مبادرات الكنائس في ألمانيا

على الرغم من بعض حالات التمييز في الحياة اليومية فإن ممارسة الحريات الدينية مضمونة في ألمانيا وينص عليها دستور البلاد،كما تنشط العديد من المؤسسات لمساعدة المسلمين في عملية الاندماج كممثلي الكنائس البروتستانتية والكاثوليكية

الصورة: أ ب
كاتدرائة كولونيا وجامع

​​على الرغم من بعض حالات التمييز في الحياة اليومية فإن ممارسة الحريات الدينية مضمونة في ألمانيا من حيث المبدأ وينص عليها دستور البلاد، إضافة الى ذلك يعود الفضل في ذلك الى المواطنين الألمان الذين يريدون مساعدة المسلمين في عملية الاندماج في المجتمع ومن بين الذين يساهمون في هذه العملية ممثلو الكنائس البروتستانتية والكاثوليكية على حد سواء على الرغم من التنافس الخفي بين الأديان.

فممثلو الكنائس في ألمانيا كانوا قد اهتموا على الدوام بشؤون المسلمين الدينية والاجتماعية منذ بداية هجرة العمال الى ألمانيا في الستينات، وفي هذه الأثناء تجري الكنائس حواراً مع ممثلي الروابط الإسلامية دون ترك المواضيع الحساسة خارج حلبة النقاش .

في مدينة مانهايم يكافح المسلمون والمسيحيون معاً بشكل ناجح ضد الأحكام المسبقة. عندما قدمت جموع العمال المهاجرين بأعداد متصاعدة خلال الستينات والسبعينات من دول مطبوعة بطابع الإسلام كانت الكنائس المسيحية أول من اهتم بشؤونهم الاجتماعية والدينية، ونظم القساوسة عندئذ دورات تدريسية للتلاميذ الأتراك والمغاربة، لا بل تم لفترة معينة تخصيص زاوية داخل كاتدرائية كولونيا ليؤدي المسلمون فيها الصلاة.

للكن هذه الزاوية المخصصة لصلاة المسلمين اختفت منذ وقت طويل، فاليوم توجد جوامع في كل مدينة ألمانية كبيرة تقريبا، كما أن أهداف التعاون تغيرت بالكامل عبر العقود الزمنية الماضية.
فالذي يهم الكنائس بالدرجة الأولى الآن ليس المعونة المادية إنما الحوار.

ومن خلال المسلمين الذين يبلغ عددهم في المانيا حوالي ثلاثة ملايين نسمة أصبح الإسلام منذ وقت طويل حقيقة اجتماعية واقعة في ألمانيا وفي الوقت نفسه يحتوي الواقع القائم علىالعديد من نقاط سوء التفاهم بين المسيحيين والمسلمين كما يقول هلموت فييسمان المسؤول عن الحوار مع الإسلام في مؤتمر الأساقفة الألماني:

"نلاحظ في كل مرة من جديد وجود نقص كبير في معرفة كل طرف للآخر، وأفضل وسيلة لتلافي هذا النقص هي تقوية الاستعداد لمعرفة الآخر عن طريق الحديث المباشر."

مثال مدينة دوسبورغ

وبتفويض من الكنيسة يجري فييسمان اتصالات مع ممثلي مختلف المنظمات االإسلامية في ألمانيا. كما تهتم الكنيسة البروتستانتية منذ سنين بموضوع الحوار مع هذه المنظمات الإسلامية. وحول ذلك يقول القسيس بيرند نويسر من المركز االاستشاري للقاء المسسيحي الإسلامي في منطقة الراينلاند ووستفاليا:

"نشاطات الحوار تجري قبل كل شيء على مستوى البلديات والدوائر الكنسية وكذلك على مستوى المدن، فعلى سبيل المثال يوجد الآن مشروع في دوسبورغ يقوم في إطاره أتباع الأديان المختلفة بزيارة بعضهم بعضاً. وخلال هذه اللقاءات يشرح كل طرف نوعية الدروس التي يلقنها لتلاميذه بهدف إزالة الأحكام المسبقة المتبادلة."

ويرى فييسمان ونويسر أن الحوار المسيحي الإسلامي ذو أهمية كبيرة لاسيما على االصعيد الاجتماعي، مؤكدين في هذا السياق على أن الذي تنشده الكنائس بالدرجة الأولى هو المساهمة في إحلال السلام الاجتماعي وتحسين عملية اندماج المسلمين من أبناء الأسر المهاجرة ولا يستثني الحوار بأي حال من الأحوال التطرق الى االمواضيع الحساسة مثل الإرهاب الذي يمارس باسم الدين والإرهاب بشكل عام وحول ذلك يقول نويسر:

" الكنيسة ملتزمة بالصراحة ونحن المسيحيون تقع على عاتقنا مهمة نشر السلام ومنذ الحادي عشر من أيلول سبتمبر من عام 2001 يستهدف هذا الحوار إحلال االسلام والقضاء على المواقف العدائية"

الصراحة في الحوار

في الوقت نفسه يؤكد المفوضان الكنسيان بمهمة الحوار مع الإسلام على أن لهذا الحوار حدوداً أيضاً، مشيرين إلى أنه لا يجوز كتمان الحقيقة المتمثلة في أن االمسيحية والإسلام دينان عالميان ينطلق كل منهما من كونه يجسد الحقيقة. وهذه االنقطة بالذات يمكن الحديث عنها بصراحة لكن لايمكن حلها بأي شكل من االأشكال.

وهناك أيضاً مشاكل مع بعض الروابط الإسلامية التي لاتتنصل بشكل يتمتع بالمصداقية من بعض الآراء المتطرفة، ومع ذلك يعبر ممثلا الكنيسة عن اعتقادهما الجازم بأن غالبية المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا مسالمة وعندها الإرادة للاندماج والاهتمام بالحوار الصادق.

ثم يعبر فييسمان عن خيبة أمله لقلة الوفود الإسلامية من الدول العربية ويقول:
" إنني أتذكر حديثاً مع رئيس وفد عالي المستوى لمنظمة المؤتمر الإسلامي نادى خلال زيارة له لألمانيا بالحرية الدينية للمسلمين الذين يعيشون هنا لكنه لم يظهر سوى استعداد ضئيل للإجابة على السؤال المتعلق بعدم ضمان الحرية الدينية لحوالي ستمائة ألف مسيحي من العمال الضيوف يعملون في العربية السعودية"

ومعظم هؤلاء المسيحيين يتشكل من نساء كاثوليكيات فقيرات قادمات من الفيليبين يجب كما يقول فييسمان منحهن إمكانية ممارسة حرياتهن الدينية مثلما هو الحال بالنسبة الى المهاجرين المسلمين الى ألمانيا.

التعاون القائم بين المسيحيين والمسلمين في مدينة مانهايم على صعيد التفاهم والحوار

الكل يعلم الصعوبات المحفوفة بعملية الحوار بين الثقافات لكنه عندما يحقق نجاحاً فإنه يثري الجانبين. مثل هذه التجربة الناجحة يمر بها عدد من المسلمين والمسيحيين في مدينة مانهايم، ففيها تم إقامة مايسمى بالجامع المفتوح، نشأ في إطاره أيضا ًمعهد لدراسات الاندماج الألماني التركي، هناك يعمل قساوسة وأئمة جوامع جنباً الى جنب من أجل القضاء على الأحكام المسبقة و تحتل هذه القضية منذ الحادي عشر من أيلول سبتمبر أهمية متزايدة.

وتبلغ نسبة المهاجرين في مدينة مانهايم اثنين وعشرين بالمائة مما يجعلها من أكثر المدن الألمانية تنوعا ثقافياً. الأمر الذي لايترك الأمور تسير دائماً على مايرام. ففي المدينة تنتشر أجواء التقاليد الإسلامية على نطاق واسع، لهذا تعين على الألمان التعود على ذلك شيئاً فشيئاً وقطعوا شوطاً كبيراً في هذا الميدان وذلك بفضل التعاون المثمر بين المسيحيين والمسلمين من أبناء المدينة.

كيف انطلق هذا التعاون

قبل تسع سنوات تم في مدينة مانهايم وبالتحديد في أحد أحيائها الفقيرة تشييد جامع السلطان سليم الذي هو حتى الآن أضخم جامع في ألمانيا ويتذكر مدير معهد دراسلت الاندماج طلال كمران الصعوبات الأولية لهذا المشروع ويقول:
" عندم ذاع خبر التخطيط لتشييد أضخم جامع في ألمانيا قبل إحدى عشرة سنة قامت احتجاجات قوية من جانب السكان الألمان في مانهايم، وكانت تلك نابعة في معظمها عن عدم معرفة، أولاً لأن الألمان لم يكونوا على معرفة كافية لابالإسلام ولا بالأتراك، وثانياً لأن المسلمين في مانهايم أهملوا التعريف بثقافتهم وديانتهم، فأدركنا ضرورة إقامة منبر يلتقي فيه الألمان والأتراك مما يمكنهم من إزالة الأحكام المسبقة."

ومع تشييد الجامع تم تأسيس المعهد وبالتالي إقامة الحوار بين الجانبين في ذلك الجزء من المدينة الذي تبلغ نسبة المهاجرين فيه خمسة وستين بالمائة من سكانه، وكان حسب رأي الخبير في العلوم السياسية السيد كامران معرضاً لتحوله الى نقطة صراع بين الفئتين الاجتماعيتين. ومن هنا تجلت ضرورة القيام بنشاط هادف الى تنمية التفاهم وإقامة الحوار.

وهكذا انبثقت فكرة تأسيس معهد دراسات الاندماج الألماني التركي وأدت المجهودات التي بذلت على هذا الصعيد إلى عدم حدوث ما كان يخشى منه.

وحول ذلك يقول كامران:
" نقاط الثقل في عملنا تكمن في التعاون على صعيد التفاهم الديني. بالإضافة الى ذلك نحن نهتم أيضاً بمواضيع علمية وكذلك باللغة الألمانية، ولتعليم هذه اللغة نعير اهتماماً كبيراً، فبدونها يبقى الاندماج في المجتمع الألماني من الأمور المستحيلة. إننا نحاول أن نشرح للمواطنين الأتراك أهمية الانفتاح على الثقافة الألمانية وأنهم إن لم يفعلوا ذلك سيتعرضون الى صعوبات كبيرة."

النشاطات على صعيد الاندماج تشكل العماد الأساسي لنشاط المعهد، أحد رئيسي المعهد هو القس البروتستانتي أولريش شيفر ورئيسه الثاني هو إمام الجامع بكير ألبوجا وكانا قد نفذا معاً مشروع ماسمي بالجامع المفتوح. وقد زار الجامع حتى الآن مايزيد على ثلاثمائة ألف ألماني وتعرفوا من خلال ذلك عن كثب على دين كان قبلاً مجهولاً بالنسبة إليهم تماماً وحول ذلك يقول بكير
:
" لقد ساهم الألمان من خلال فضولهم في تغيير الصورة المأخوذة عن المسلمين في مدينة مانهايم، وهذا هو الحوار الفعلي. وعندما يخلو الأمر من الأفكار التبشيرية فإن مثل هذا الحوار يشكل الوسيلة الفعالة لنشر السلام. ومن هذا المنطلق فتحنا أبوابنا أمام غير المسلمين وطلبنا منهم التعرف على ديننا والتحرر من مخاوفهم. فأتوا إلينا وشريوا معنا الشاي ونحن نتحاور معاً ونتعلم من بعضنا بعضا. وتوصلنا في النهاية الى إقبال شديد من قبل الألمان وحصلنا على دعمهم. ويشكل هذا بالنسبة إلينا هدية لاتقدر بثمن."

لقد تطورت نشاطات معهد دراسات الاندماج الألماني التركي في مدينة مانهايم الى درجة بات فيها المسيحيون والمسلمون يصلون في بعض الأحيان تارة في المسجد وتارة أخرى في كنيسة هافين كيرشية وحول ذلك يقول القس شيفر
:
" لقد بدأنا بدروس مسيحية إسلامية مشتركة للتلاميذ في الكنيسة ونحن نفعل ذلك الآن في المسجد أيضاً. وعلاوة على ذلك ننظم في الكنيسة كل سنة بمناسبة اليوم العالمي للأمم المتحدة صلوات مسيحية وإسلامية ويهودية مشتركة."

منذ تشييد ماسمي بالجامع المفتوح ومعه معهد دراسات الاندماج في مدينة مانهايم قبل تسع سنوات، حل على المدينة الكثير من التغيرات الإيجابية. واليوم وحيث يشعر كثير من المسلمين في المانيا بأنهم معرضون الى الشبهات بسبب الضربات الإرهابية التي ينفذها إسلاميون متشددون يؤكد القائمون على مشروع مانهايم الأهمية الكبيرة لنشاطاتهم على صعيد الحوار والاندماج.

من إعداد قسم التحرير المركزي في إذاعة الدويتشة فيللة
ترجمة منى صالح

© دويتشه فيلله 2004