المحاصصة والكوتا النسائية مكسب للمرأة الجزائرية

لم تغيِّر الانتخابات النيابية التي تم إجراؤها مؤخرًا في الجزائر إلاَّ القليل من ميزان القوى في البلاد. ولكن لوحظ شيء جديد بعد الانتخابات، إذ تضاعف عدد النساء في البرلمان الجزائري خمسة أضعاف - من واحد وثلاثين نائبة إلى مائة وخمس وأربعين. مارتينا صبرا تحدَّثت إلى الحقوقية الجزائرية الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة نادية آيت زاي حول الأسباب والآفاق.

الكاتبة ، الكاتب: Martina Sabra



السيِّدة آيت زاي، تطالبون منذ عدة أعوام في مركز الإعلام والتوثيق لحقوق الطفل والمرأة "سيداف" الذي كان لك شرف تأسيسه بزيادة مشاركة المرأة في الحياة السياسية في الجزائر. لذلك كيف تقيِّمين نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة من ناحية المساواة بين الجنسين؟

نادية آيت زاي: تعدّ نتائج الانتخابات التي أجريت في العاشر من شهر أيَّار/مايو الماضي قفزة كبيرة إلى الأمام من ناحية المساواة بين الجنسين. إذ تم على وجه الإجمال انتخاب مائة وخمسة وأربعين امرأة في برلمان مجموع نوَّابه أربعمائة واثنين وستين نائبًا. وهذا العدد يعادل تقريبًا ثلث مقاعد البرلمان. ولم تتمكَّن في الانتخابات الأخيرة التي أجريت عام 2007 إلاَّ واحد وثلاثين امرأة من بين ثلاثمائة وتسعة وثمانين نائبًا من الوصول إلى مجلس النوَّاب.

كيف تفسرين هذه الزيادة؟

آيت زاي: لقد ناضلت المنظَّمات النسائية وكذلك أيضًا مركز الإعلام والتوثيق لحقوق الطفل والمرأة سيداف من أجل إقرار محاصصة نسائية في القانون. وبالإضافة إلى ذلك لقد صادقت الجزائر على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضدّ المرأة سيداو. وهذه الاتفاقية تنص على بنود من بينها تحسين التمثيل السياسي للمرأة. ومن أجل تطبيق هذه الاتفاقية تم إقرار القانون رقم 31 الذي أصبح ساري المفعول في شهر كانون الثاني/يناير 2012. وينصّ هذا القانون على أنَّ المرأة الجزائرية يجب أن تكون ممثَّلة سياسيًا على جميع المستويات - على المستوى المحلي والإقليمي والوطني.

كان من المفترض طبقًا لمشروع القانون الأصلي ألاَّ تقل نسبة النساء عن ثلاثين في المائة من عدد نوَّاب الشعب المنتخبين. ولكن تم إلغاء هذا المشروع وبدلاً من ذلك تم تحديد نسبة للنساء في قوائم المرشَّحين، وكان يجب على الأحزاب أن تضع في كلِّ قائمة من قوائمها الانتخابية عشرين أو ثلاثين أو أربعين أو خمسين في المائة من النساء حسب عدد الناخبين في كلِّ دائرة انتخابية. كيف تنظرين إلى ذلك؟

د ب ا
جزائريات يدلين بأصواتهن في انتخابات عام 2012

​​

آيت زاي: قامت الأحزاب السياسية بتقطيع حصة النساء القانونية إلى شرائح. بينما كان مشروع القانون ينصّ على أنَّه يجب وضع النساء في القوائم الانتخابية على نحو يمنحهن الفرصة ليتم انتخابهن. ولكن المادة رقم 2 الجديدة تنص الآن على أنَّ عدد النساء في كلِّ قائمة ينبغي ألاَّ يقل عن عشرين أو ثلاثين أو أربعين أو خمسين في المائة حسب عدد الناخبين في كلِّ دائرة انتخابية. ولم يحدِّد القانون بوضوح المكان الذي يجب أن تشغله المرشَّحات على القوائم الانتخابية. ولكن مع ذلك تمثِّل هذه المحاصصة مكسبًا للمرأة. وحتى ذلك الحين كان الأمر متروكًا للأحزاب إذا كانت تريد وضع نساء في قوائم المرشَّحين أم لا. والآن صار لدينا لأوَّل مرَّة قانون إلزامي ينصّ على مشاركة المرأة وقد أظهرت الأحزاب في الانتخابات الأخيرة أنَّها كانت حقًا مستعدة لقبول المزيد من النساء - ذلك من خلال وضع النساء ليس فقط في آخر القوائم، بل كذلك أيضًا مثلما كانت الحال على الأقل لدى بعض الأحزاب في أماكن أتاحت لهن فرصة حقيقية لانتخابهن. وهذه الإرادة السياسية مهمة للغاية، لأنَّها تملك القدرة على خلق علاقات جديدة ومختلفة بين الرجال والنساء.

ما هو الدور الذي لعبته المنظَّمات النسائية المستقلة في تطبيق نظام المحاصصة؟

آيت زاي: مارست الجمعيات النسائية ضغوطات وهذه الضغوطات ظهرت آثارها. وعلى سبيل المثال لقد عمل مركز الإعلام والتوثيق لحقوق الطفل والمرأة سيداف منذ عام 2003 بانتظام في هذا الموضوع. وشاركنا في دراسة تم إجراؤها في جميع الدول المغاربية حول موضوع النساء في الحياة السياسية ودعونا إلى التغيير على أعلى مستوى، حيث تلقى الرئيس توصياتنا بشكل إيجابي.

بماذا ساهم مركز الإعلام والتوثيق لحقوق الطفل والمرأة سيداف قبل الانتخابات من أجل تحسين فرص نجاح المرشَّحات؟

د ب ا
هل يهبر الربيع العربي على الجزائر؟

​​

آيت زاي: لقد قمنا بتدريب العديد من النساء خاصة على الأسئلة العملية، مثلاً كيف تلقى الخطابات؟ وكيف يتجه المرء إلى الناخبين ويتواصل معهم؟ وكيف يتم تنظيم فعالية عامة؟ وجميع المشاركات في ورشات العمل التي أقمناها ترشَّحن للانتخايات، وكان عددهن على أية حال عشرين امرأة - لقد كانت هذه تجربة جميلة. وكان من المهم بالنسبة لنا بالإضافة إلى تدريب النساء على هذه المهارات العملية أن تحفاظ المشاركات في حال تم انتخابهن على العلاقة بين المجتمع المدني والبرلمان، وأن يكن لسان حال المجتمع المدني في البرلمان.

برأيك كيف سيكون تأثير وجود المرأة المتزايد في البرلمان الجزائري؟

آيت زاي: يؤدِّي وجود المرأة في البرلمان إلى الكف عن النظر إلى البرلمان على أنَّه مؤسَّسة خاصة فقط بالرجال. والنساء يمتلكن وجهة نظرة مختلفة عندما يتعلَّق الأمر بسنِّ القوانين وإقرارها. وسيتعيَّن على النائبات في البرلمان إيجاد صيغة للاهتمام بالقضايا المتعلِّة بالمرأة وكذلك أيضًا بالقضايا التي لا تخص المرأة.

تم اتِّهام بعض الأحزاب بأنَّها أدرجت زوجات أو قريبات قياداتها الحزبية في القوائم الانتخابية من أجل التمكّن شكليًا من تحقيق شرط المحاصصة. وبعض النساء المنتخبات يمثِّلن مواقف سياسية لا تتوافق مع تحرّر المرأة. هل تعتقدين أنَّ النائبات الجديدات سيعملن بنشاط من أجل "ورش البناء الكبيرة الخاصة بالمساواة بين الجنسين" مثل إصلاح قانون الأسرة وقانون الحماية من العنف؟

آيت زاي: كانت توجد لدى الأحزاب بعض المشكلات في إيجاد مرشَّحات من النساء، واضطرت بشكل خاص الأحزاب الجديدة التي يتجاوز عددها عشرين حزبًا إلى البحث كثيرًا للتمكَّن من سدِّ الفراغ في قوائمها الانتخابية. وهذا يتؤثَّر تأثيرًا سلبيًا على النوعية، وذلك لأنَّه تم إرسال بعض النساء اللواتي يفتقدن للخبرة السياسية إلى سباق الانتخابات. وحتى الآن ما يزال لا يمكننا التنبؤ إن كانت النائبات الجديدات سيعملن من أجل الدفاع عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان. كما أنَّ الكثير من النساء اللواتي تم انتخابهن لم يمنحن هذه القضايا حتى الآن أي اهتمام ولم يعملن أيضًا من أجلها. لذلك يجب علينا كوننا نمثِّل المجتمع المدني من خلال جمعيَّاتنا المستقلة أن نطالب بإدراج حقوق المرأة وحقوق الإنسان على أجنداتهن. وفي الواقع تعتبر النائبات مدينات إلى حدّ ما للمنظَّمات النسائية؛ لأنَّ هذه المنظَّمات ساهمت مساهمة حاسمة من خلال حملاتها الانتخابية في وصول هذا العدد الكبير من النساء الآن إلى البرلمان.

ما حجم السلطة السياسية التي يمتكها البرلمان على أرض الواقع؟

آيت زاي: تعدّ سلطة البرلمان محدودة نسبيًا بسبب السلطة القوية التي يتمتَّع بها رئيس الدولة. والنَّواب لدينا يناقشون مشاريع القوانين التي تقدِّمها الحكومة، لكن البرلمان الجزائري لم يعد بكلِّ تأكيد مؤسَّسة تشريعية. كما أنَّ الإصلاحات التشريعية التي تم إجراؤها مؤخرًا لم تغيِّر أي شيء في ذلك. ما نحتاجه هو التغيير الكامل لهذا النظام الحاكم. يجب علينا بناء نظام ديمقراطي؛ إذ إنَّ الأمر لا يتعلَّق فقط بهذه الانتخابات، بل كذلك أيضًا بالمؤسَّسات والفصل بين السلطات واستقلال القضاء والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. ويتعيَّن على البرلمان الجديد إقرار إصلاحات دستورية. ولكن يجب علينا الحديث حول أسئلة مثل السؤال عن المحتويات التي سيحتويها الدستور الجديد؟ وكيف سيكون وضع حقوق المرأة؟ وما هو نوع نظام الحكم الذي سيكون لدينا؟ وهل ستكون السلطة بيد الرئيس أم سيتم تعزيز دور البرلمان؟

ما هي أولويات المرأة الجزائرية نطرًا إلى الدورة التشريعية الجديدة والإصلاحات الدستورية المنتظرة؟

آيت زاي: لقد عملنا في نهاية الدورة التشريعية الماضي مع النوَّاب على مشروع قانون هدفه تحسين حماية النساء من العنف. والآن يجب على مجلس النوَّاب المنتخب حديثًا استئاف العمل على مشروع هذا القانون الذي تم تقديمه إلى رئاسة البرلمان. وهذه إحدى الأولويات. وهناك أولوية أخرى هي قانون الأسرة. وفي الأعوام الأخيرة تم تحقيق بعض التقدّمات في قانون الجنسية وكذلك في مشكلة التحرّش الجنسي. ولكن ما تزال المرأة تعاني من التمييز فيما يتعلَّق بقانون الطلاق وحضانة الأطفال، وهنا ما تزال توجد حاجة للإصلاح. ولدينا مشروع آخر مهم يكمن في تحديد تمثيل المرأة في الهيئات السياسية بوضوح وترسيخه ضمن إطار قانوني.

 

أجرت الحوار: مارتينا صبرا
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012

تعمل الأستاذة نادية آيت زاي في تدريس قانون الأسرة في جامعة الجزائر وتعدّ بالإضافة إلى ذلك مؤسِّسة ومديرة مركز الإعلام والتوثيق لحقوق الطفل والمرأة سيداف في الجزائر. Www.ciddef-dz.com.