
ربيع عراقي مزلزل للطائفية والنفوذ الإيراني الأمريكي؟
منذ بداية تشرين الأول / أكتوبر 2019، أعرب آلاف المحتجين، ومعظمهم من الشباب العراقيين، من المدن الرئيسية من وسط وجنوب العراق، عن معارضتهم للأوضاع الاقتصادية المتدهورة، والسياسة الطائفية والفساد المتفشي الذي ابتُلِي به البلد.
في الحقيقة، العراق أحد أكثر الدول فساداً في العالم منذ عقود - فوفقاً لمؤشر الفساد لعام 2018 الذي صدر عن منظمة الشفافية الدولية، يحتل العراق المرتبة 168 من أصل 175 بلداً.
كما يعبّر المحتجون عن غضبهم إزاء ارتفاع معدلات البطالة والممارسة الحكومية الشائعة المتمثّلة في التوظيف السياسي، حيث تُطبَّق المحاصصة الإثنية أو الطائفية بدلاً من المؤهلات.
كما يتهم الغالبيةُ النخبةَ الحاكمة بإساءة استخدام الأموال العامة وسوء إدارة الموارد الوطنية للبلاد في الوقت الذي تفشل فيه تماماً في تلبية احتياجات الشعب العراقي.
ولكن ربما كانت إحدى الخصائص الرئيسية -والأكثر إثارة للدهشة-لاحتجاجات تشرين الأول/أكتوبر 2019 هي أن معظم المحتجين هم من المواطنين الشيعة الأصغر سناً الذين انقلبوا ضد المؤسسة السياسية التي يقودها الشيعة.
بينما يوجد عدد قليل جداً من العرب السنة أو الأكراد العراقيين بين المحتجين، وتجري المظاهرات في وسط وجنوب العراق، حيث السكان هم في الغالبية من الشيعة، كان هناك زيادة في استخدام الرموز الوطنية.
تجاوز الانقسامات الطائفية والإثنية

يعتبر الجميع نفسه عراقياً؛ لا يحتج هؤلاء الشباب بوصفهم عرب شيعة، بل بوصفهم مواطنين غاضبين من النظام الذي فُرِض عليهم بعد الغزو الذي قادته أمريكا في عام 2003.
لم يتضح بعد كيف ستؤثر الاضطرابات في العراق على المنطقة، بيد أنه من الواضح أنها تشكّل تهديداً كبيراً لطهران.
فقد اتّهمت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (IRNA) الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل بإثارة الاحتجاجات العراقية من أجل تخريب روابط إيران مع العراق وسوريا.
مع ذلك، يبدو العديد من العراقيين بما في ذلك الشيعة، غير متحمسين لوحدات الحشد الشعبية (PMU)، وهي جهات فاعلة قوية غير حكومية ولبغداد سيطرة محدودة عليها، بما أن العديد منهم يخضع لتأثير طهران بشكل كبير.
كما يسود، بين العراقيين، تصورٌ بأن بلادهم أصبحت بمثابة الإقطاعية لفصائل شبه عسكرية وسياسية أجنبية وهذا ما يراه الكثيرون انتهاكاً صارخاً للسيادة الوطنية العراقية.
الربيع العربي في العراق
وفي حين أن الاحتجاجات في جنوب العراق في صيف عام 2018 تناولت قضايا مشابهة، إلا أنها هذه المرة تنزع إلى النضال بصورة متزايدة ولا تنادي باستقالة الحكومة الحالية فحسب، بل تهدف إلى الإطاحة بالنظام السياسي برمته وتغييره.
وبينما تبدو المظاهرات من دون قيادة أو أجندة محددة، باستثناء التعبير عن الاستياء العام ونفاذ الصبر إزاء أوضاع البلد، يبقى من غير الواضح إن كانت المظاهرات ستُسفر عن أي من التغييرات المرجوة.
كتب عماد حرب، مدير الأبحاث في المركز العربي في واشنطن، أن الاحتجاجات "تقدم مثالاً آخرَ عن انهيار وشيك ومؤلم ونهائي للنظام السياسي العربي التقليدي الذي أظهر عجزه في معالجة المشاكل التي لا تعد ولا تحصى المحيطة بالمجتمعات العربية اليوم".
وفي رأي جورجيو كافيرو، خبير الشرق الأوسط ومدير معهد دراسات دول الخليج، الذي نشره في موقع LobeLog، فإن الاضطرابات الأخيرة في العراق ينبغي أن تُفسّر في السياق الأوسع للاضطرابات التي انتشرت في جميع أنحاء المنطقة العربية، إذ يعبّر مواطنو الجزائر ومصر ولبنان والمغرب والسودان عن استيائهم العميق من حكوماتهم الفاسدة، ووفقاً له فإنه "من الإنصاف أن نستنتج أن الربيع العربي قد وصل إلى العراق".