ظاهرة الإسلاموفوبيا.... عنصرية تتنكر بعباءة الليبرالية

يرى هاينِر بيليفيلدت، المدير السابق للمعهد الألماني لحقوق الإنسان، في هذا الحوار مع كريستيان رات أن حظر ارتداء البرقع ممكن، أما حظر بناء المآذن فمخالف للقانون، معتبرا أن ظاهرة الإسلاموفوبيا ما هي إلا عنصرية تسترت وراء الليبرالية التي اتخذتها رداء ومرجعية.

هاينِر بيليفيلدت، الصورة: هاينِر بيليفيلدت
"لا يوجد حتى سبب منطقي لحظر بناء المآذن بالذات. ولا يمكن أن ننظر إلى ذلك إلا على أنه رمزٌ يُقصد به الرفض والتهميش"، كما يقول بيليفيلدت

​​ سيد يليفيلدت، تم حظر بناء المآذن في سويسرا، وثمة من يريد منع ارتداء البرقع في فرنسا، أما في ألمانيا فلم يعد يسمح لمعلمات المدارس الرسمية بارتداء الحجاب في كثير من الولايات الألمانية. هل ينتهك هذا الحظر حرية المسلمين الدينية، أم أنه يتم فرض حقوق الإنسان إزاء دينٍ جائر؟

هاينِر بيليفيلدت: لا بدَّ هنا من التمييز: فالبرقع مثلاً معادٍ للمرأة بالفعل ولا يطاق، لأنه عندما يحال دون إظهار المرأة لوجهها تُنزع عنها فرديتها. وهذا لا يمكن تبريره بالحرية الدينية بأية حالٍ من الأحوال. ومن هنا أفهم المطالبة بحظر البرقع. بيد أنني أشكك بجدوى ذلك وأتساءل عن المكسب الذي يمكن جنيه، حينما تعجز أولئك النسوة عن الخروج من منازلهن.

وماذا عن الحجاب؟

بيليفيلدت: لا يستدعي الحجاب الحظر من حيث المبدأ. السؤال الذي يطرح في ألمانيا يتعلق بالمقام الأول بانتهاك حيادية مؤسسات الدولة لدى ارتداء المعلمات ملابس دينية في المدارس. لقد حدَّت المحكمة الدستورية من الحرية الدينية لموظفي الدولة في أثناء أدائهم الخدمة، لكنها طالبت بشكلٍ حازم بالتعامل بالمثل مع جميع الديانات.

... هل هذه المساواة في التعامل غائبة لدى حظر بناء المآذن في سويسرا؟

بيليفيلدت: نعم، ولا يوجد حتى سبب منطقي لحظر بناء المآذن بالذات. ولا يمكن أن ننظر إلى ذلك إلا على أنه رمزٌ يُقصد به الرفض والتهميش.

لماذا هذا الحضور القوي لنقد الإسلام في الفترة الراهنة؟

بيليفيلدت: نواة الرهاب من الإسلام (الإسلاموفوبيا) عنصري. وكره الأجانب وأصحاب السمات المغايرة يُطرح حاليًا مغلفًا بانتقاد الدين، لأن ذلك يَلقى صدى لدى الدوائر البرجوازية واليسارية الليبرالية.

كثيرٌ من منتقدي الإسلام لا يقولون بمعادة الأجانب من حيث المبدأ، بل يشيرون إلى مسألة حقوق الإنسان.

مآذن في كنبسة ساركو كور،
بدلا من التسامح، "يثير حفيظتي إلى حدٍّ بعيد أن دعاة الكراهية يتوجون أنفسهم أبطالا للتنوير عبر تهجمهم العنيف على الأقليات"، كما يقول هاينِر بيليفيلدت

​​

بيليفيلدت: يثير حفيظتي إلى حدٍّ بعيد أن يدَّعي طرف الكراهية "السوية السياسية" والمطالبة بتطبيق القانون الأساسي وحقوق الإنسان. هؤلاء يتوجون أنفسهم أبطالا للتنوير عبر تهجمهم العنيف على الأقليات. يا له من هراء! لكن ما يجعل انتقادهم للإسلام براقًا بهذا الشكل هو اتخاذهم المتعمد للقيم الليبرالية مرجعيةً، مثل قيم المساواة بين الجنسين أو تقبُّل المثلية الجنسية أو غيرها.

أليس خوف النساء ومثليو الجنس من الإسلام خوفًا مشروعًا؟

بيليفيلدت: ما المقصود بـ "من الإسلام"؟ بالطبع هناك سطوة أبوية وعنف من ذوي رهاب المثلية الجنسية في بعض الأوساط ذات الطابع الإسلامي. ولا داعي لتجميل الصورة. لكن لماذا يتم تفسير هذا التخلف ارتباطًا بالدين بالدرجة الأولى بدلاً من تفسيره على أساس اجتماعي؟

ما هي حدود نقد الدين المسموح به؟

بيليفيلدت: لا بد من خوض النقاش بخصوص المسائل الدينية، وبشكلٍ قوي، وتهكمي أيضًا. فهناك حق إبداء الرأي حتى إن كان اتهامًا عامًا وهجوميًا وخاليا من الذوق. لكن الحدود تكمن، حيث يصبح التشويه والإقصاء هو المقصد وليس النقاش.

يأتي رد فعل كثيرٍ من المسلمين على انتقاد الدين حساسًا، كما بين نقاش الصور الكاريكاتورية عن محمد.

بيليفيلدت:لا يمكن أن يكون هناك حماية استثنائية للمسلمين من الناحية القانونية. والواقع أن هذا تعبيرٌ عن الاعتراف بهم بوصفهم متساوين مع الآخرين ضمن هذا المجتمع. لكن المسألة مسألة أسلوب، أي هل يُراعى أن كثيرًا من المسلمين ينتمون إلى الشرائح غير المتعلمة ولا يستطيعون التعاطي بمرونة مع الاستفزازات.

يحذر الكاتب رالف غيوردانو Ralph Giordano من أن دين المسلمين يجيز لهم إظهار غير ما يبطنون.

بيليفيلدت: يُقصى الآخر على نحو خطير عندما يُتهم بالخداع انطلاقًا من بنيته، ومن يتعامل بهذا المنطق سيبقى أسيرًا له. الأساس أن ننطلق دائمًا من أن شريكنا في الحديث صادق إلى أن يثبت العكس.

هل يجوز مطالبة ممثلي الإسلام في ألمانيا بالاعتراف بقيَّم القانون الأساسي (الدستور)؟

بيليفيلدت: القانون الأساسي هو أساس العيش المشترك في ألمانيا. ولا بدَّ أيضًا لدين الإسلام من أن يكون له موقف إيجابي منه. أما طلب الاعتراف بالقانون الأساسي فيجب أن يتوجه لممثلي الجمعيات لا إلى كل مسلم بمفرده.

لماذا؟

بيليفيلدت: لأن القانون الأساسي شيء بديهي للمسلمين الذين نشؤوا هنا. بوسعي أن أتخيل أن رد فعلهم سيكون حائرًا ومستغرِبًا وغاضبًا إذا ما طُلب منهم (غالبًا بنبرة شبيهة بنبرة محاكم التفتيش في القرون الوسطى) الإدلاء باعتراف بشكل استثنائي. لنلاحظ أن أحدًا لا يسأل شخص مسيحي عن توافق بعض مقاطع الإنجيل مع القانون الأساسي.

قد يكون ما تقوله صحيحًا، لكن هناك نص صريح في القرآن يقول: "الرجال قوامون على النساء".

يوم المساجد المفتوح في ألمانيا، الصورة: د.ب.ا
يؤكد هاينِر بيليفيلدت أنه "من الخطأ القول بأن المسيحيين قد استكملوا مرحلة التنوير وأن المسلمين في بداية الطريق. والأجدر أن نقول إن عملية التنوير ما زالت مستمرة لدى الديانتين"

​​ بيليفيلدت: ينص القانون الأساسي بشكل صريح على المساواة بين المرأة والرجل، التي يجب أن يلتزم بها كل الطوائف الدينية، على سبيل المثال عندما يريدون أن يعطوا دروسًا دينية في المدارس العامة. أما التوفيق بين هذه الآية والقانون الأساس فذلك مهمة ذات طبيعة تأويلية تعود للمراجع الدينية. وبالمناسبة ينسحب هذا أيضًا على بعض مقولات الإنجيل التي تنص مثلاً على أن "المرأة من ضلع الرجل". الحاسم في النتيجة هو القبول بمضامين القانون الأساسي. وبالتأكيد فإن المسيحية متقدمةٌ في هذا المجال عن الإسلام عبر كليات الثيواوجيا الجامعية.

ألا يُصعب المسلمون الأمر على أنفسهم بسبب انطلاقهم من أن القرآن قد لُقن كلمة بكلمة؟

بيليفيلدت: هذا لا يُسهِّل المهمة بالتأكيد. لكن الفقهاء المسلمين كانوا أيضًا مرنين عندما أكدوا على وجوب النظر إلى مقولات قرآنية محددة على أنها جاءت ارتباطًا بظروف الحرب الأهلية في القرون الوسطى، فأجازت على سبيل المثال تعدد الزوجات بوصفه حلاً لإعالة الأرامل والأيتام في حينه.

هل من الأسهل ربط المسيحية بالنُظُم الدنيوية لأن الإنجيل يقول: "أعط ما للقيصر للقيصر وما لله لله"؟

بيليفيلدت: هذا ما يظنه بعض أتباع الدين المسيحي. بيد أن هؤلاء يغفلون عن قيام عملية صراعات استمرت لأمدٍ طويل في المسيحية أيضًا ولاسيما في الكنيسة الكاثوليكية حتى تحقق الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الدينية. إذًا الكنائس المسيحية مقارنةً بالإسلام حققت فقط قفزة متقدمة في تجربتها بالتعامل مع الدولة العلمانية. ومن الخطأ القول بأن المسيحيين قد استكملوا مرحلة التنوير وأن المسلمين في بداية الطريق. والأجدر أن نقول إن عملية التنوير ما زالت مستمرة لدى الديانتين.

أجرى الحوار: كريستيان رات
ترجمة: يوسف حجازي
حقوق الطبع: تاغز تسايتونج/قنطرة 2010

هاينِر بيليفيلدت: عالِم دين كاثوليكي وفيلسوف. ترك منصبه مديرًا للمعهد الألماني لحقوق الإنسان في برلين بعد أن تولى إدارته منذ عام 2003. كان أستاذًا في مدينة بيليفيلد الألمانية. أصبح منذ أيلول/سبتمبر أول أستاذ كرسي ألماني لحقوق الإنسان وسياسة حقوق الإنسان في جامعة إرلانغن-نورينبيرغ. من إصداراته بصدد هذا الموضوع كتاب "المسلمين في كنف الدولة العلمانية- فرصة للاندماج من خلال الحرية الدينية"، دار ترانسكريبت، 2003.

قنطرة

:تعليق الباحث الإسلامي طارق رمضان حول حظر بناء المآذن في سويسرا
الإسلام دين أوروبي.....دعوة لتعزيز جسور الثقة
يرى الفيلسوف المعروف والباحث الإسلامي في جامعة أوكسفورد طارق رمضان أن التصويت السويسري لمنع بناء المآذن يعبر عن نقص واضح في الثقة لدى المسيحيين والمسلمين الأوروبيين على حد سواء. كما يدعو مسلمي أوروبا إلى التعاون مع قوى المجتمع المدني والمساهمة بشكل شجاع وفعال في إقامة مجتمع ديمقراطي متعدد دينياً وثقافياً.

"مجلس تنسيق المنظمات الإسلامية في ألمانيا":
إشكالية تمثيل المسلمين في ألمانيا
تأسس في ألمانيا أخيرا مجلس مختص بتنسيق شؤون المسلمين ورافق هذا الإعلان تشديد على أن هذا المجلس هو الممثل الشرعي الوحيد للمسلمين في ألمانيا. تعليق أورزولا شبولر-شتيغيمان

حوار مع المؤرِّخ الألماني ميشائيل بورغولته:
"الإسلام كان ينتمي دائمًا إلى أوروبا"
هجرة المسلمين في الوقت الحاضر إلى أوروبا تعيد الوضع الطبيعي التاريخي إلى نصابه، فمنذ الفترة المتأخرة من العصور القديمة كانت توجد في أوروبا تعدّدية دينية، مثلما يرى المؤرِّخ الألماني ميشائيل بورغولته. رالف بولمانّ أجرى معه الحوار التالي حول تاريخ المسلمين في أوروبا.