سلام ديني بين اليهود والمسلمين

تحدث محمد دجاني داوودي، مؤسّس حركة الوسطية وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس في مقابلة مع تاليا إزراحي، المحررة في منظمة البحث عن أرضية مشتركة، عن فعالية في مجال حوار الأديان جمعت معاً 150 يهوديا ًومسلماً ومسيحياً في أوشويتز ببولندا، موقع أكبر معسكر محرقة نازي.

لماذا كان من المهم لك أن تنضم إلى قادة دينيين في هذه الزيارة إلى أوشويتز؟

محمد داوودي: كان هدف الحدث نشر المعلومات للمسلمين والمسيحيين الذين يعيشون في عالم يتم فيه إنكار المحرقة، أو توجد فيه ندرة في المعلومات حول المحرقة. ترتبط المحرقة في العالم العربي على سبيل المثال بتأسيس دولة إسرائيل، والنكبة الفلسطينية. لذلك هناك نقص في الأدبيات التي تصف بشكل مناسب القتل الجماعي لليهود أثناء الحرب العالمية الثانية.

دُعينا كمسلمين ومسيحيين لنشهد بأنفسنا الرعب الذي عانى منه اليهود لمجرد كونهم يهوداً. أعتقد أنه من المهم جداً ترتيب زيارات كهذه للطلبة الفلسطينيين كجزء من دراستهم. لقد شكّل النزاع العربي الإسرائيلي الأسلوب الذي نرى نحن الفلسطينيون من خلاله الأحداث التاريخية ونترجمها، وأرغب أنا أن يصل طلابي إلى نقطة يستطيعون فيها استنباط فهمهم لما حدث أثناء المحرقة من المضمون الخلافي للنزاع العربي الإسرائيلي. إنه فصل مأساوي في تاريخ البشر لا يمكننا الاستمرار في تجاهله.

شاركت في العديد من أحداث حوار الأديان عبر السنوات. هل تعتقد أن حوار الأديان يجب أن يلعب دوراً هاماً في الجهود لحل النزاع الإسرائيلي العربي؟

داوودي: بالتأكيد. يتعلق جزء كبير من المشكلة بالجهل بديننا وبدين "الآخر". لعب الدين حتى الآن دوراً كبيراً في إثارة النزاع، وأنا أعتقد أن الوقت قد حان لأن يصبح الدين عاملاً محفّزاً في حله. لا يعرف العديد من المسلمين الكثير عن اليهودية أو المسيحية، والكثير مما يعرفه معظمهم مشوّه. تساعد هذه اللقاءات على دحض الأساطير والرؤى الخاطئة. السلام الديني في هذا النزاع متطلب مسبق لسلام سياسي مستدام.

يأتي بنا ذلك إلى "الوسطية"، وهي مفهوم هام في الإسلام، وكذلك اسم حركة قمت بتأسيسها عام 2007. هل بإمكانك شرح ما تعنيه؟

الأديان قد تصلح ما تفسده السياسة

​​داوودي: تشير كلمة الوسطية إلى الوسط أو المنتصف. وهي تعني في القرآن الكريم العدالة والاعتدال والتوازن والزهد. وقد ظهرت كلمة "وسط" في الآية 143 من السورة الثانية التي يبلغ طولها 286 آية. أي أنها تظهر في وسط السورة بالضبط.

وتقول الآية: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس..." أو أمة وسطية. وتبيّن الآية أن الحاجة إلى الاعتدال والزهد يشكّلان رسالة أساسية في الإسلام. تخاطب "الوسطية" كافة نواحي الحياة، كأسلوب تناول طعامنا وأسلوب لباسنا والأسلوب الذي ننفق فيه الأموال. وهي إحدى القيم التي تتشارك فيها اليهودية والمسيحية، ويمكنها بالتالي أن تشكّل أساساً مثمراً لحوار الأديان.

كيف يمكن استغلال "الوسطية" لتشجيع سياسة السلام؟

داوودي: من خلال تبني رؤية "الوسطية" كبديل سلمي للعنف. ينادي القرآن الكريم بتحقيق التغيير من خلال الاعتدال. على سبيل المثال، يجب تفسير الجهاد على أنه جهاد الروح – الجهاد لتنقية الروح الداخلية من الشر، وليس شن الحروب ضد الآخر. إنه لا يعني جهاد القنبلة أو الرصاصة أو الانتحار. هنا في فلسطين، ترى حركة الوسطية جهاداً يجمع الإسرائيليين المعتدلين مع الفلسطينيين المعتدلين ضمن جهود لإنهاء النزاع. عندما أتظاهر محتجّاً يجب أن أضمّ إليّ معسكر الإسرائيليين المحبين للسلام الذين يؤمنون أن هذه هي قضيتهم الأخلاقية أيضاً.

ما الذي تأمل أن تحققه للحركة خلال السنوات القليلة المقبلة؟

داوودي: آمل أن يشجع انتشار ثقافة "الوسطية" داخل المجتمع الفلسطيني كذلك صورة أفضل للشعب الفلسطيني ويساعد بذلك على إقناع العالم بأننا نستحق أن نأخذ مكاننا بين الأمم. محلياً، نأمل بإيجاد مظلة تضم تحتها جميع الفلسطينيين المعتدلين متّحدين. فإذا نجحنا في جمع الفصائل الفلسطينية المختلفة تحت راية الاعتدال فسوف نكون في وضع أفضل بكثير لمتابعة حوار مثمر مع الإسرائيليين، وهو سبيل يملك الاحتمالات الأفضل لتحقيق السلام.

 

 

أجرت الحوار: تاليا إزراحي

حقوق النشر: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية 2011