"لا سلام في الصومال بدون الأصوليين!"

يرى فولفغانغ هاينرش من مكتب السلام ومعالجة الصراع التابعة للمركز البروتستانتي لخدمات التنمية أن على المجموعة الدولية أن تبحث مع كل القوى السياسية في الصومال عن حل بما في ذلك الأصوليين.

فولفغانغ هاينريش، الصورة: EED
فولفغانغ هاينرش خبير في شؤون القرن الإفريقي ويرأس مكتب السلام ومعالجة الصراع التابعة للمركز البروتستانتي في مدينة بون.

​​

هل تحسنت فرص السلام في الصومال على المدى القريب بعد نزع السلطة من اتحاد المحاكم الاسلامية أم ساءت؟

فولفغانغ هاينرش: لقد ساءت لسببين من الأسباب. أحدهما هو أن الحكومة الإنتقالية عبارة عن تحالف غاية في التعقيد وذات مصالح مختلفة ولم تستطع في العامين الماضيين أن تمارس سياسة بناءة إلى حد ما. وهذا ما لم يطرأ عليه تغيير، فالحكومة لا تستطيع ممارسة أعمالها. والسبب الآخر هو أن إتحاد المحاكم الإسلامية أصبح سياسيا ضعيفا للغاية، ومن ثَم فليس في الصومال الآن مسؤول سياسي قادر على التصرف. لهذا فإن الإنتقال من العملية العسكرية إلى تطور سياسي أصبح أكثر تعقيدا.

هل كان هناك أمل في الوصول إلى سلام مع إتحاد المحاكم الإسلامية؟ مع العلم بأن الأصوليين أصبحوا أكثر راديكالية.

هاينرش: إنني أرى أن راديكالية اتحاد المحاكم الإسلامية كانت رد فعل على الرفض العالمي لتزايد نفوذهم. فبينما شُنع باتحاد المحاكم الإسلامية على أنهم إجمالا أصوليين وإرهابيين أُضعفت القوى البرغماتية المعتدلة أكثر وأكثر بدلا من الوقوف بجانبها. وكان هناك تجاهل تام أنّ الحركة الإسلامية نفسها عبارة عن تكتل غير متجانس لدرجة كبيرة. إن غالبية أهل الخبرة بالصومال يرون أن القوى الراديكالية كانت أقل عددا على الرغم من أنها كانت أعلى صوتا وأقوى عسكريا.

كيف كان تأييد الشعب لاتحاد المحاكم الإسلامية؟

هاينرش: كان قويا جدا، ويبرهن ذلك أن اتحاد المحاكم الإسلامية لم تمارس إلا القليل من العنف نسبيا – قياسا بالأوضاع الصومالية ومقارنة بأمراء الحرب – لبسط نفوذها. أضف إلى ذلك أن غالبية قادة الصومال المسلمين ليسوا متعصبين لهذا الحد. وحيث تكوّن اتحاد المحاكم الإسلامية قبل فترة طويلة اتجه القادة نحو الإسلام الوَسطي والسياسة البرغماتية وبذلوا جهدهم لحماية الشعب قانونيا على وجه الخصوص. هؤلاء حازوا - على عكس الحكومة الإنتقالية - بسرعة على موافقة الشعب لأنهم اهتموا بمشاكلهم وهمومهم اليومية.

هل سيعود الصومال إلى حالة الهمجية السابقة أم سيدخل في حرب عصابات بين الأصوليين والحكومة؟

هاينرش: كلا الإحتمالين ممكن. ليس في الحكومة قوة جامعة تستطيع أن تجمع المصالح المتضاربة لأمراء الحرب – الذين يسمّون أنفسهم الآن وزراء - في سياسة مترابطة. إنني أخشى إخفاق محاولات الولايات المتحدة - وبعض الدول الأخرى أيضا – لتحقيق السلام في الصومال عن طريق الإستثمار أو برامج إعادة الإعمار.

في الماضي كانت المصالح المتضاربة لأمراء الحرب تظهر دائما بوضوح عندما تأتي أموال إلى البلد، وهذا ما يمكن أن يحدث مرة أخرى. من ناحية أخرى فإن اتحاد المحاكم الإسلامية منهوك من الناحية السياسية. إنهم منتشرون عسكريا في جميع أنحاء البلاد، وقاموا مرة أخرى بتوزيع الإسلحة التي كانوا قد جمعوها من قبل. لهذا فإني أتوقع ازدياد العنف مرة أخرى.

هل تتوقعون مشهدا مثل أفغانستان أو حتى العراق حيث أخذت الصراعات أبعادا دينية قوية؟ وهل راديكالية الشعب الصومالي كافية للقيام بحرب "مقدسة"؟

هاينرش: لم تلعب الديانة في الصراعات الصومالية حتى الآن إلا دورا ضعيفا. ولم يكن مهما إلا الولاء العشائري والمصالح الإقتصادية. ولكن من الممكن أن يتغير ذلك بغزو القوات الإثيوبية، ذلك على وجه الخصوص لأن القوى المعنية في المنطقة العربية تتعمد ذلك بالضبط وتتعلل بأن الصومال سيكون ميدان الحرب التالية بين الإسلام والغرب المسيحي. إنني أخشى أن تجد هذه العلل مزيدا من الصدى لأن الشعب الصومالي – نظرا للإنحياز إلى الحكومة الإنتقالية التي لم تستطع دخول مقديشو إلا بمساعدة السلاح الإثيوبي - لا ينتظر بعد شيئا من جيرانه الأفارقة.

بدا الوضع العام الماضي ولمدة طويلة كما لو كان هناك اتفاق وشيك بين اتحاد المحاكم الإسلامية والحكومة الإنتقالية. هل كانت هناك فرصة حقيقية لذلك أم كانت المفاوضات بين الجانبين نوع من التمثيل؟

هاينرش: حسبما أرى كانت هناك فرصة. وكان انطباعي أول ديسمبر/كانون الأول أن هناك احتمالية وجود مفاوضات جدية، وهذا قد يساعد بصورة واضحة على زيادة الثقل السياسي للقوى المعتدلة داخل الحركة الإسلامية.

وفي الثالث عشر من ديسمبر/كانون الأول كانت هناك مفاوضات في اليمن بين اتحاد المحاكم الإسلامية وإثيوبيا، وفيما بعد أشارت الحكومة اليمنية إلى وجود تقدم إلى الأمام. أما الغزو الإثيوبي قبيل أعياد الميلاد – الذي فاجأني أيضا – بدد كل ذلك بالطبع.

يقال في الغالب أن إثيوبيا هي الممثل الأمريكي. ولكن ما هي المصالح التي تنشدها إثيوبيا من وراء هذا الصراع؟

هاينرش: من ناحية تريد أديس أبابا عرقلة نفوذ الأصوليين الراديكاليين في إثيوبيا وعلى وجه الخصوص في منطقة الأوغادين. وأشد ما تخشاه الحكومة أن ازدياد قوة اتحاد المحاكم الإسلامية في الصومال سوف يؤثر على المناطق التي يسكنها الصوماليون في إثيوبيا.

هذا الخطر لا بد من أخذه بجدية لا سيما وأن المناطق المعنية ليست مستقرة سياسيا. ومن ناحية أخرى لاحظت إثيوبيا بقلق أن إريتريا تساند اتحاد المحاكم الإسلامية. لقد رأت إريتريا في ذلك إمكانية لعرقلة المطامح الإثيوبية لتصبح قوة مسيطرة. من حيث ذلك فالصراع بين إثيويبيا وإريتريا يلعب دورا كبيرا في الصومال.

هل ستحتل إثيوبيا الصومال أو على الأقل ستحاول التأثير على السياسة الصومالية باستمرار؟

هاينرش: إنطباعي أن إثيوبيا تطمح إلى رقابة سياسية على جارتها، وهذا ما اتضح من خلال التأثير الإثيوبي القوي على مفاوضات السلام الصومالية في كينيا عام 2004 ومن خلال تعيين الحكومة الإنتقالية. لكني لا أعتقد أن إثيوبيا تريد احتلال الصومال بصفة دائمة. فالحكومة تعلم أن ذلك قد يسبب مشاكل جسيمة في السياسة الداخلية. لكن السؤال هنا هو كيف تخرج مرة ثانية من الصومال.

قبل الغزو الإثيوبي حذر الخبراء من أن قوات حفظ السلام الدولية سوف تثير مقاومة اتحاد المحاكم الإسلامية، أما اليوم فيبدو أن احدى هذه القوات من الضرورة الملحة بمكان. من سيقوم بسد الفراغ في الحكم إذا انسحب الجيش الإثيوبي؟

هاينرش: هذه هي الورطة التي وقعت فيها المجموعة الدولية حيث سمحت بالغزو الإثيوبي دون أن يكون هناك خطة لحل سياسي. إن انسحاب إثيوبيا سوف يعيد الأوضاع لما كانت عليه لأن الحكومة الإنتقالية ضعيفة جدا. لكن قوات حفظ السلام سوف تستطيع تأمين مقديشو والمدن الكبرى فقط بصفة مستمرة دون المناطق المجاورة. وبسبب ماضي الأمم المتحدة في الصومال ودور الولايات المتحدة فلن يكون في الحسبان إلا قوات الاتحاد الإفريقي، وأخشى ألا تلاقي ترحيبا.

ما الذي يجب عمله سياسيا؟

هاينرش: لا بد من معالجة سياسية تضم أيضا إتحاد المراكز الإسلامية وليس فقط القوى المعتدلة. والمجموعات الراديكالية تلعب دورا أيضا، فإذا أبعدت فسوف تكون هناك عرقلة من البداية. لا بد من البدء في خطة سلام جديدة تجمع كل القوى السياسة في الصومال. ومن وجهة نظري لن تستطيع الولايات المتحدة ولا الإتحاد الإفريقي وحدهم القيام بذلك وحتى الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق افريقيا (ايغاد) لن تستطيع ذلك مطلقا. ولكن الائتلاف الثلاثي المكون من الإتحاد الأوروبي والجامعة العربية والإتحاد الإفريقي قد يعد بنجاح كبير.

ما مدى مخاطر امتداد الصراع الصومالي إلى المنطقة كلها؟

هاينرش: هذا الخطر ازداد بوضوح بالغزو الإثيوبي، وفي وقت قريب سوف تعيد مليشيات اتحاد المحاكم الإسلامية تشكيل نفسها من جديد. وإذا لم تكن هناك معالجة سياسية شاملة فإن العنف الذي يأتي من إثيوبيا إلى الصومال سيخرج مرة أخرى من الصومال.

إلى إثيوبيا فقط؟

هاينرش: كينيا لها دور أيضا. إن الطريقة التي تعاملت بها كينيا مؤخرا مع اللاجئين الصوماليين ومساندتها المطلقة لحكومة الصومال الإنتقالية جعلت كينيا غير محبوبة لدى اتحاد المحاكم الإسلامية. أضف إلى ذلك أن كينيا بها مواطنين صوماليين والمسلمين الكنيانيين غالبا ما يشعرون أنهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية.

أجرى الحوار السيد تيلمان اليسن
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2007
صدر الحوار في مجلة التنمية والتعاون

فولفغانغ هاينرش خبير في شؤون القرن الإفريقي ويرأس مكتب السلام ومعالجة الصراع التابعة للمركز البروتستانتي في مدينة بون.

قنطرة

مقديشو بين الطاعون والكوليرا
لم يتمكن الصوماليون منذ حوالي ستة عشر عامًا من اختيار حكومة تتولَّى شؤون بلدهم. دخول القوات الأثيوبية إلى الصومال لم يغير أيّ شيء من ذلك، بل على العكس، حسب رأي مارك إنغلهارد

الزحف الإسلامي في الصومال
بعد خمسة عشر عاما من الفوضى الداخلية تمكن الإسلاميون من إحكام السيطرة على أجزاء كبيرة من الصومال. لكن هذا التقدم الذي حققه "اتحاد المحاكم الاسلامية" وتزايد سلطة الاسلاميين يهدد الآن باندلاع حرب في المنطقة كلها.

www

مجلة التنمية والتعاون (باللغة الإنكليزية)