ربيع عراقي مزلزل للطائفية والنفوذ الإيراني الأمريكي؟

موجة احتجاجات عراقية منطلقة في أكتوبر / تشرين الأول 2019 هزت النخبة السياسية الحاكمة، رغم سقوط أكثر من 223 قتيلاً وآلاف الجرحى خلال أسابيع قليلة. انتفاضة واجهتها أعمال عنف دموية هي الأشد منذ انتهاء حربٍ في أيلول / سبتمبر 2017 أسقطت خلافة "داعش" المزعومة. تحليل ستاسا سالاكانين.

الكاتبة ، الكاتب: Stasa Salacanin

منذ بداية تشرين الأول / أكتوبر 2019، أعرب آلاف المحتجين، ومعظمهم من الشباب العراقيين، من المدن الرئيسية من وسط وجنوب العراق، عن معارضتهم للأوضاع الاقتصادية المتدهورة، والسياسة الطائفية والفساد المتفشي الذي ابتُلِي به البلد.

في الحقيقة، العراق أحد أكثر الدول فساداً في العالم منذ عقود - فوفقاً لمؤشر الفساد لعام 2018 الذي صدر عن منظمة الشفافية الدولية، يحتل العراق المرتبة 168 من أصل  175 بلداً.

كما يعبّر المحتجون عن غضبهم إزاء ارتفاع معدلات البطالة والممارسة الحكومية الشائعة المتمثّلة في التوظيف السياسي، حيث تُطبَّق المحاصصة الإثنية أو الطائفية بدلاً من المؤهلات.

كما يتهم الغالبيةُ النخبةَ الحاكمة بإساءة استخدام الأموال العامة وسوء إدارة الموارد الوطنية للبلاد في الوقت الذي تفشل فيه تماماً في تلبية احتياجات الشعب العراقي.

ولكن ربما كانت إحدى الخصائص الرئيسية -والأكثر إثارة للدهشة-لاحتجاجات تشرين الأول/أكتوبر 2019 هي أن معظم المحتجين هم من المواطنين الشيعة الأصغر سناً الذين انقلبوا ضد المؤسسة السياسية التي يقودها الشيعة.

بينما يوجد عدد قليل جداً من العرب السنة أو الأكراد العراقيين بين المحتجين، وتجري المظاهرات في وسط وجنوب العراق، حيث السكان هم في الغالبية من الشيعة، كان هناك زيادة في استخدام الرموز الوطنية. 

تجاوز الانقسامات الطائفية والإثنية

 

مظاهرة شعبية في العراق في ساحة التحرير في بغداد ضد الحكومة العراقية في تاريخ 03 / 11 / 2019. Foto: picture-alliance/dpa Foto: picture-alliance/dpa
Gegen iranische und US-amerikanische Einflussnahme im Irak: Die Wut der Demonstranten richtet sich zusehends auch gegen den benachbarten Iran, der großen Einfluss im Irak hat. Zudem fordern sie eine Ablösung der Spitzenpolitiker, die seit 2003 den Ton angeben, aus Sicht vieler Iraker aber lediglich Marionetten entweder der USA oder des Iran sind. Seit Beginn der Proteste gegen die Regierung im Irak am 1. Oktober wurden landesweit etwa 270 Menschen getötet.

 

يعتبر الجميع نفسه عراقياً؛ لا يحتج هؤلاء الشباب بوصفهم عرب شيعة، بل بوصفهم مواطنين غاضبين من النظام الذي فُرِض عليهم بعد الغزو الذي قادته أمريكا في عام 2003.

لم يتضح بعد كيف ستؤثر الاضطرابات في العراق على المنطقة، بيد أنه من الواضح أنها تشكّل تهديداً كبيراً لطهران.

فقد اتّهمت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (IRNA) الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل بإثارة الاحتجاجات العراقية من أجل تخريب روابط إيران مع العراق وسوريا.

مع ذلك، يبدو العديد من العراقيين بما في ذلك الشيعة، غير متحمسين لوحدات الحشد الشعبية (PMU)، وهي جهات فاعلة قوية غير حكومية ولبغداد سيطرة محدودة عليها، بما أن العديد منهم يخضع لتأثير طهران بشكل كبير.

كما يسود، بين العراقيين، تصورٌ بأن بلادهم أصبحت بمثابة الإقطاعية لفصائل شبه عسكرية وسياسية أجنبية وهذا ما يراه الكثيرون انتهاكاً صارخاً للسيادة الوطنية العراقية.

الربيع العربي في العراق

وفي حين أن الاحتجاجات في جنوب العراق في صيف عام 2018 تناولت قضايا مشابهة، إلا أنها هذه المرة تنزع إلى النضال بصورة متزايدة ولا تنادي باستقالة الحكومة الحالية فحسب، بل تهدف إلى الإطاحة بالنظام السياسي برمته وتغييره.

وبينما تبدو المظاهرات من دون قيادة أو أجندة محددة، باستثناء التعبير عن الاستياء العام ونفاذ الصبر إزاء أوضاع البلد، يبقى من غير الواضح إن كانت المظاهرات ستُسفر عن أي من التغييرات المرجوة.

 

 

كتب عماد حرب، مدير الأبحاث في المركز العربي في واشنطن، أن الاحتجاجات "تقدم مثالاً آخرَ عن انهيار وشيك ومؤلم ونهائي للنظام السياسي العربي التقليدي الذي أظهر عجزه في معالجة المشاكل التي لا تعد ولا تحصى المحيطة بالمجتمعات العربية اليوم".

وفي رأي جورجيو كافيرو، خبير الشرق الأوسط ومدير معهد دراسات دول الخليج، الذي نشره في موقع LobeLog، فإن الاضطرابات الأخيرة في العراق ينبغي أن تُفسّر في السياق الأوسع للاضطرابات التي انتشرت في جميع أنحاء المنطقة العربية، إذ يعبّر مواطنو الجزائر ومصر ولبنان والمغرب والسودان عن استيائهم العميق من حكوماتهم الفاسدة، ووفقاً له فإنه "من الإنصاف أن نستنتج أن الربيع العربي قد وصل إلى العراق".

هل يمكن للحكومة تهدئة الغضب الشعبي؟

وضع ردُ فعل الحكومة الوحشي على الاضطرابات والعدد الكبير من المصابين المدنيين، رئيسَ الوزراء العراقي عبد المهدي تحت ضغط هائل. على الرغم من الإصلاحات الواعدة والأمر بإجراء تعديل وزاري واسع، فقد وجد صعوبة حتى الآن في معالجة شكاوى المحتجين ويواصل بدل ذلك ارتكاب خطأ بعد الخطأ.

فعلى سبيل المثال، في بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019، خفّض رتبة الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع بوصفه بطلاً وطنياً لدوره في قتال "الدولة الإسلامية". 

كما أن هناك استخدام الذخيرة الحية والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المحتجين، والذي من الممكن أن يثبّت المسمار الأخير في نعش عبد المهدي. وفي ظل ظروف كهذه، من المستبعد جداً أن تكون مجرد الوعود قادرة على تهدئة التوترات في البلاد.

والأنكى من ذلك، أن الائتلاف الهش الذي يرأسه عبد المهدي بدأ في التصدع، مما جعل موقفه أشد التباساً.

وفي حين أنه من الصعب التخيل أن الحكومة العراقية الحالية ستكون قادرة على تقديم أي إصلاحات رئيسية، بما أن رئيس الوزراء هو في الواقع رهينة لفصائل شبه عسكرية وسياسية قوية، فإن عبد المهدي محقٌّ في أمر واحد – ففي خطابه بعد الموجة الأولى من الاحتجاجات قال إن الحكومة لا تملك حلولاً "سحرية" لمعالجة المشاكل.

 

 

والمشاكل التي يواجهها العراقيون كثيرة ومعقدة بحيث يخشى العديد من المراقبين من عدم قدرة أحد على القيام بمهمة تنفيذ الإصلاحات التي تمسّ الحاجة إليها.

إذ قد يتطلّب حلُ المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تناولها المحتجون تخفيضات مؤلمة في القطاع العام، الذي يوظِّف مُسبقاً أكثر من 3 ملايين عراقي، إضافة إلى إزالة الدعم عن الغاز والغذاء والكهرباء. لا تحظى مثل هذه التدابير بشعبية في أفضل الأوقات، ومن المرجح أن تؤدي إلى مزيد من الاضطرابات في المناخ الحالي.

أخيراً وليس آخراً، رغم أن الاحتجاجات ليست طائفية في دوافعها، تبقى الطائفية راسخة الجذور في المجتمع العراقي.

أما الفصائل السياسية القوية مثل تحالف الفتح المؤيد لإيران بزعامة هادي العامري، وتحالف المحور بزعامة خميس الخنجر المفضَّل لدى العراقيين السنّة والحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة عشيرة البرزاني، فتهدف جميعها إلى الحد من سلطة حكومة بغداد المركزية وبالتالي فهي تسهم بشكل كبير في عجز الدولة العراقية. ينبغي أن نأمل أن لا تتجه الأمور في العراق إلى كارثة على غرار سوريا.

 

 

ستاسا سالاكانين

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2019

ar.Qantara.de

 

 

 

 

[embed:render:embedded:node:37509]