الردة في الاسلام

أثار الجدل الحاصل حول قضية الأفغاني المسلم الذي اعتنق المسيحية مسألة حكم الاسلام على الردة من جديد، إذ أن عقوبة المسلم المرتد من وجهة نظر العلماء المسلمين السائدة هي الموت. يوغي سيكاند يقدم وجهة نظر معاكسة.

إمرأة ترفع القرآن في مظاهرة في غزة، الصورة: أ ب
نقرأ في القرآن: لا إكره في الدين

​​

حكم الإسلام على الردة من وجهة نظر علماء الدين المسلمين هو الموت. بهذا يكون الإسلام بمثابة السير في طريق ذات اتجاه واحد فقط لا رجوع فيه (تطبيق حق الردة). ولانه يحذر أتباعه من الانخراط بأعمال تبشيرية، فهو يحرم بشدة، الى درجة الموت، تركه واعتناق ديانة أخرى.

لكن هناك رؤى أخرى لهذا الموضوع مخالفة لنظرية العقاب القاسي الذي يتعرض له المرتدون المسلمون، إذ قام بعض علماء الدين المسلمين بتحدي هذه النظرية تاريخياً. ثمة انتقاد لافت للنظر للمنظور السائد حول مسألة الردة أصدره المفكر الهندي أسعد صبحاني، عميد كلية الدراسات الاسلامية في جامعة التربية والتعليم في زنجبار.

في كتابه الصادر مؤخراً بعنوان "الردة في الإسلام" (غلوبل ميديا، نيودلهي، 2005) يقول أن عقوبة الموت للارتداد عن الاسلام الذي يتضمن تغييراً صريحاً للعقيدة هو انتهاك فادح لما يوصيه القرآن بقوله تعالى، "لا اكراه في الدين".

رأي القرآن

وتابع انه استناداً للقرآن فإن الله أعطى الإنسان حرية الاختيار ما بين الخير والشر وبين الايمان بالإسلام أو رفضه. إذن أين أتى ذكر عقوبة الموت على المرتد في القرآن؟ يتحدث القرآن عن الردة في حوالي عشر آيات، ولكن العقوبة المذكورة مقصود بها عقوبة الحياة الآخرة وليس الدنيا. لذا فالصبحاني يقول إن قتل المرتدين لمجرد انهم غيروا عقيدتهم يعتبر مخالفاً للقرآن.

إن إجبار المرتدين على الرجوع الى الدين الاسلامي لتجنب عقوبة الموت حتى ان لم يكونوا يعتقدون فعلاً بالاسلام هو أمر لا يخلو من الرياء الذي يعتبره الاسلام خطيئة فادحة.

يلجأ مؤيدو معاقبة الردة بالموت بعد فشلهم في إيجاد ما يدعم موقفهم في القرآن الى الأحاديث النبوية. ويذكر الصبحاني عدداً من المواقف أمر بها النبي بقتل المرتدين، كما يُقال، ولا ينكر صحة بعض هذه الروايات ولكنه يشدد على ضرورة أخذ السياق التاريخي جيداً بعين الاعتبار.

مؤامرة ضد الإسلام

يقول صبحاني إن معظم الأحاديث التي تتحدث عن معاقبة الردة عن الاسلام بالموت تعني هؤلاء المسلمين الذين يتركون الإسلام ويشتركون بأعمال خيانة أو بما يسميه صبحاني "مؤامرة" ضد الإسلام و"الدولة الإسلامية". ويتابع أن هذه الأحاديث لا تعني المرتدين الذين لهم حق اختيار أي دين يريدون.

هذا يوضح، كما يشير صبحاني، عدم معاقبة النبي لبدوي ترك الدين الإسلامي كما ورد في أحد الأحاديث النبوية. وكذلك الأمر عندما علم الخليفة عمر بن عبد العزيز بأمر بعض المسلمين الذين تركوا الدين الإسلامي، فما كان منه إلا أن أمر الحاكم ميمون بن مهران باطلاق سراحهم.

تيمناً بهذه الروايات، يتابع صبحاني، عارض عدد من المفكرين المسلمين الرواد منذ زمن طويل حتى يومنا هذا معاقبة الردة "غير العنيفة" بالموت، إلا أن هذه الأصوات كانت وما زالت أقلية.

ينصح صبحاني بتوخي الحذر الشديد في فهم الأحاديث المتعلقة بالردة. ويذّكر قراءه أن بعض الأحاديث النبوية التي تعالج عدة أمور إما ضعيفة أو موضوعة. وهنا يستشهد بامرأة اعتنقت الدين الاسلامي وارتدت عنه لاحقاً. وحسب الروايات التي تنسب الى الرسول فقد أعلن النبي ان على هذه المرأة إما التوبة والعودة الى الاسلام أو أن تُقتل.

ثقة مهزوزة بالتقاليد

يحلل صبحاني سلسلة متناقلي هذه الأحاديث ويلاحظ أن من بينهم أشخاصا معروفين لدى العلماء المسلمين بعدم أهليتهم بالثقة. أحدهم كان سيء السمعة لتلفيقه قصصاً نسبها الى النبي. لذا، يكتب صبحاني، يعتقد بعض نقاد الحديث أن هذه الموروثات ضعيفة ولذلك فهي غير مقبولة.

ولدعم رأيه المناهض لموقف العلماء السائد ضد الردة يستشهد صبحاني بقضية المرتد عبد الله بن أبي سرح الذي يقال عنه أنه ساند الوثنيين في حربهم ضد الرسول، الا أن النبي عفا عنه.

ويكتب صبحاني ان هذا يبين لنا عدم وجوب معاقبة الردة بالموت، حتى لو كان هذا المرتد محارباً ضد الإسلام. فالقاضي له حرية التصرف في الحكم، اذ لديه حق الاختيار بين عقوبة الموت أو السجن أو العفو.

وفي مناقشته لموضوع الردة عن الاسلام ينتقد صبحاني العلماء التقليديين من المدرسة الفقهية الحنفية تحديداً التي تنتمي اليها الغالبية الكبرى من علماء أفغانستان وجنوب آسيا لتناولهم جوهر الأحاديث ببداهة بعيداً عن أي نظرة انتقادية متجاهلين بذلك السياق التاريخي لكل حادثة على حدة وحقيقة وجود عدد كبير من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة.

حجج منافية للمنطق

يتابع قائلاً ان طريقة فهم الأحاديث النبوية هذه هي التي تبرر استمرار دعم أغلبية العلماء الحنفيين لمعاقبة الردة بالموت. ويعرض صبحاني ما يراه منافياً للمنطق في حجة الحنفيين المهيمنة في هذا الموضوع، فاستناداً للحنفيين فان المرأة المرتدة، على عكس الرجل، لا يحكم عليها بالاعدام، بل عقوبتها السجن حتى تعود الى الاسلام أو تموت ميتة طبيعية.

ولكن ان كانت أيضاً متورطة في نشر "الفساد في الأرض" وفي مؤامرة ضد الإسلام والمسلمين فحينها يحكم عليها بالاعدام.

غير أنه في الوقت نفسه يشير صبحاني الى الحقيقة الكامنة وراء عدم حكم العلماء الحنفيين على المرأة المرتدة بالموت (على عكس هاته اللواتي ينشرن الفساد)، إذ أن مثل هاته النساء لا يشكلن تهديداً للإسلام والمجتمع الاسلامي.

اذا طبقنا نفس منطق الحنفيين على وجهة نظرهم تحديداً فهذا يقودنا الى الافتراض ان الردة العادية (البعيدة عن الدوافع الدينية أو حتى الدنيوية) من قبل امرأة أو حتى رجل لا تستحق أن تواجه بعقوبة الاعدام لأن مثل هذا الردة لا تصنف تحت أي نوع من أنواع المؤامرة ضد الاسلام أو الدولة الاسلامية أو المجتمع الاسلامي.

بناء على ذلك، وعلى عكس الموقف الحنفي السائد، فان عقوبة الموت للمرتدين "العاديين" رجالاً كانوا أم نساءً، تعتبر خطأ. ويتابع صبحاني ان جزاءهم فقط عند الله. ويقول إن "الأشخاص الذين اتبعوا غير دينهم لسبب أو لآخر غير قاصدين محاربة الإسلام لا يجب مسهم".

اختلاف وجدل داخلي

ان طريقة معالجة صبحاني لموضوع الردة في الاسلام الشائك تستحق الاعجاب، حيث يعطي براهين من داخل النماذج الاسلامية تعارض المفاهيم الاسلامية السائدة في هذا القبيل. الا ان هذا الفرق الذي أظهره صبحاني بين المرتد "العادي"، "غير العدواني" وبين المرتد "المحارب" كان معروفاً، لذا فهو لم يقدم أية تحديدات دقيقة لماهية "العنف" وماهية "المؤامرة" ضد الإسلام. إلا أنه يبدو انه يعارض التمسك بعقوبة الاعدام.

بالطبع ان مثل هذه الحجج بحاجة للبراهين ولا يجب أن تترك للقرار الاعتباطي. هذا يدل على ان ما قدمه صبحاني مساهمة جيدة في الجدل المتأجج طيلة قرون في الأوساط المسلمة، بنتائج مروعة عادة. هذا التأييد لحرية الدين والعقيدة الذي قدمه يعتبر خطوة مهمة الى الامام في موقف علماء الدين التقليديين.

في يومنا هذا نحن بحاجة لمثل هذه الأصوات لتدوي عالياً أكثر من ذي قبل لتنتقد علماء الدين التقليديين ضيقي الأفق والاسلامفوبيا المتحجرة، اذ ان كليهما يرى الإسلام من منطلق متحجر جامد يتألف من مجموعة مصطلحات قانونية ولا يحتمل أي مجال للاختلاف والجدال.

بقلم يوغي سيكاند
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

المطالبة بفصل الدولة عن الدين تبقى قائمة!
يمكن القول إن عبد الرحمن نجا من الموت. فالأفغاني الذي كان مهددا بالإعدام بسبب اعتناق المسيحية، تم إطلاق سراحه. ولا شك في أنه سيحصل على حق اللجوء السياسي في الخارج. تعليق بيتر فيليب

الإصلاح والإسلام
ما هو الدور الذي يمكن يلعبه الإسلام في إصلاح ودمقرطة المجتمعات الإسلامية؟ نقدم بعض النماذج التي يطرحها مفكرون مسلمون بارزون.