"الحكام العرب لم يفهموا بعد أن زمن الايديولوجيات قد ولى"

"ليس بالخبز وحده يعيش الإنسان" هذه المقولة تنطبق ربما على الشعب الليبي، الذي رغم الثروة التي وظفها النظام لخلق علاقة مستقرة معه، إلا أن جيل الفيسبوك يتوق إلى الحرية قبل الخبز أحيانا، كما يعتقد الباحث الجزائري في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة ماربورغ الألمانية رشيد عويسى.

، الصورة ا.ب
"تمكن القذافي من إجراء تنمية إيديولوجية في ليبيا ليس من خلال الاعتماد على الاشتراكية والقومية العربية"

​​ يبدو أن شرارة الثورة وصلت أخيراً إلى ليبيا بعد تونس ومصر، هل يشكل الأمر مفاجئة بالنسبة إليكم؟

رشيد عويسى: هذا الأمر يشكل لي مفاجئة بعض الشيء، لأن ليبيا لم تكن تظهر فيها علامات الإحباط أو المشاكل التي تعاني منها بقية البلدان العربية، فليبيا تعد من أغنى البلدان العربية مقارنة بعدد سكانها، ولا يمكنني أن أفسر هذا إلا بعامل التأثير النفسي لثورتي مصر وتونس، الذي كان أكبر مما يُعتقد.

النظام الليبي ما زال مستقراً، كيف يمكن تفسير هذا الاستقرار لأكثر من أربعين عاماً؟

عويسى: النظام الليبي يتمتع بعوائد كبيرة تأتيه من صفقات البترول مقارنة بعدد سكان البلاد. وهنا يجب أن ننظر إلى أن الحقبة الاستعمارية تركت آثاراً قاسية على ليبيا، وفي هذه الظروف السيئة أتى نظام معمر القذافي، الذي كان ما يزال شاباً للغاية حين استولى على السلطة. وتمكن القذافي من إجراء تنمية إيديولوجية في ليبيا ليس من خلال الاعتماد على الاشتراكية والقومية العربية، بل اختط لنفسه طريقاً خاصاً به وأنشأ نظام "الجماهيرية" من جانب. ومن جانب آخر يتضح لمن يتعرف على الطلبة الليبيين في أوروبا مثلاً أن المال لم يكن يمثل مشكلة في ليبيا على الإطلاق. وهذا يتضح أيضاً في أن مواطني الكثير من البلدان العربية الأخرى يقصدون ليبيا للعمل. وهذا يعني أن النظام يمتلك أموالاً طائلة خلق من خلالها علاقة مستقرة ربطته بمواطنيه طوال العقود الماضية.

الصورة د.ب.ا
هل ستنجح سياسة القبضة الحديدية في منع لشباب الليبي من الانتفاض على نظام القذافي؟

​​

لكن اليوم بدأ يظهر في ليبيا جيل جديد، كما هو الحال في الدول العربية الأخرى، لا يمكن إسكاته بالمال فقط. فهذا الجيل، الذي يمكن تسميته أيضاً بـ"جيل الفيسبوك، جيل منفتح على العالم. وبالنسبة لي من الناحية العملية فإن هذا يعني عدم التقليل من شأن هذه الاحتجاجات على المطالبة برغيف الخبز. ولا يمكن القول إن هذه الاحتجاجات تأتي بسبب مشاكل اقتصادية فقط أو البطالة. الموضوع أكبر من ذلك. هذا الجيل يبحث عن متنفس وعن العيش بكرامة، وسأم العيش في ظل دكتاتورية.وأختلف هنا مع بعض المحللين الذين يرون أن العالم العربي يثور بسبب الجوع فقط، هذا لا يصح، فكما أظهرت الأحداث في تونس أن الثورة دعمتها طبقة متوسطة، لا يمكن وصف ظروفها بالسيئة من الناحية الاقتصادية والبحرين كذلك. إن جيل الشباب ثار من أجل العيش بحرية ورفضاً للعيش في ظل دكتاتوريات متسلطة منذ زمن طويل.

تم الإعلان عن إطلاق سراح عشرات المعتقلين، هل يمكن اعتبار ذلك بداية لتنازلات أخرى أكبر؟

الصورة دويتشه فيله

​​ عويسى: منذ بداية حركة المطالبة بتغيير ديمقراطي في بعض الدول العربية وعد القذافي الليبيين باعتباره قائداً للثورة أنه سيمنح كل ليبي منزلاً. وبُعيد الإطاحة بنظام بن علي أُعلن عن استعداد القذافي الالتقاء بمعارضين لنظامه، لكن المشهد في ليبيا لا يبدو واضحاً وما المقصود هنا بالمعارضة، فلا تتوفر معلومات كثيرة عن هذا البلد، مقارنة بتونس ومصر. إذ نجح نظام القذافي في فرض تعتيم تام على البلد وعزله من الداخل عن العالم. لكن أعتقد أن النظام بات مستعداً الآن لتقديم بعض التنازلات وبذل كل الجهود حتى لا ينتهي به المطاف إلى نهاية مشابهة لبن علي وحسني مبارك. وإبداء هذه التنازلات قد يقود في النهاية إلى بعض الانفتاح في ليبيا، لكني لا أنتظر حدوث ثورة في ليبيا تقود إلى إسقاط النظام على غرار تونس ومصر.

ما هو دور الشبكات الاجتماعية مثل الفيسبوك وتويتر في تنظيم ثورة ممكنة في ليبيا؟

عويسى: لا تتوفر معلومات إحصائية دقيقة عن ليبيا، لكن الجيل الجديد لم يقتنع بدعاية النظام والكتاب الأخضر للثورة الليبية. إن وسائل الاتصال الحديثة تعلب دوراُ مهماً في حياة هذا الجيل، سواء في ليبيا أو في الدول العربية الأخرى، التي تصل فيها نسبة الشباب إلى أكثر من 60 في المائة من عدد السكان. وهنا تمكن مشكلة الأنظمة العربية: فمن جانب تتربع على هرم السلطة في العالم العربي نخب حاكمة تزيد أعمارها عن الستين عاماً، ومن جانب آخر تعتبر المجتمعات العربية مجتمعات شابة في أغلبها، وهنا تكمن المقارنة. هوان يمكن الحديث عن مشكلة أجيال أو صراع الأجيال، فالحكام العرب يعتقدون أنه ما زال ممكناً حكم الشعوب العربية بالايدولوجيا، لكننا الآن في زمن سقوط الايديولوجيات. والشباب لا يؤمنوا بالايديولوجيات سواء كانت إسلامية أو قومية.

أجرى المقابلة: عماد م. غانم
مراجعة: عبده جميل المخلافي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011

قنطرة

نظرة نقدية على واقع الإصلاح في ليبيا:
"يجب التخلص من سوء الإدارة والتفكير القبلي"
بمرور واحد وأربعين عاما على تولي الزعيم الليبي معمر القذافي لمقاليد السلطة في بلده، تُسلط الأضواء على مستقبل الأوضاع في هذا البلد الغني بالنفط . الكاتب الليبي مصطفى فيتوري، رئيس قسم إدارة الأعمال في الأكاديمية الليبية للدراسات العليا في طرابلس، يرى في تعليقه الآتي أن ليبيا لم تعد كما كانت عليه في الماضي وسط مطالبته بتخلص الجيل الجديد من الأمراض القديمة وعلى رأسها سوء الإدارة والتفكير القبلي والمحاباة.

أربعون عاما على تولي معمر القذافي مقاليد الحكم في ليبيا:
القذافي… عالم من التناقضات ورجل الأضواء والمفاجئات
لقد فاقَ معمر القذافي الجميع تقريباً فيما يتعلق بطول فترة حكمه، إذ يحكم الآن فترة أطول مما حكم كل الحكام الطغاة في القرن العشرين، وفترة أطول من كافة الحكام العرب الآخرين، ومن كل سياسي منتخب ديمقراطياً في أي مكان من عالمنا. رودولف شيميلّي يسلط الضوء على "ظاهرة القذافي".

"القذافي الجديد":
التقارب بين ليبيا واوروبا، فرص ومخاطر
العقيد القذافي مع الرئيس السابق للمفوضية الأوربية رومانو برودي تتناول الباحثة في المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمن الدولي إيزابيل فيرنفيلس خلفيات تطور العلاقة بين ليبيا وأوروبا وإشكاليات نظام الحكم في طرابلس.