الرئيس الإيراني الجديد بين الوعود الانتخابية والواقع السياسي

يتوقع الملايين في إيران أن يوفي أحمدي نجاد بوعوده التي أعطاها قبل الانتخابات، وهي مكافحة الفقر والفساد والبطالة والمساواة في توزيع إيرادات البترول. الكاتب والصحفي الإيراني فرج سركوهي يشك في مدى إمكانية تحقيق ذلك.

الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، الصورة: أ ب
الرئيس الإيراني أحمدي نجاد يواجه تحديات عديدة ويتساءل المراقبون السياسيون عن مدى إمكانية تحقيق وعوده الطموحة في الواقع.

​​

إن حصيلة إنجازات رئاسة محمود أحمدي نجاد خلال المائة يوم الأولى لا تبشر بالخير الكثير بعد ما لاقى نكبتين، إحداهما أن جناح أحمدي نجاد في مجلس الشورى الإيراني (البرلمان)، وهو الغالبية المحافظة لم يمنح الثقة لثلاثة من الوزراء المقربين لدى أحمدي نجاد قام هو باقتراحهم، والثانية قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالسماح بإحالة الملف النووي إلى مجلس الأمن.

ويقضي القرار بمنح إيران مهلة زمنية حتى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني هذا العام حتى تقلع نهائيا عن عمليات تخصيب اليورانيوم وأن تقلع عن تشغيل أحد المفاعلات الذرية وعن بناء مفاعل لتصنيع المياه الثقيلة. ولكن الجمهورية الإسلامية لا تزال متمسكة بموقفها الحالي وأيضا بحقها في تخصيب اليورانيوم، وتهدد بالخروج من معاهدة انتشار الأسلحة النووية إذا لم ينتهي الضغط عليها.

إن موقف إيران الخاص بالمجال النووي لا يعد نتيجة لموقف الرئيس أحمدي نجاد، بل نتاج سياسة الجمهورية الإسلامية التي لا يلعب فيها قرار الرئيس دورا هاما. فطبقا للدستور الإيراني يقع إصدار التعليمات الخاصة بالسياسة الخارجية والأمن فقط في أيدي القائد الديني ومجلس الأمن القومي الذي يقوم القائد الديني بتعيين أعضائه.

لا وجود لمعارضة منظمة

ولا يوجد خلاف بين أجنحة الحكومة الإيرانية – المحافظين والمصلحين الدينيين والبرغماتيين الدينيين - بخصوص امتلاك التقنية النووية وتدمير إسرائيل وعدم الاعتراف بمبادرة السلام في الشرق الأوسط والمساندة العسكرية والسياسية والمالية للجماعات اللبنانية والفلسطينية المتطرفة، ويتكلمون إزاء هذه الأهداف بصراحة وبلسان واحد.

ولم يعد في إيران أية معارضة منظمة، والمعارضة المفككة التي تعيش في المنفى ليس لها أية نفوذ داخل إيران. وتيارات الحكومة الثلاثة تعي أن الأوضاع الداخلية والخارجية لم تكن من ذي قبل مناسبة هكذا لتسليح إيران نوويا.

المفعل النووي في إصفهان، الصورة: أ ب
السياسة النووية التي تتبناها الحكومة الإيرانية تحظى بإجماع كبير في الجمهورية الإسلامية.

​​إن رئيس الحكومة الجديد يتفق مع القائد الديني في مجالي السياسة الخارجية وسياسة الطاقة الذرية. وقد أُسندت السياسة الخارجية – خاصة فيما يتعلق بالملف النووي – إلى "المجلس الأعلى للأمن القومي" الذي يرأسه السيد لاريجاني، الذي كان ينافس أحمدي نجاد في الانتخابات. ويقوم لاريجاني كأمين عام للمجلس الأعلى للأمن القومي وممثلا للقائد الديني بإجراء المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي والوكالة الدولية للطاقة الذرية.

والتحديات الأخرى التي جعلت أحمدي نجاد يواجه العديد من المشاكل هي أن هناك سبعة عشر مليون ناخب ينتظرون بفارغ الصبر الوفاء بوعوده التي أعطاها قبل الانتخابات، وهي مكافحة الفقر والفساد والبطالة والمساواة في توزيع إيرادات البترول.

وهنا، وبالضبط في هذه المجالات، يجابه أحمدي نجاد مقاومة شديدة من غالبية قيادة أجنحة الحكومة الثلاثة، والمؤسسات الدينية القوية اقتصاديا، ومن الطبقة الصغيرة للأغنياء الجدد ومن أصحاب الملايين الكثيرة.

مصالح الفقراء

إن المؤسسات الدينية القوية النفوذ والتي تعمل مع القيادة الدينية وممثلي الحكومة تسيطر على 60 % من الاقتصاد ولا تخضع لأية مراجعة رسمية للحسابات. وتعتبر صفقات البترول واستيراد الأسلحة والبضائع الاستهلاكية ما هي إلا حكر على ممثلي الحكومة وأقاربهم.

وقد أصبح كبار ممثلي أجنحة الحكومة الثلاثة ومن له صلة قوية بهم من الجماعات يملكون ثروة هائلة جراء استغلال نفوذهم - الذي يساعدهم على الثراء غير الرسمي - والكسب العالي من وراء التجارة الخارجية.

وهناك عدد كبير من الإيرانيين الذين ينحدرون من طبقات فقيرة ومتوسطة وكانوا يؤمنون بالمُثل الشعبوية للخميني، ولهذا قضوا جزءا كبيرا من شبابهم على جبهات القتال في الحرب ضد العراق لمدة ثمان سنوات.

وهؤلاء واجهوا عند عودتهم من الجبهة مجتمعا غارقا في الفقر وحكامه أصبحوا فجأة أغنياء وذوي سلطة مطلقة، مما يتعارض مع كل المثُل الشعبوية. والإيرانيون الذين يتقلدون رتبا بسيطة ومتوسطة في حرس الثورة وميليشيا "الباسيج" والجيش الشعبي ويشكلون القاعدة الشعبية للحكومة الإسلامية قد خاب ظنهم في الثورة الإسلامية، واتحدوا أثناء الانتخابات الماضية مع فقراء المجتمع لمساندة أحمدي نجاد.

إضاعة قيم الثورة

إن وسائل الإعلام الأوروبية التي تعمل حسب الذوق الأوروبي تقدم في برامجها في الغالب طبقة صغيرة من الشباب الإيراني تمثل الجيل الحالي كله في إيران. وهذه الشريحة الصغيرة الثرية من الشباب تسمع موسيقى البوب والموسيقى الالكترونية الصاخبة، ويجرون مقابلات مع الصحفيين الأوروبيين - وهم يرتدون أحدث الموضة الباريسية ومتزينين بطرقة عصرية – في ممرات التزحلق على الجليد وفي ملاعب الغولف وفي الحفلات الغالية الأسعار.

ويعرض في هذه التقارير مجموعة صغيرة من أطفال الوصوليين الأغنياء بدلا من غالبية الشباب الإيراني.

احتجاجات نقابية في طهران، الصورة: دويتشه فيلله
احتجاجات نقابية في طهران

​​وهذه الغالبية هم عاطلون ومحصورون في فقر متزايد وغير طموحين ومفتقرين إلى عوامل حياتية بسيطة. وهؤلاء ينظرون بسخط وغيظ إلى الأغنياء الذين يحتكرون إيرادات النفط مستغلين في ذلك سلطتهم السياسية والاستفادة من الغنى غير المشروع. والفقراء يرون أن هؤلاء الأغنياء قد أضاعوا قيم الثورة الإسلامية الصحيحة.

وقد أوضح أحمدي نجاد انسجامه مع سياسة القمع الخاصة بالمحافظين الأصوليين، وذلك باختياره ثلاثة شخصيات قاسية لتولي المراكز الرئيسية في وزارة الإعلام وبوليس الأمن ووزارة الداخلية ووزارة الثقافة والإرشاد.

وعلى العكس من ذلك رفضت الأغلبية المحافظة في البرلمان تعيين ثلاثة وزراء آخرين كان قد رشحهم أحمدي نجاد، وهؤلاء كانوا هم الوحيدين الذين يتفقون مع برنامجه الشعبوي وتحدثوا عن مكافحة الفساد الاقتصادي وتوزيع إيرادات النفط توزيعا عادلا.

وكان رفض جناح أحمدي نجاد لهؤلاء الوزراء الثلاثة ولجزء من برنامجه الاقتصادي محاولة لتلقينه درسا، وهو أن الوعود الانتخابية تفقد مصداقيتها إبان النجاح في الانتخابات. وهذا الدرس قد تحقق على يد القائد الديني في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول، عندما أعطى جزءا من صلاحياته كقائد ديني إلى رفسنجاني ورجح بذلك كفة الخاسر على الفائز.

وتولى رفسنجاني على التو – إلى جانب منصبه الكبير كأمين لمجلس المصالحات – مراقبة المجالس التشريعية والتنفيذية والقضائية. وتعتبر الصلاحيات الجديدة التي حصل عليها رفسنجاني هي ضمان للجماعات القوية الثرية في البلاد في أن الوعود التي صرح بها أحمدي نجاد من محاربة الفساد وتوزيع إيرادات النفط توزيعا عادلا سوف تُوأَد في مهدها.

ردود فعل رأس المال

وإن تخويف المستثمرين بالشعارات الشعبوية قد يجعل عدد الاستثمارات الضئيلة بالفعل تنخفض إلى حد الصفر، فيما ارتفعت نسبة تهريب رؤوس الأموال والاستثمارات إلى الخارج - وهي ظاهرة عادية داخل الاقتصاد الإيراني- في المائة يوم الأخيرة.

ولا يزال الاقتصاد الإيراني مصبوغ بصبغة اقتصاد الدولة في العقود الأخيرة. وقد بذل أحمدي نجاد جهده في خفض ميزانية مكتب الرئاسة عن طريق مواصلته لنمط حياته البسيطة، إلا أن مثل هذه الخطوات لا تساعد في حل المشكلة الجوهرية للمواطنين، الذين يطالبون بتحقيق ما وعد به قبل الانتخابات.

إن مائة يوم غير كافية لفهم المسألة الصعبة، إلا أن التحديات التي تواجه برنامج أحمدي نجاد الإقتصادي قد وضعت إحدى رؤى الأيديولوجية الإسلامية – وهي تحقيق العدالة الإلهية على الأرض – موضع الإختبار الصعب.

بقلم فرج سركوهي
ترجمة عبد اللطيف شعيب

فرج سركوهي كاتب وصحفي إيراني مقيم في فرانكفورت .

قنطرة

الانتخابات الرئاسية في إيران
كما في الجولة الأولى حقق المرشح المحافظ محمود أحمدي نجاد مفاجأة في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية وفاز على علي أكبر هاشمي رفسنجاني أحد رموز الثورة الإيرانية. أسباب الفوز كثيرة لعل أحدها نسبة المشاركة الضعيفة، هذا ما يقوله بيتر فيليب في تعليقه.

مأزق المعارضة الإيرانية
ثورة مخملية" بحاجة إلى بدائل سياسة قادرة على استيعاب تأييد مختلف فئات الشعب، وتحتاج أيضا إلى حكومة لا تريد استعمال العنف. ومثل هذه البدائل لا توجد في إيران حاليا، حسب رأي الكاتب فرج سركوهي، الذي يقدم تحليلا لمشهد المعارضة الإيرانية.