تعويل على قُدرَة الأفغانيات في إنقاذ المشهد الاجتماعي الأفغاني

 ترى طبيبة النساء والناشطة في حقوق النساء مونيكا هاوزَر أنه لتحقيق سلام عادل في أفغانستان، يجب على الغرب عدم القبول بالتراكيب الاجتماعية التي لا تحترم كرامة الإنسان، وتدعو الناشطة الغرب إلى دعم النساء الأفغانيات المناضلات من أجل حقوق الإنسان في بلدهن.

الكاتبة ، الكاتب: Monika Hauser

كل أسبوع تُرتَكب في أفغانستان جرائم فظيعة ضد النساء والفتيات، مثل قطع رقبة فتاة في العشرين من عمرها على يد أحد أقربائها لأنها رفضت ممارسة الدعارة بطلب من أم زوجها. إن عدداً قليلاً جداً من الحالات المماثلة لهذه يصل إلى وسائل الإعلام الدولية. وفي حقيقة الأمر، فإن 80 بالمائة من النساء الأفغانيات من مختلف الأعمار يتعرضن للعنف يومياً، الذي يمارسه ضدهن في معظم الوقت أزواجهن وإخوانهن وأعمامهن. كما تتعرض هؤلاء النساء إلى الضرب من قبل أمهاتهن وأقاربهن من النساء أيضاً.

إلا أن هذه الحال لا تثير الاستغراب، فبعد عقود من الحرب والإرهاب والتهجير وانعدام الإنسانية، يعاني المجتمع الأفغاني من صدمة عنيفة. لذلك يتطلب إعادة السلام إلى هذا المجتمع وقتا طويلاً وأشكال مساعدة معقّدة، بهدف بناء الهياكل الخارجية والقوى الداخلية للمجتمع، وذلك لإعطاء مجتمع ما بعد الحرب فرصة لسلوك طريقه الخاص به. لكن ما الذي يحدث حين يسعى القائمون على المساعدات إلى تحقيق مصالحهم الفردية بدلاً من تركيز العون على مَن يحتاجون إليه؟

سيما سمر، كابُل 2011. أ ف ب
خدمة مستمرة لحقوق الإنسان: شغلت سيما سمر منصب وزيرة شؤون المرأة في أفغانستان بين عامي 2001 و2003، وأجبِرت على الاستقالة من منصبها بعد تلقيها تهديدات بالقتل إثر تشكيكها في تشريعات إسلامية محافظة. حالياً تترأس سمر هيئة حقوق الإنسان الأفغانية المستقلة.

​​

لم تكن الأمور سيئة دائماً في أفغانستان، فمنذ الإطاحة بنظام طالبان برزت نساء وبعض الرجال ممن يعملون بشجاعة فائقة على إحلال السلام في المجتمع. هؤلاء الرجال والنساء يكاد المرء لا يلاحظهم، إلا أن أحدهم امرأة باتت معروفة الآن، ألا وهي الطبيبة والناشطة النسائية الأفغانية سيما سمر.

وفي بداية ديسمبر 2012 يتم تكريم سمر في ستوكهولم بجائزة نوبل البديلة لـ"شجاعتها وإصرارها على الكفاح من أجل حقوق الإنسان وحقوق المرأة". وكطبيبة وكناشطة نسائية تدرك سيما سمر حجم معاناة الرجال والنساء الأفغان، وأثناء شغلها منصب وزيرة شؤون المرأة في أفغانستان، جربت سمر قسوة زملائها أعضاء البرلمان وفسادهم ورجعيتهم وتعطشهم للسلطة.

جرائم قتل جديدة

وكمديرة لهيئة حقوق الإنسان الأفغانية المستقلة، فإن شبحاً بات يطاردها لسنوات ويحاول منعها من الكشف عن مرتكبي جرائم الحرب وملاحقتهم خلال السنوات الثلاثين الماضية. هذا الشبح لا يخشى ارتكاب جرائم قتل جديدة لتحقيق ذلك. وبغض النظر عن منصبها، فإن سيما سمر نشطت منذ منتصف الثمانينيات لتحسين الأوضاع المعيشية للنساء والفتيات في أفغانستان. وبعد أحد عشر عاماً من دخول قوات حلف شمال الأطلسي أفغانستان، لا تزال النساء يعانين من الأنظمة القمعية والتعذيب والاغتصاب والاضطهاد.

لذلك فإن المجتمع الدولي مطالب أكثر من أي وقت مضى بالوقوف صفاً واحداً لمواجهة العنف ضد النساء ومن أجل إشراكهن بشكل عادل في المجتمع وفي العملية السلمية في أفغانستان، خاصة أنه تبنى "تحرير النساء الأفغانيات" كأحد أعمدة سياسته في أفغانستان منذ عام 2001.

رجال ونساء يحتجون في كابُل على إعدام امرأة بتهمة الخيانة الزوجية، يوليو 2012. دويتشه فيله
تنتقد مونيكا هاوزر الاستراتيجية الجديدة للحكومة الألمانية، وتقول إن برلين مهتمة بشكل أقل بتصدير قيم الديمقراطية وتركز أكثر على احترام التقاليد وهياكل السلطة المحلية. وتضيف هاوزر: "من أجل تحقيق سلام عادل، يجب تفكيك هياكل الهيمنة غير الإنسانية".

​​

تحرير النساء فقط في البرامج الحوارية

وفي ألمانيا، يبذل الساسة جهوداً حثيثة في العديد من البرامج الحوارية من أجل تبرير أموال دافعي الضرائب الألمان، بالحديث عن "مدارس البنات والنساء المسكينات اللواتي يرتدين البرقع". لكن نظرة على تكاليف التواجد الألماني في أفغانستان توضح هذا التناقض، إذ بلغت نسبة الأموال المخصصة لمشاريع إعادة البناء المدنية سنة 2010 ربع التكاليف الإجمالية، وهو مبلغ أقل بكثير من الإنفاق العسكري هناك. كما بلغت نسبة الأموال المخصصة لمشاريع النساء واحداً بالمائة فقط.

لكن بدلاً من مراجعة سياستها الحالية ووضع حماية حقوق الإنسان في أفغانستان - حتى وإن كان ذلك الآن متأخراً بعض الشيء - على سلم أولوياتها، خلصت الحكومة الألمانية إلى أمر مختلف تماماً، ففي استراتيجيتها الجديدة، التي بدأ العمل بها منذ سبتمبر والتي تنظم أسلوب التعامل السياسي مع "الدول الهشة" مثل أفغانستان، ستقلل ألمانيا من تصدير قيم الديمقراطية وتركز بدلاً من ذلك على احترام التقاليد وهياكل السلطة المحلية. هذا ما أسميه خطة ممتازة لإعادة الضبابية.

فمنذ البداية، كانت كل الجهود الرامية إلى بناء ديمقراطية حقيقية في أفغانستان سخيفة وغير جادة، ذلك أن هذه الجهود هدفت في نهاية الأمر إلى تبرير سياسة الولاء للحلف وتسويقها بشكل مناسب للناخبين الألمان. وعندما بات الأمر يتعلق بالمزيد من الديمقراطية، التي تشكل السبيل الوحيد لحل مشاكل البلاد، تقدم الحكومة لنا خطوطاً عريضة مبهمة تماماً.

مونيكا هاوزَر. دويتشه فيله
مونيكا هاوزر: "لقد حان الوقت لما هو جديد، والنساء الأفغانيات جاهزات، فهل الساسة الأوروبيون جاهزون أيضاً؟"

​​

حلف شمال الأطلسي فاشل

تسعى برلين لاستغلال طرق تبرير الشرعية والتقاليد في الدول الهشة من أجل دعم استقرار هذه الدول. لكن ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للنساء الأفغانيات، اللواتي ما زلن غير ممثلات بشكل عادل في كل مؤسسات البلاد، واللواتي يُنظَر لمشاركتهن في الحياة السياسية والعامة بنظرة عار وملاحقة وعنف، واللواتي يعانين بشكل يومي من مجتمع أبوي محافظ للغاية؟! من أجل تحقيق سلم اجتماعي أكثر عدلاً، يجب مكافحة هذه الهياكل بدلاً من تقبلها.

من يحتاج إلى العودة للتقاليد القديمة؟ هل هم أولئك الذين لا يريدون تحمل مسؤولية بناء ما هو جديد؟ والأهم من كل شيء هو دعم أولئك الذين يكافحون على الأرض منذ وقت طويل بهدف التغيير وإظهار البدائل، وهن نساء ذكيات وواثقات بأنفسهن مثل سيما سمر.

لكن ما هي فرصة نساء مثل سمر في تحقيق العدالة الاجتماعية داخل مجتمع لا يتم تقبل هياكل السلطة الحالية فيه محلياً فقط، بل وتؤخذ على أنها معطيات ثقافية ويتم ترسيخها دولياً أيضاً؟

أحد عشر عاماً من التواجد غير الناجح لقوات حلف شمال الأطلسي يدل على أمر واضح، ألا وهو أن هذا النوع من المساعدة غير مثمر، وأن الأدوار السياسية ومفاهيم التشريع الحالية لم تحقق حتى الآن أي سلام دائم. لقد حان الوقت لما هو جديد، والأفغانيات جاهزات، فهل الساسة الأوروبيون جاهزون أيضاً؟

 

مونيكا هاوزر
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: تاغِس تسايتوتغ/ قنطرة 2012

مونيكا هاوزَر طبيبة نساء ومؤسسة منظمة حقوق النساء "ميديكا مونديال"، وحصلت سنة 2008 على جائزة نوبل البديلة للسلام وفي الثامن عشر من نوفمبر حصلت هاوزر على جائزة ولاية شمال الراين وستفاليا.