فتية مسلمون بين روحانية الدين وضرورة السياسة

كيف يعيش الفتية الصغار الذين ينشأون في مجتمع مصبوغ بصبغة مسيحية علمانية حجَّهم الأوَّل إلى الحرمين الشريفين؟ في فيلم وثائقي يوثِّق بعض الفتية المسلمين المقيمين في ألمانيا تجربتهم مع الحجّ؛ يتناول هذا الفيلم موضوع الإيمان أكثر من السياسة. أريانا ميرزا شاهدت عرضه الأول وكتبت هذا التقرير.

​​في خريف عام 2008 ذهبت مجموعة من الفتية المسلمين المقيمين في ألمانيا - وأغلبهم من ذوي الأصول التركية - إلى مكة والمدينة لأداء العمرة. والغريب في هذه العمرة أنَّ هؤلاء الفتية صوّروا بدعم تقني تلقوه من "مشروع فوبرتال الإعلامي" فيلمًا وثائقيًا، يشرحون فيه مناسك العمرة، ولماذا ترمز كلّ واحدة من المناطق التي يزورها الحاج وأخيراً وليس آخراً الشعور الذي يحدثه الحجّ لدى كلّ فرد.

يستطيع هذا الفيلم الوثائقي الذي يحمل عنوان "زيارة للنبي" ويبلغ طوله ستين دقيقة تقريب رؤية هؤلاء الفتية المؤمنين عن العالم أيضًا إلى فهم الأشخاص غير المسلمين. ويتحدَّث هؤلاء الفتية الناشئون في العديد من الحوارات المتتابعة عن دوافعهم وآمالهم الخاصة وأفكارهم ومشاعرهم. نشأ من ذلك صورة مكوَّن من شهادات شخصية وصور تتحدَّث بشكل متنوِّع عن الانصهار في جماعة المؤمنين؛ عن الخشوع والرزانة والسرور.

نشاهد في الفيلم فتاة تروي كم كان قلبها يخفق بسرعة عندما شاهدت الكعبة، كذلك تصف رفيقتها التي سافرت معها شعورها بالسكينة والاطمئنان وهي وسط جموع المعتمرين تسمع أصواتهم وجلبتهم. ويصف هؤلاء الفتية المسلمون مراراً وتكراراً كم يريحهم أنَّ ثقتهم في إيمانهم ازدادت أثناء أدائهم مناسك العمرة. فيعلق أحدهم قائلاً: "في ألمانيا أخاف أحياناً من أن أصلِّي في الاتِّجاه الخاطئ. وهنا لا أخاف، لأنَّ الجميع يصلّون هنا وأنا أرى الاتِّجاه الصحيح".

انفعالات ثقافية

​​كذلك لا يحجب هذا الفيلم الوثائقي كلَّ الانفعالات الثقافية، فأحدى الفتيات من مجموعة المعتمرين تروي كيف تم تحذيرها أكثر من مرَّة عند وصولها إلى المملكة العربية السعودية من أنَّ ملابسها غير محتشمة بما فيه الكفاية. وهذه الفتاة المسلمة، التي لا ترتدي في ألمانيا حتى الحجاب، ردَّت بشكل براغماتي قائلة: "حسناً في الغد سوف أشتري لي ملابس أخرى".

وكذلك اندهش المعتمرون القادمون من ألمانيا من النشاطات التجارية المحيطة بالمناطق المقدَّسة. "أنا لا أستحسن في الواقع ممارسة التجارة في كلِّ مكان هنا"، مثلما يرد في الفيلم، الذي تم عرضه للمرَّة الأولى في مهرجان برلين للسياسيين الشباب 2008؛ وقد تم التخطيط له وإنتاجه برعاية "مشروع فوبرتال الإعلامي".

لا تلعب الأوضاع السياسية والاجتماعية في المملكة العربية السعودية أي دور في فيلم "زيارة للنبي". غير أنَّ هذا الحياد السياسي بالذات قوبل أثناء عرض الفيلم في برلين لدى بعض المشاهدين وخاصة الشباب بمعارضة شديدة.

السياسة لم تكن موضوعنا

السفير السعودي في ألمانيا، الصورة: شتبفان شميت
السفير السعودي في ألمانيا أسامة عيد الحميد علي كان ضيفاً في حفلة عرض الفيلم.

​​وبينما أعترف سفير المملكة العربية السعودية في ألمانيا، الدكتور أسامة عبد المجيد علي شبكشي بأنَّ هذا الفيلم الوثائقي جعله وبمعنى الكلمة يشعر بالحنين إلى الوطن، نوَّهت إحدى المشاهدات إلى أنَّ هناك تطلعات إلى وضع إدارة المناطق المقدَّسة تحت رعاية كلِّ المسلمين: "الكثير من المسلمين يجدون استفراد السعوديين هناك بالقرار أمراً غير صحيح". إضافة إلى ذلك انتقد بعض المشاهدين عدَّة مرات إهمال الفيلم مسألة حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية إهمالاً تاماً.

وردود فعل المشاهدين هذه طالبت منجزي الفيلم الحاضرين بأكثر مما يستطيعون. وأكَّد الفتية أنَّهم يريدون باعتبارهم مسلمين يعيشون في ألمانيا من خلال فيلمهم الوثائقي هذا مدّ الجسور وإيقاظ روح التفهّم لدينهم. كذلك يركِّز فيلم "زيارة للنبي" - حسب وصفهم - فقط على التجارب الروحية. "لم تكن السياسة موضوعنا"، حسب قول أحد منجزي الفيلم.

الروايات الشخصية وسيلة للحوار

وأخيرًا يستطيع الجزء الأكبر من المشاهدين الصغار استيعاب هذه الآراء الشخصية أفضل من الحضور الكبار. فقد أشادت فتاة بالفيلم قائلة: "استطعت الانتقال إلى هناك بصورة جيدة، واكتشفت الآن أيضاً أموراً مشابهة للدين المسيحي". كما قالت فتاة أخرى إنَّها تريد من الآن التفكير أكثر بدين جدها المسلم. "لم أكن أعرف الكثير قطّ مما تم شرحه هنا".

إنَّ المسؤولين عن "مشروع فوبرتال الإعلامي" مقتنعون هم أيضاً بأنَّ فيلم "زيارة للنبي" ممكن أن يساهم كثيرًا في حوار الثقافات والأديان خاصة من خلال الأسلوب الروائي الشخصي الذي يستخدمه الفتية في فيلمهم. "لا يقوم الناشئون بإعداد مقالات صحفية موزونة، بل يتحدَّثون عن أنفسهم ومشاعرهم. وهذا هو بالتحديد ما يستجيب له الفتية الناشئون الآخرون".

ومن أجل دفع مثل هذا الحوار إلى الأمام ينبغي أن لا يكون فيلم "زيارة للنبي" قد أنتج ليوضع في الأرشيف. إذ يمكن الحصول من الآن على هذا الفيلم الوثائقي باعتباره مادة تعليمية وتثقيفية للمدارس وللشباب.

أريانا ميرزا
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2008

قنطرة

الرحلة الكبرى" للمخرج اسماعيل فرّوخي:
في الطريق الى مكة
يريد الشاب المغربي رضا إكمال دراسته الثانوية في إحدى المدارس الفرنسية، لكن والده يقررأن يصحبه في الحج الى مكة. المخرج إسماعيل فروخي حول هذه القصة الى فيلم ممتع ومثير بعنوان "الرحلة الكبرى". عرض بقلم أمين فرزانيفار

رحلة هاينريش فون مالتسان إلى مكة:
نص ساخر وصريح ومليء بالتهكم
رغبة" ابن الرابع والثلاثين من العمر هاينريش فرايهر فون مالتسان "في التقصي بعمق وعناية في حياة الشعوب الشرقية وبالأخص العربية" دفعته في عام 1860 إلى الرحلة الشاقة نحو مكة، المدينة التي "لم يرها إلا إثنا عشر أوروبي مذ كانت".

فيلم وثائقي للمخرج جيمس لونغلي عن أم عراقية وابنها المصاب بالإيدز:
بين المطرقة والسندان
يقدم مخرج الأفلام الوثائقية الأميركي جيمس لونغلي، في فيلمه "أم سري" صورة حية لصراع فتى صغير يدعى سري ووالدته للبقاء على قيد الحياة في ظل الارهاب والفقر. تقرير من بيترا تابلينغ.