نقاش مغرض

يعاني الأتراك في ألمانيا من مشاكل ومصاعب عديدة مثل البطالة والنبذ الاجتماعي. فلماذا التركيز على جرائم الشرف والزواج القسري؟ هذا ما تحاول الباحثة في شؤون الهجرة أولغير بولات الإجابة عنه في تعليقها.

تقول أولغير بولات إن جرائم الشرف والزواج القسري ظواهر غير جديدة، ولقد كانت تتعلق بأقلية مهاجرة من أصل تركي. الصورة: أ ب
تقول أولغير بولات إن جرائم الشرف والزواج القسري ظواهر غير جديدة، ولقد كانت تتعلق بأقلية مهاجرة من أصل تركي.

​​يعاني الأتراك في ألمانيا من مشاكل ومصاعب عديدة أهم من جرائم الشرف والزواج القسري التي تروج لها وسائل الإعلام في هذه الأيام. هم يعانون من البطالة ومن النبذ الاجتماعي. فلماذا التركيز على جرائم الشرف والزواج القسري؟ هذا ما تحاول الباحثة في شؤون الهجرة أولغير بولات الإجابة عنه في تعليقها.

يلاحظ هذه الأيام ولع نادر لدى الرأي العام الألماني في النشاط من أجل الدفاع عن حقوق المرأة التركية. وتطغى جرائم الشرف والزواج القسري على حالة الجدل القائمة التي تثير الأحاسيس والشجون. أما نحن الأتراك فاننا نفاجأ بما يدور ونجد أنفسنا فجأة نواجه كما هائلا من الاتهامات والمواصفات الغريبة التي أصبحت مقبولة ضمن الخطاب القائم مثل: نحن النساء التركيات لا نعيش حياة نقرر فيها مصيرنا، نعاني من سلطة الرجال في بيوتنا التي يحاصروننا بها، بعيدون عن حقيقة الحياة اليومية الألمانية. أما رجالنا فهم، على العكس منا، لا يفكرون سوى بالدفاع عن شرفهم، وذلك بسبب تفكيرهم البطريركي بل حتى قناعاتهم الإسلامية.

اتهامات جاهزة دائما...

مفاد الاتهام هو: يعزل الأتراك أنفسهم عن المجتمع ويقيمون مجتمعا موازيا يمارسون فيه حياتهم الخاصة بطريقة أكل عليها الدهر وشرب. وهم يتحملون، بسبب عدم اهتمامهم ثقافيا بالمانيا إلى جانب سياسة الخضر واليسار الليبرالي، مسؤولية فشل المجتمع متعدد الثقافات. وهكذا يبدو الأتراك وكأنهم النقيض لسياسة الثقافة الألمانية المهيمنة.

الجديد حقا في هذه الاتهامات، وهذا بالطبع ما يفضح الأمر، هو ارتفاع وتيرة الأخذ والرد في هذا الموضوع في هذه اللحظة بالذات. هل يدور الأمر فعلا حول حقوق المرأة أم أنه يتعلق بنية أصحاب هذه الدعوات في تحقيق تغيير سياسي من خلال الخطب الرنانة التي تقول بفشل المجتمع متعدد الثقافات؟ لقد كانت هناك، ومنذ بدايات الهجرة إلى ألمانيا، جرائم شرف وزواج قسري. إن هذه الحالات ليست بالظواهر الجديدة، ولقد كانت على الدوام تتعلق بأقلية مهاجرة من أصل تركي.
البطالة.. البطالة

أما غالبية المهاجرين فلديهم مشاكل مختلفة تماما: فهناك البطالة التي تظهر الأتراك وكأنهم عالة على المجتمع والاقتصاد الألماني وتؤدي إلى عزلهم عن المجتمع. والأكثر غرابة في ذلك هي الدعوات التي باتت تتردد وتتعالى باستمرار في ألمانيا منادية بعودة المهاجرين إلى أوطانهم، في ظل ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل.

تعتيم كامل

أما الخديعة المغرضة التي ينطوي عليها الجدل القائم والمتفاقم حول جرائم الشرف والزواج القسري فتكمن، في حقيقة الأمر، في هدف التعتيم الكامل على المصاعب الاجتماعية والاقتصادية الفعلية التي يواجهها الأتراك في ألمانيا. وبنفس الوقت تعتبر المناسبة المفضلة من أجل التغطية على عدم قيام المؤسسات المعنية بواجباتها فيما يتعلق بشأن الهجرة والدمج الاجتماعي.

إن وضع سياسة تعليمية واجتماعية للمهاجرين يعتبر موضوعا هاما جدا؛ لكن من الصعب المناداة به في ظل الحالة الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها ألمانيا في هذه الأيام. تترتب على تنفيذ وتطبيق وسائل الدمج الاجتماعي أعباء مالية، ولكن المشاركة في الميدان التعليمي والعملي هي الامكانية الوحيدة للمهاجرين من أجل المشاركة بفعالية في المجتمع الألماني.

مصاعب الأجيال الجديدة

وبالمقابل يرى المرء الصعوبات الكبيرة التي تواجه الجيل الثاني والثالث من المهاجرين ضمن عملية التطور القائمة خلال سعيهم للمشاركة في النظام التعليمي والعملي في ألمانيا. وبسبب التغير البنيوي في سوق العمل فإن حاجة الصناعة الانتاجية لأيدي عاملة غير مؤهلة تأخذ في التراجع المستمر، وهو القطاع الذي كانت نسبة المهاجرين والمهاجرات فيه تفوق بكثير نسبة القوة العاملة الألمانية. وتتضرر النساء التركيات بشكل خاص من الوضع القائم في سوق العمل أكثر مما تتعرض له النساء الألمانيات. أما النتيجة التي تترتب على هذا الوضع فهي التزايد المستمر لعدد المهاجرات اللاتي يتم سد أبواب سوق العمل في وجوههن ليصبحن في نهاية المطاف ضمن العاطلات عن العمل لمدى طويل.

ولم يعد من الممكن التمسك بالاعتقاد، الذي ساد في الماضي ومفاده، أن فرص العمل أمام المهاجرين والمهاجرات ترتبط بشكل وثيق بمستواهم التعليمي والمهني. إذ أثبتت الأبحاث الجديدة بأنه حتى المهاجرين الذين يتمتعون بمستويات تعليمية وتأهيلية عالية جدا لا يجدون في غالب الأحيان إمكانية للحصول على فرص للتدريب المهني أو للعمل. من هنا يرى المرء كيف أن المهاجرين يتعرضون، وبشكل واضح، لخطر الوقوع تحت براثن الفقر أكثر من غيرهم من فئات المجتمع. ويعتبر هذا الوضع بالذات داعيا للقلق، خاصة وأنه يكاد لا يجد صدى عند الرأي العام بسبب تفاقم الجدل الدائر حول جرائم الشرف والزواج القسري.

اضطهاد وتمييز أيضا

ولا يتوقف الأمر عند هذا القدر: فإلى جانب الوضع التعليمي والمهني الرديئين، يجد المهاجرون أنفسهم في مجالات أخرى من الحياة اليومية في وضع المتضرر أيضا، فهم يواجهون تجربة تمييز واضطهاد مريرتين. وتصل الدراسة الحديثة، التي تم تمويلها من قبل الاتحاد الأوروبي، والتي قامت بدراسة وضع الجيل الشاب من المهاجرين في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا بين سن 16 إلى 25 عاما، إلى النتائج نفسها. فلقد كانت غالبية الشباب الذين ذكروا تعرضهم للاضطهاد والتمييز في المدارس وأثناء البحث عن فرصة تعليمية أو فرصة عمل وفي الحياة العامة من أصل تركي ويعيشون في ألمانيا. ولقد شكت الكثير من النساء المحجبات من أنهن تعرضن للإهانات والشتائم والتوبيخ في الحياة العامة.

فعندما يعلن الآن عن فشل المجتمع متعدد الثقافات، فإنه يتم في الوقت نفسه، اتخاذ حكم سلبي تجاه طبيعة وشكل الحياة المشتركة في هذا البلد. فالحياة المشتركة قائمة حتى وإن رفضت بعض قطاعات المجتمع، التي تستند إلى خلفيات ثقافية ما في مواقفها، هذا النوع من الحياة متعددة الثقافات. ومن مظاهر الخطر القائمة ما تورده عالمة الاجتماع نيكلا كيليك في كتابها "العروس الغريبة" من تصفية حسابات مع "الليبراليين الألمان"، الذين قبلوا بالسكوت على أوضاع لا يمكن السكوت عنها أو القبول بها ضمن الجالية التركية، دون أن يوجهوا أي نقد يذكر لمثل تلك الأوضاع خوفا من أن توجه لهم تهمة العنصرية.

نحو مجتمع متعدد الثقافات حقا

وتأسيسا على ذلك يكون المردود من جهة عنصرية بمختلف الأطياف، ومن جهة أخرى فإن هؤلاء الذين نادوا بالمجتمع متعدد الثقافات هم من أعار الحالة المعيشية للمهاجرين اهتماما خاصا أو على الأقل حاولوا ذلك وبذلوا جهدا من أجل سبر أغوار السلبيات القائمة في تلك الأطر آملين في وضع العلاج الملائم لها. وهكذا تواجه محاولات هذه المجموعات وهذا التقليد في العمل الاجتماعي متعدد الثقافات بنكران الجميل بدل الاعتراف به، سيما وأن هؤلاء هم من تماشى مع متطلبات المهاجرين من أجل تحسين أوضاعهم الحياتية.

وفي خضم هذا الجدل القائم في السياسة والإعلام من الواجب في نهاية المطاف وضع المصاعب والإشكالات التي يعاني منها المهاجرون فعلا ضمن الأولويات، دون العودة المتكررة للوقوع في غياهب الأحكام المسبقة المعممة، التي لن تعود سوى بالتشويه والنبذ تجاه المهاجرين. ومن الجدير بالأغلبية والأقلية، على السواء، البحث المشترك عن الحلول المناسبة. وبهذه الطريقة فقط يمكن أن يصبح المجتمع الألماني مجتمعا يحتضن المهاجرين. وهذا يتطلب بالطبع الاعتراف المسبق بأننا نحن المهاجرين أيضا جزء من هذا المجتمع.

أولغير بولات

ترجمة مصطفى السليمان

12/3/2005، صحيفة "دي تاغيستسايتونغ" الألمانية

قنطرة
جرائم الشرف في ألمانيا:
المطلوب نقاش عقلاني
في بداية فبراير/شباط اُغتيلت في برلين خاتون سيريتشو التركية الأصل التي ترعرعت في ألمانيا. وألقت الشرطة القبض على ثلاثة من أخوة الضحية الذين تحوم حولهم شبهة قتلهم لأختهم بدعوى أنها لطخت شرف العائلة. ممثلو الجمعيات الإسلامية والتركية في ألمانيا أدانوا الفعلة بوضوح.