"من شأن حظر حزب العدالة والتنمية أن يُعيد الديمقراطية إلى الوراء"

تتجه تركيا نحو أزمة سياسية داخلية خطيرة. لذا يخشى الباحث في العلوم السياسية جمال كاراكاش، الذي يعمل في جمعية البحوث في شؤون السلام والنزاعات في مقاطعة هيسن، من أن حظر حزب العدالة والتنمية الحاكم سيقود إلى توقف برامج الإصلاح مرحلياً وإلى هروب رؤوس الأموال التركية والأجنبية من البلاد وما له من عواقب اقتصادية.

الصورة: جمال كاراكش، تركيا، مؤسسة أبحاث السلام والنزاعات في مقاطعة هيسن
كاراكاش: " لا أعتقد أن لدى حزب العدالة والتنمية أجندة سرية يسعى من خلالها إلى تحويل تركيا إلى جمهوريةٍ إسلاميةٍ".

​​السيد جمال كاراكاش، ما هي العواقب المحتملة على الوضع السياسي الداخلي في تركيا إذا ما تم حظر حزب العدالة والتنمية؟

جمال كاراكاش: لا يشكل حظر الأحزاب في تركيا أمرًا غير معهود، فالكثير من الأحزاب تم تأسيسها من جديد تحت اسم آخر وببرامج معدّلة، وحزب العدالة والتنمية نشأ على هذا المنوال أيضًا، لكن بلا شك لم يستطع أيٌّ من هذه الأحزاب أن يحقق هذا النجاح الذي حققه حزب العدالة والتنمية لا سيما على صعيد السياستين الاقتصادية والمالية، إذ كان النمو الاقتصادي في السنوات الست الأخيرة ثابتاً، وتم توطيد الميزانية وهبط معدّل التضخم المالي إلى أقل من عشرة بالمائة. لذلك من شأن حظر حزب العدالة والتنمية أن يؤدي إلى تدهورٍ شديدٍ في الاقتصاد.

هل يمكن أن يؤدي حظر حزب العدالة والتنمية إلى توقف كل جهود الإصلاح؟

كاراكاش: بالتأكيد! لكن بشكلٍ مؤقتٍ، فحزب العدالة والتنمية هو من أكبر مؤيدي الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أما حزبي الشعب الجمهوري CHP والعمل القومي MHP المعارضان، فهما متحفظان تجاه الانضمام إلى حدٍّ بعيد، وللأسف كبح حزب العدالة والتنمية في السنتين الأخيرتين وتيرة عملية الإصلاحات التي يطلبها الاتحاد الأوروبي، إذ أثرت الخلافات مع الاتحاد الأوروبي حول مسألة قبرص إلى حدٍّ كبير، لأن تركيا ترى بأنها مظلومة بشدة في هذه القضية.

كيف يمكن أن يكون رد فعل الاتحاد الأوروبي إذا ما تم الحظر؟

كاراكاش: هذا يتوقّف على كيفية تعليل هذا الحظر، إذا أُثبت قانونيًا وبشكلٍ سليمٍ لا غبار عليه أن حزب العدالة والتنمية يسعى لأهداف معاديةٍ للديمقراطية، سيكون رد فعل الاتحاد الأوروبي عند ذلك محايدًا، وستستمر المفاوضات على غرار ما هو حاصل حتى الآن. أما إذا لم يكن الحظر محكمًا من الناحية القانونية أو لم يتوافق مع معايير الاتحاد الأوروبي فمن شأن المباحثات أن تتوقف لفترةٍ معينةٍ. يُذكر أن لجنة الاتحاد الأوروبي لديها صلاحية القيام بهذا في حال حدوث انتهاكات شديدة لدولة القانون.

هل توجد أرضية لاتهام حزب العدالة والتنمية بأنه ينزع لمعاداة الديمقراطية؟

 أنصار حزب العدالة والتنمية يحتفلون بالفوز، الصورة: أ.ب
"الاتهامات الموجهة للحزب الحاكم بأن له نزعات معادية للديمقراطية تبدو لي مبالغًا فيها إلى حدٍّ كبير"

​​كاراكاش: يمارس حزب العدالة والتنمية مثل كل الأحزاب الحاكمة سياسةً تخدم أوساطاً معينةً كما يوظف أشخاصاً مقربين من الحزب في الدولة. أما مسألة الاستنتاج المعمم على هذه الأرضية القائل بوجود أسلمة للدولة "من فوق"، أو اتهام الحزب الحاكم بأن له نزعات معادية للديمقراطية فتبدو لي مبالغًا فيها إلى حدٍّ كبير. حظر حزب العدالة والتنمية برأيي سيعيد الديمقراطية التركية إلى الوراء. صحيحٌ أن حزب العدالة والتنمية يقوم أيضًا بتسييس الدين، بيد أنني لا أعتقد أن لديه أجندة إسلامية سرية يسعى من خلالها لتحويل تركيا إلى "جمهوريةٍ إسلاميةٍ".

ما الذي يجعلك واثقًا إلى هذا الحد؟

كاراكاش: أعتقد بأن حزب العدالة والتنمية سيكون الخاسر الأكبر في هذه الحال، لأن من شأنه أن يدفع ثمناً سياسياً سيكون باهظاً للغاية، وذلك للأسباب التالية: أولاً لا يوجد في تركيا أغلبية شعبية تريد تحولاً كهذا، ما يعني أن حزب العدالة والتنمية سيفقد شرعيته. ثانياً سوف يتدخل الجيش التركي عند ذلك وينتزع السلطة من الحزب الحاكم. ثالثًا من شأن هذا أن يخيف الاقتصاد التركي والمستثمرين الأجانب وهما دعامة الحكومة الرئيسية، ما سيؤدي إلى سحب كبير لرؤوس الأموال التركية والأجنبية من البلاد. رابعًا لن ينظر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وهما الداعمين الأساسيين لتركيا بعين الرضا في حال حدوث تحولٍ كهذا.

يتحدث العديد من المعلقين الأتراك عن تطبيع علاقة الشعب بالدين. ما المقصود بهذه العبارة؟

كاراكاش: تركيا بلد يمثل المسلمون 99 بالمائة من سكانه. لم يتم أبدًا إنهاء الإسلام في عهد مؤسس الدولة أتاتورك أو في عهد من خلفه من رؤساء، بل تمت علمنة الدولة من خلال إبعاد الرموز الإسلامية من الحياة العامة على سبيل المثال وحصرها في الحيز الخاص. إذاً المقصود بتطبيع علاقة الشعب بالدين أن الدين عاد للحضور في الحياة العامة بشكلٍ قوي في السنوات الخمس والعشرين الأخيرة.

كثير من صنّاع الرأي الأتراك يقولون إن التعصب القومي في البلاد أكثر خطورة من الأسلمة المزعومة. هل تشاطرهم هذا الرأي؟

كاراكاش: نعم بكل تأكيد. النزعة القومية هي أقوى الحركات الفكرية في تركيا، لذلك توجد صعوبات كبيرة في إلغاء المادة رقم 301 من قانون العقوبات، التي تنص على معاقبة من يرتكب جرم إهانة الكيان التركي. وكل تغييرٍ لهذه المادة لا بد له من أن يراعي مسألة عدم وجود سوى شعب واحد رسميًا في تركيا، وأن الأتراك هم هذا الشعب.

ما هو مبعث هذا التعصب القومي المبني على الإيديولوجيا؟

كاراكاش: السبب يكمن في أسطورة تأسيس الدولة. نلاحظ وجود نزعة قومية بارزة في بلدان مثل فرنسا وبولونيا مثلاً، لكنها توظف في تركيا بشكلٍ أقوى لغايات التجانس بين فئات الشعب. إنه فكرٌ قوميٌ يدعو للمحافظة على الكيان التركي والهوية التركية واللغة التركية نافياً تقاليد الإمبراطورية العثمانية التي عرفت التعددية العرقية والدينية.

هل يمكن للفكر القومي أن يشكل العائق الأكبر على طريق الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف؟

كاراكاش: نعم، في مرحلة معينة من مباحثات الانضمام، من الممكن أن تقول نخبة الدولة الأتاتوركية إنها ضاقت ذرعًا من التصفية المدمرة للمصالح القومية التركية من وجهة نظرها وأن تقوم بفرملة المحادثات.

هل ستكون تركيا بعد عشر سنوات عضواً في الاتحاد الأوروبي؟

كاراكاش: العضوية الكاملة بحسب الأوضاع الحالية ضربٌ من الخيال. يحدد إطار مباحثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إمكانيات بديلة للانضمام. وقد قبلت تركيا بهذه الخيارات من خلال توقيعها على إطار مباحثات الانضمام. وإذا استطاعت تركيا يومًا ما أن تنضم فعليًا إلى الاتحاد الأوروبي، سيكون للاتحاد الحق في استخدام مجموعةٍ كاملةٍ من بنود الحماية الخاصة، التي من شأنها أن لا تمنح تركيا سوى عضوية من "الدرجة الثانية".

ما هي طبيعة بنود الحماية الخاصة؟

كاراكاش: تنص بنود الحماية الخاصة على أن تحصل تركيا على كمية أموالٍ أقل من صندوق الاتحاد الأوروبي ومن الصندوق الزراعي، علاوة على ذلك يُسمح لكل عضوٍ في الاتحاد الأوروبي بأن يوافق أو يرفض دخول المواطنين الأتراك إلى أراضيه. صحيحٌ أن بنوداً خاصةً كهذه موجودةٌ اليوم أيضًا، بيد أن فترة صلاحيتها محددة بسبع سنوات على أقصى حد. لكن في حالة تركيا يمكن لها أن تكون دائمة، وهذا أمرٌ فريدٌ من نوعه في تاريخ توسيع الاتحاد الأوروبي وتمييزٌ سلبيٌ واضحٌ بحق تركيا. لذلك أدعو إلى نموذج الاندماج التدريجي الذي يتضمن اندماج تركيا في هيئات الاتحاد الأوروبي فوق القومية على مراحل، دون الإفراط في توسيع الاتحاد الأوروبي.

ستحصل تركيا في هذه الحالة على حق المشاركة في أخذ القرارات دون أن يكون لديها حق الفيتو في مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي. إضافةً إلى ذلك يبقى احتمال الحصول على العضوية الكاملة قائمًا. هذا النموذج هو في المحصلة أكثر جاذبيةً من الشراكة الامتيازية التي لا تنص إلا على تعميق العلاقات القائمة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا وبالدرجة الأولى في القضايا الاقتصادية والأمنية دون أن يكون لتركيا أيّ حق بالمشاركة في صنع القرارات.

أجرى الحوار دوغان ميشائيل أولوسوي
ترجمة يوسف حجازي
قنطرة 2008

قنطرة

مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي:
في مصيدة الإصلاحات والوفاء بالالتزامات

يتطلع الاتحاد الأوروبي إلى إصلاحات بالغة الأهمية في تركيا في مجالات عدة وسط تحذيرات القيادة التركية من تلاشي حماس أوروبا لتسريع مفاوضات الانضمام، في وقت لا تكاد توحي هذه المفاوضات بشيء من التقدم. دانيلا شرودر تستعرض الأجواء المتعكرة بين بروكسل وأنقرة

من قانون العقوبات التركي:
تعديل جذري أم ذر للرماد في العيون؟

في وقت تصبو فيه أنقرة للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي ينظر إلى التعديلات على القانون العقابي المتعلق بــ"إهانة القومية التركية" على أنها مؤشر على ديناميكية عملية الإصلاح الديموقراطي. ولكن هل هذه التعديلات حقيقية وبالتالي من شأنها أن تكفل حرية الرأي والتعبير والتعددية؟. غونتر زويفرت من اسطنبول في قراءة لهذه الإصلاحات وجديته

ملف خاص: تركيا والإتحاد الأوروبي

ملف شامل يناقش العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوربي من جهة والعلاقة بين تركيا والعالم الإسلامي من جهة أخرى، نشأ في إطار مبادرة إرنست رويتر