السوريون في فخ الانتقائية وسياسة الكيل بمكيالين

يرى الباحث هينينغ ميلبر أن سيادة الدول لم تعد عذراً للبقاء دون حراك عندما تنتهك الحكومات حقوق الإنسان الأساسية كما هو الحال في سوريا، محذرا في الوقت ذاته من الانتقائية في التعامل مع مأساة الشعب السوري.

الكاتبة ، الكاتب: Henning Melber



طوال الأسابيع الماضية راقب العالم النظام السوري وهو يقتل شعبه. وقبل فترة قصيرة من مقتلها في مدينة حمص أواخر شهر فبراير الماضي، كتبت مراسلة "صنداي تايمز" ماري كولفين: "لا أحد هنا يتفهم كيف يسمح المجتمع الدولي بحدوث ذلك". أما اليوم، فإن الحكومات الأجنبية تمتلك من ناحية المبدأ حق التدخل في حالات مثل هذه، إذ قامت اللجنة الدولية المعنية بالتدخل وسيادة الدول بتقديم مبدأ مسؤولية الحماية سنة 2001، وقبلت قمة الأمم المتحدة العالمية بهذا المبدأ سنة 2005، وتبنته الجمعية العمومية سنة 2009.

جاء مبدأ مسؤولية الحماية رداً على الصدمات في كل من رواندا والبوسنة والصومال ومناطق أخرى، ويعتبر أحد أهم ما جاءت به الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة، إذ نجح هذا المبدأ في نقل التركيز من عدم التدخل إلى الاكتراث بما يحدث، ولم تعد السيادة تعني رخصة مفتوحة للقتل، كما يقول غاريث إيفانز، رئيس اللجنة الدولية المعنية بالتدخل وسيادة الدول، والذي يشدد على أن مبدأ مسؤولية الحماية مبني على "استحالة تجاهل صرخات الألم والاستغاثة التي يطلقها البشر".

خطر الانتقائية والكيل بمكيالين

الصورة إي بي أ
"من الخطأ أن يقرر المجتمع الدولي ألا يتصرف في أي مكان لأنه لا يستطيع التصرف أينما كان". في الصورة: بعثة مراقبة أممية في العاصمة السورية دمشق.

​​لكن التحدي في تطبيق هذا المبدأ هو تحديد نوع التدخل المبرر وتوقيته، فالشكوك عادة ما تتعلق بنوايا أولئك الذين يرغبون بالتدخل. أكثر هذه الشكوك عبرت عنه الدول الأعضاء في الجمعية العمومية عند مناقشة المبدأ سنة 2009، ألا وهو خطر الانتقائية والكيل بمكيالين. لكن من الخطأ أن يقرر المجتمع الدولي ألا يتدخل في أي مكان لأنه لا يستطيع التدخل أينما أراد.

لقد اتهمت الصين وروسيا حلف شمال الأطلسي باستغلال قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973، الذي صدر لحماية المدنيين، من أجل فرض تغيير للنظام في ليبيا. المصالح النفطية كانت واضحة، والعنف المستمر في ليبيا ما زال مقلقاً. ومن الواضح أيضاً أن مبدأ مسؤولية الحماية لن يصبح له معنى إذا ما وقف المجتمع الدولي متفرجاً على جنود معمر القذافي وهم يفون بوعودهم في قتل المعارضين في بنغازي. وبالتفكير في تلك الأحداث مرة أخرى، يجب علينا أن نبحث بكل دقة كيف كان من الممكن منع سفك بعض الدماء هناك.

إن الوضع الليبي يبرز معضلة أخلاقية مهمة، إذ من المستحيل تحديد شرعية تدخل عسكري أو عدمه بناء على الحقائق وحدها، لأن على المرء أن ينظر أيضاً إلى السيناريوهات الافتراضية المغايرة للواقع. يجب علينا أن نمنع حدوث ضرر، إلا أن علينا الانتباه إلى عدم التسبب بضرر أكبر من ذلك الذي نحاول منعه. قد يتم اللجوء إلى العمل العسكري من أجل إنقاذ حياة البشر، إلا أن البعض قد يجادل باتباع أقصى درجات الانضباط والمفاوضات. قد ينجح كلا الحلين، وقد يفشلا.

التدخل العسكري هو الخيار الأخير

د ب ا
رجوع إلى مبدأ السيادة: تقارب بين سوريا والصين.

​​استخدمت الصين وروسيا حق النقض (الفيتو) لمنع إصدار قرار في مجلس الأمن حول سوريا. هل بررت قراءتهم لما حدث في ليبيا التفرج على نظام الأسد وهو يقتل شعبه؟ هل لا تزال تبرر ذلك؟ هناك أسباب لتردد المجتمع الدولي في التدخل في سوريا، منها تشكيكه في احتمال انبثاق نظام مستقر وسلمي هناك في المستقبل القريب، وقلقه من انتشار العنف إلى المنطقة المجاورة. وكما أوضحت التجربة الليبية، فإن الانحياز إلى طرف ما خلال حرب أهلية مسألة عويصة، إذ إن نتائج التغيرات الثورية تميل عادة إلى أن تكون غير متوقعة وغير مرغوبة في كثير من الأحيان للثوار أنفسهم.

إن اللغة التي استخدمها إعلان مجلس الأمن، الذي تم إقراره بالإجماع، ليست قوية، وتطالب جميع الأطراف بوقف العنف، وتعلن بشكل مبهم عن "خطوات إضافية" ما لم تبدأ سوريا بعملية سياسية. هذا غير كاف، إلا أنه خطوة في الاتجاه الصحيح، فالتدخل العسكري يجب أن يبقى الخيار الأخير. بعض الردود الهادفة على العنف قد تشمل العقوبات والمقاطعات الانتقائية، أو فضح بعض الشخصيات، أو حتى تقديم الحوافز للسلوك الجيد، حتى وإن جاء ذلك على حساب العدالة. وفي كل الأحوال، فإن العمل الجماعي مطلوب من قبل المجتمع الدولي. يجب التعامل مع مبدأ مسؤولية الحماية بشكل مسؤول وجماعي، والتدخل العسكري يبقى الخطوة القصوى. لكن سيادة الدول لم تعد عذراً للبقاء دون حراك عندما تنتهك الحكومات حقوق الإنسان الأساسية.

 

هينينغ ميلبر
ترجمة: ياسر أبو معيلق
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012

يشغل هينينغ ميلبر منصب المدير التنفيذي لمؤسسة Dag Hammarskjöld بمدينة أوبسالا السويدية، بالإضافة إلى كونه باحثاً مشاركاً في دائرة العلوم السياسية بجامعة بريتوريا في جنوب أفريقيا.