطرة

الفيلم الوثائقي "قواعد العمل المعتادة":
سجن أبو غريب- مأساة باسم أداء الخدمة العسكرية
حاز الفيلم الوثائقي "قواعد العمل المعتادة" Standard Operation Procedure جائزة لجنة التحكيم في مهرجان برلين السينمائي "برليناله" لهذا العام. الفيلم يعالج خلفيات ممارسات التعذيب في سجن أبو غريب، بيد أن محصلة هذه المعالجة السينمائية جاءت متباينة كما ترى أريانا ميرزا.

مشروع رائد:
كتب من أجل العراق"
"كتب من أجل العراق" هو اسم مشروع أسسته وزارة الخارجية في يونيو/حزيران عام 2003، ويهدف إلى إقامة علاقة عمل مشتركة ودائمة بين الناشرين وأمناء المكتبات والعلماء الألمان والعراقيين.

قصص بغدادية
العراق من خلال عيون الأطفال والجنود
وزع الصحفي الألماني فيليب أبرش أكثر من مائة كاميرا على أطفال وشباب وجنود أمريكيين في العراق ليلتقطوا مشاهد من حياتهم اليومية. الصور الفوتوغرافية تعرض حاليا في ألمانيا وفي مناطق أخرى في الشرق الأوسط.