رئيس الجالية التركية في ألمانيا: نحن بحاجة إلى نقاش مفتوح حول العنصرية

يتهم كنعان كولات، رئيس الجالية التركية في ألمانيا، أجهزة الأمن الألمانية بالعنصرية بعدما أخفقت في ملاحقة الجرائم التي ارتكبتها المنظمة الإرهابية السرية النازية، وفي إثر تدمير ملفات خاصة بالقضية من قبل جهاز المخابرات الألماني (جهاز حماية الدستور). ويقول كولات إن ثقة المواطنين من أصل تركي في أجهزة الأمن قد وصلت إلى نقطة الصفر. مع كنعان كولات تحدثت سميرة زامر.

الكاتبة ، الكاتب: Samira Sammer



ما هي ردود فعل الجالية التركية في ألمانيا بخصوص النتائج التي توصلت إليها لجنة تقصي الحقائق في جرائم المنظمة الإرهابية السرية النازية؟

كنعان كولات: الناس يشعرون بالسخط لأن أحد العاملين في جهاز الأمن قام بتدمير أدلة مهمة في حالة من حالات القتل العشر. هذه الفعلة تثير الظنون بأن جهاز حماية الدستور الاتحادي متورط في جرائم القتل التي أودت بحياة عشرة من المهاجرين. إن إتلاف ملفات مهمة وتمزيقها هو الدليل على أن جهاز حماية الدستور لديه ما يخفيه – هذه هي وجهة نظر عديد من الأتراك في ألمانيا. إن الجهاز الأمني لم يخفق بسبب إهماله فحسب، بل لقد أظهر موقفاً عنصرياً وتمييزياً تجاه الضحايا عندما اتهمهم بأنهم أعضاء في عصابات إجرامية.

ما هي عواقب تلك الاتهامات بالنسبة للعلاقة بين المهاجرين والألمان؟

د ب ا
إهمال منقطع النظير: المنظمة الإرهابية السرية النازيةNSU ظلت لمدة تزيد عن 13 عاماً تعمل تحت الأرض بعيداً عن أعين أجهزة الأمن مما أودى بحياة عشر أشخاص.

​​كنعان كولات: هذه الاتهامات تزعزع ثقة الأتراك الذين يعيشون هنا بدولة القانون الألمانية. وكما يبين استطلاع للرأي أجرته جامعة "هاتشيتبه" التركية في أنقرة فإن ثلثي الأتراك الذين يعيشون في ألمانيا يعتقدون بأن أجهزة الأمن متورطة في جرائم القتل، وذلك إما عن طريق غض الطرف عن الجرائم أو عن طريق التستر على جماعات معادية للأجانب. ووفق هذه الدراسة فإن 75 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع يتوقعون أن تحدث عمليات يمينية متطرفة أخرى ضد الأتراك أو مهاجرين آخرين. إن ثقة المهاجرين الأتراك في أجهزة الأمن قد وصلت إلى نقطة الصفر. وبصراحة لم يعد لدي أنا أيضاً أي ثقة في جهاز حماية الدستور، بل إن لدي خوفاً من هذا الجهاز ومن العاملين فيه. هذه القضية فضيحة بالنسبة للديمقراطية.

هل الالتماس بقبول استقالة رئيس جهاز حماية الدستور هاينتس فروم قبل أيام يمثل البداية لمواجهة الأوضاع الفاسدة في جهاز حماية الدستور؟

كنعان كولات: لقد كانت هذه خطوة ضرورية تحتمَ على رئيس جهاز حماية الدستور القيام بها بعد أن فقد الثقة في العاملين معه الذين - على ما يبدو - كانوا يفعلون ما يحلو لهم. ففي نهاية المطاف لم يعد أحد يعرف ماذا يفعل الآخر.
غير أن استقالة رئيس جهاز حماية الدستور تمثل قمة الجبل الجليدي فحسب. إن على القيادة السياسية التي كانت تحكم في الفترة التي وقعت فيها الجرائم أن تتحمل مسؤولية ما حدث. لا أقصد هنا وزيري الداخلية السابقين فقط، أوتو شيلي وغونتر بيكشتاين اللذين بادرا بالتعليق عما حدث، بل أيضاً فولفغانغ شويبله، وزير الداخلية الأسبق الذي دمج قسمي مكافحة الإرهاب اليساري والإرهاب اليميني معاً، وذلك على الرغم من كل التحذيرات، وهو ما أدى إلى إضعاف مكافحة اليمين المتطرف.


كما يجب على وزيري الداخلية آنذاك فريتس بيرنس وفولكر بوفييه أن يوجها لأنفسهما أسئلة نقدية، إذ لم يتعقب أحد منهما المؤشرات التي أشارت إلى جناة من اليمين المتطرف. ويجب أيضاً على يورغ تسيركه، رئيس الجهاز الاتحادي لمكافحة الجرائم، أن يتحمل مسؤولية جهازه في عدم الكشف عن ملابسات الجرائم وهوية المجرمين، وألا يكتفي بالحديث العام عن أخطاء ارتكبتها الأجهزة الحكومية. كل هذا يمثل خطوة مهمة بالنسبة لدولة القانون الألمانية، وسيرسل إشارة في اتجاه العدالة، مما يساعد في استعادة ثقة المهاجرين.

رغم ذلك يبقى السؤال: كيف استطاعت جماعة من النازيين الجدد طوال سنوات التنقل في ربوع البلاد مرتكبة جرائم قتل دون أن تلفت أنظار أجهزة الأمن؟

د ب ا
في مرمى نيران النقد العام: بعد حالات الاخفاق التي مُنيت بها الجهات الأمنية في ملاحقة خلية النازيين الجدد NSU أعلن مؤخراً رئيس جهاز حماية الدستور هاينتس فروم عزمه ترك منصبه ابتداء من نهاية شهر يوليو (تموز).

​​كنعان كولات: هناك من ناحية مشاكل هيكلية تعاني منها أجهزة الأمن. هذه المشاكل، على ما يبدو، تعرقل التعاون بين المصالح الحكومية. من ناحية أخرى فإننا هنا أمام حالة واضحة من العنصرية المؤسساتية والهيكلية، عنصرية متجذرة في رؤوس بعض العاملين في جهاز حماية الدستور – وأقول بعض وليس كل العاملين.
عندما يُنظر إلى الضحايا باعتبارهم جناة ومجرمين، فإن هذا يكشف عن موقف ذهني للعاملين في أجهزة الأمن. هذه الصورة السلبية للمهاجرين سببها، أيضاً، النقاشات السياسية التي تخُاض على نحو تمييزي وسلبي. لا بد أن يتغير هنا بسرعة شيء ما على المستوى السياسي لمواجهة أي تمييز يُمارس ضد المهاجرين، لا سيما المسلمين منهم.

مجلس الولايات (البوندسرات) أعطئ مؤخراً ضوءاً أخضر لإنشاء سجل مركزي للنازيين الجدد في كل ألمانيا. هل تكفي إجراءات كهذه لمواجهة الإرهاب اليميني مواجهة فعالة؟

كنعان كولات: لا بد من إجراء نقاش مفتوح حول العنصرية المؤسساتية، ولكي نتعرف على المشكلة لابد من تسمية الأشياء بأسمائها. يجب أن تكون بريطانيا العظمي نموذجاً لنا حيث يُنظر في البداية إلى كل هجوم على المهاجرين باعتباره عملية عنصرية – وتجري التحقيقات أيضاً في هذا الاتجاه. كما أننا نتمنى إنشاء جهة مستقلة لمراقبة العنصرية في ألمانيا. وهناك نقطة مهمة جداً في هذا السياق، وهي سياسة ألمانيا تجاه الأجانب. على الساسة أن يتوقفوا عن إزاحة المهاجرين إلى هامش المجتمع. يجب تنفيذ سياسة مناهضة للعنصرية، سياسة تسير على طريق المساواة والمشاركة حتى نستطيع اكتساب ثقة الأتراك والمهاجرين الآخرين في الدولة الألمانية.

 

أجرت الحوار سميرة زامر
ترجمة: صفية مسعود
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012