تاريخ طويل لتهمة الزنى بالمحارم

شارك نحو 20 ألف من أتباع الطائفة العلوية في نهاية الأسبوع في مظاهرة في مدينة كولونيا، احتجاجا على مسلسل بوليسي أعاد تهمة الزنى بالمحارم الموجهة إليهم إلى الأذهان. أندرياس غروتسفيسكي يلقي الضوء على تداعيات المسلسل.

شارك نحو 20 ألف من أتباع الطائفة العلوية في نهاية الأسبوع في مظاهرة في مدينة كولونيا، احتجاجا على مسلسل بوليسي أعاد تهمة الزنى بالمحارم الموجهة إليهم إلى الأذهان. الزنى بالمحارم تهمة غاية في الحساسية بالنسبة للعلويين، لأنها استغلت ذريعة لملاحقتهم في الماضي. أندرياس غروتسفيسكي يلقي الضوء على تداعيات المسلسل.

لقطة من المسلسل البوليسي، الصورة: أ.ر.د / ن.د.ر
"اعتبار ارتداء الحجاب بمثابة خلاص لامرأة شابة منفتحة على العالم هو الذي يؤرق العلويين"

​​اثار بث مسلسل بوليسي يعيد تهمة الزنى بالمحارم الموجهة إلى أعضاء الطائفة العلوية إلى دائرة الضوء احتجاجات واسعة، فبعد بث المسلسل رفعت الجالية العلوية دعوى قانونية ضد قناة "ن. د. رNDR" الرسمية بتهمة إثارة الفتنة، حتى أن وزارة الاوقاف في تركيا قامت بالاحتجاج على بث المسلسل، إلا أن الطائفة العلوية ترفض أية وصاية عليها.

عندما قام مذيع البرامج التلفازية غونر أُومت عام 1995 بالتندر على "الزنى بالمحارم" المنتشر، زعما بين العلويين واجه موجة كبيرة من الاحتجاجات الغاضبة، وعَلت موجات الاستياء آنذاك حتى اختفى أُومت من الظهور على شاشة التلفاز لمدة طويلة. ومن المحتمل أن المذيع أُمت كان يعلم أن هذه النكتة السخيفة قد تعيد هذه الفِرية القديمة إلى الأذهان مرة أخرى.

إلا أن كاتبة سيناريو "موقع الجريمة" صرحت أنها لم تضع في حسبانها أن تمس نقطة حساسة في المشهد، الذي يغتصب فيه أب علوي ابنته، وشدد على أنها بحثت وتحرّت الدقة قبل كتابة السيناريو دون أن تجد دلائل على وجود هذه المعلومة.

غير أن علي أركان توبراك، زعيم الطائفة العلوية في ألمانيا، رد على هذا التبرير غاضبا: "لقد شعرنا بالهول، لأن قناة تلفازية تمولها الدولة تستخدم في برنامجها أحكاما مسبقة مضى عليها قرون من الزمان". وعلى ضوء ذلك قامت إحدى جمعيات الطائفة العلوية برفع دعوى قانونية ضد القناة الرسمية بتهمة إثارة الفتنة. كما شارك في مدينة كولونيا نحو 20 ألف من أتباع الطائفة العلوية في مظاهرة طالبوا فيها قناة "ن. د. رNDR" بالإعتذار، وهو ما رفضته القناة، التى أشارت إلى حرية الفن.

حرمان "الكفار" من حماية القانون

تعاني الطائفة العلوية منذ قرون طويلة من تداعيات تهمة الزنى بالمحارم، إضافة إلى أحكام مسبقة أخرى. ومنذ نشأتها إبان العصور الوسطى في منطقة تركيا الحالية يتعرض أتباع هذه الطائفة للتمييز العنصري والملاحقة من قِبل الطائفة السنيّة. كما لا يزال الخلاف مستمرا حول اعتبار العلويين مسلمين أم غير مسلمين. فالعلويون حقا يعبدون الله ويقدسون نبي الإسلام محمد وعلي، زوج ابنته، الذي سُميت الطائفة على اسمه.

الطائفة العلوية تتظاهر ضد بث مسلسل بوليسي يعيد تهمة الزنى بالمحارم إلى الأذهان، الصورة: أ.ب
اثار بث المسلسل البوليسي، الذي يعيد تهمة الزنى بالمحارم الموجهة إلى أعضاء الطائفة العلوية إلى دائرة الضوء، احتجاجات واسعة.

​​لكن وعلى النقيض من أعضاء الطائفتين السنية والشيعية لا يذهب العلويون عادة إلى المساجد، ولا يحجّون إلى مكة ولا يصومون في شهر رمضان، ويصومون في وقت آخر. وبعبارة أخرى فهم لا يمتثلون لـ"أركان الدين الخمس". لهذا أفتى أبو السعود أفندي، شيخ الإسلام خلال فترة الخلافة العثمانية في القرن السادس عشر، بهدر دمائهم، لأن "العلويين كفار يجب قتلهم".

وإلى جانب تكفيرهم من قبل علماء السنة عانى العلويون، الذين يشكلون من 20 إلى 35 بالمائة من سكان تركيا، من العزلة الاجتماعية. كما جرت العادة أن تُوجه التهمة إلى العلويين بأنهم نجساء ويبصقون في القهوة التي يعدّونها. غير أن التهمة الأكبر تبقى تهمة الزنى بالمحارم، حيث يُطفئون الشموع أثناء طقوسهم الدينية وينغمسون في حفلات العربدة، التي يضاجع بعض الآباء خلالها بناتهم أثناء ذلك.

"الذي يزني بالمحارم"

في معرض شرحه لجسامة تهمة الزنى بالمحارم الموجهة الى العلويين يقول زعيم الطائفة العلوية توبراك: "هذه التهمة تشبه الحكم المسبق، الذي نُسب افتراءً إلى اليهود قرونا طويلة في أوروبا بأنهم يغتالون الأطفال المسيحيين اغتيالا دينيا".

هذه الصورة الوحشية قد تعود في الأصل إلى اختلاط رجال ونساء الطائفة العلوية أثناء نوع من الطقوس الدينية، يُعزف أثناءها على آلة وترية ويرقصون رقصة معينة، خاصة أنه لا يمكن حدوث هذا الاختلاط والموسيقى في المسجد. أضف إلى ذلك أن هذه الطقوس ظلت تُمارس على مر قرون في الخفاء خشية الاعتداء عليهم.

ترمز الكلمة التركية "قزلباشKizilbasch "، إلى العلويين لأنهم كانوا يُعرفون من طواقيهم الحمراء الخاصة بهم. وفي خضم الحملة المعادية لهم أصبح يطلق على العلوي "الذي يزني بالمحارم".

لم تعد الطقوس الدينية المختلطة تتم في الخفاء بعد، فالسلطات الدينية في تركيا، ذات التوجه السّني، تعترف بالمذهب العلوي كجزء من الإسلام وليس كمذهب إسلامي مستقل. علاوة على ذلك لا تزال الأحكام المسبقة القديمة عالقة بأذهان كثير من الأتراك. وحتى تسعينيات القرن العشرين عانى العلويون في تركيا من الاضطهاد و الملاحقة المنهجية.

وفضلا عن ذلك يضيف زعيم الطائفة العلوية في ألمانيا توبراك أنه جزءً جوهريا من الافتراءات التي وجهها الأصوليون المتطرفون إلى العلويين تتمثل في أنهم يغتصبون أطفالهم. وعلى ضوء هذه الخلفية فقط يمكن فهم دوافع موجة الاحتجاجات الكبيرة ضد مسلسل "موقع الجريمة".

العلويون ضد السنّة

إن حبكة المسلسل تؤلم الكثير من العلويين أيضا، لأن البنت المغتصبة هربت إلى الاسلام السني ولبست الحجاب. وبينما يؤكد العلويون على المساواة بين الرجال والنساء، يتهمهم السنّة بأنهم يضطهدون المرأة بصورة إجمالية.

وعلى ضوء ذلك يرفض توبراك المسلسل موضها أن "اعتبار ارتداء الحجاب بمثابة خلاص لامرأة شابة منفتحة على العالم هو الذي يؤرق العلويين". كما يؤكد زعيم الطائفة العلوية على أن العلويين لا يسعون إلى التشكيك في حرية الصحافة والفن. إلا أنه شدد على ضرورة تجنب خدش المشاعر الدينية بهذه الطريقة.

نال العلويون مساندة في احتجاجهم من السلطات الدينية التركية، فطالبت رئاسة الشئون الدينية في أنقرة وحليفها في ألمانيا، الاتحاد التركي الإسلامي (ديتيب)، أن تقدم قناة التلفاز الألمانية اعتذارا إلى العلويين وإلى جميع المسلمين. ولأن العلويين مسلمين من وجهة النظر الرسمية في أنقرة فقد أهان المسلسل البوليسي جميع المسلمين. إلا أن العلويين لا يريدون وصاية عليهم من قِبل مؤسسة تمثّل الاسلام السنّي فقط، ولا تعترف بهم كطائفة دينية مستقلة.

كتبه: أندرياس غروتسفيسكي
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع محفوظة: قنطرة 2008

قنطرة

حركات تنشر الكراهية باسم الدفاع عن "رب المحبة":
المسيحيون الأصوليون يعادون الإسلام
ثمة موجة في ألمانيا الآن لمعارضة الإسلام واعتباره خطرا على المجتمعات المسيحية، باسم الدفاع عن المسيحية. كلاوديا منده تكشف أبعاد هذه الظاهرة.