حقوق الانسان وحدود التحمل الأوروبية

حصد مجلس حقوق الإنسان الجديد التابع للأمم المتحدة منذ تأسيسها قبل أقل من سنة الكثير من الانتقادات. فقد دأبت الهيئة مثلا على انتقاد سياسة اسرائيل وتجاهلت القضايا الأخرى إلى حد بعيد. حوار مع غونتر نوكه المفوض الاتحادي الألماني لحقوق الإنسان

غونتر نوكه، الصورة: د ب أ
مفوض الحكومة الاتحادية لحقوق الإنسان غونتر نوكه

​​

طالب كوفي أنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة مجلس حقوق الإنسان في بداية دورته الثالثة في أوائل شهر ديسمبر/كانون الأول بالاهتمام بالقضايا الأخرى وليس فقط التركيز على صراع الشرق الأوسط. هل هذا الطلب برأيك مشروع؟

غونتر نوكه: في الواقع، إن هذا الطلب ليس فقط مشروعاً، بل مشروعاً جداً، إذ ليس من المعقول أن يهتم المجلس بأحوال حقوق الإنسان في الشرق الأوسط ويتغاضى عن قضايا مستعصية - أو أكثر استعصاءً حسب قول كوفي أنان – فقط لأن أغلبية الأعضاء لا يرغبون بإدراج موضوع دارفور مثلاً على جدول الأعمال.

كيف تفسر لنا الموقف الرافض لأكثرية الدول النامية؟ هل يعيد صراع الجنوب والشمال الذي كان موجوداً في لجنة حقوق الإنسان نفسه؟

نوكه: أصلاً الدول الممثلة حالياً في مجلس حقوق الإنسان هي نفسها التي كانت ممثلة في اللجنة السابقة، بل وبعض الدول ممثلة من قبل الأشخاص نفسها التي كانت تمثلها في اللجنة السابقة. إنه لمن غير المنطقي أن يُعتقد انه بمجرد تغيير إسم الهيئة والرفع من شأنها سيتغير وعي وادراك الأعضاء.

نحن الآن في وضع - وهذا يُعتبر من مساوئ المجلس الحالي – تحتل فيه الدول غير المراعية لحقوق الإنسان غالبية المقاعد في المجلس الحالي، والنتيجة هي عرقلة التوصل إلى اتفاقيات مهمة بشأن إصدار بيانات عامة متعلقة بحقوق الإنسان.

حذرت الولايات المتحدة قبل عام من هذه النقطة بالتحديد في مرحلة اتخاذ القرار لصالح او ضد تكوين المجلس. هل كان الأميركيون على حق آنذاك؟

نوكه: لم تكن الولايات المتحدة وحدها مرتابة من هذا الأمر آنذاك، بل الأوروبيون أيضاً. إلا أن أوروبا وبعض الدول فضلوا تكوين المجلس بدلاً من عدم وجود مجلس أصلاً والخروج بالأفضل من التسوية التي كانت بين أيديهم. وفي النهاية كانت أميركا تسعى جاهدة لأن تكون الدول المشاركة في المجلس منتخبة من قبل الجمعية العمومية بغالبية ثلثي دول الجمعية العمومية.

ولكن هذا الإجراء ما كان ليمنع عضوية كوبا على سبيل المثال. وهذا يشير إلى أن المجلس كان أيضاً سيتكون بنفس الصورة حتى ولو فرضت أميركا رأيها في ذلك الوقت. المهم ان يعترف كل عضو بالمبادئ الأساسية التي قامت عليها الأمم المتحدة. عندما تقول الأغلبية في المجلس أنهم لا يريدون فتح ملف انتهاكات حقوق الإنسان في بعض الدول، فهذا لا يعني فشل مجلس حقوق الإنسان فحسب، وانما يثير بعض التساؤلات عن امكانية إصلاح الأمم المتحدة وعلى أي أساس.

تبرر الدول النامية موقفها برفضها للهيمنة الغربية وللمعايير المزدوجة التي يُطبقها الغرب في قضايا حقوق الإنسان. هل يُعتبر هذا مجرد تكتيك أو علينا أخذه على محمل الجد بصفته أحد هموم العديد من الدول الفقيرة؟

نوكه: أنا شخصياً أميل الى الإستماع بإمعان الى مثل تلك التبريرات إذا كانت لا تعطي الانطباع انها تدور بكل بساطة حول السلطة والمال. وهذا ما يُعقد الموقف في المجلس.

من ناحية علينا نحن في أوروبا وأميركا الشمالية الاعتراف أننا نستهلك أضعاف المصادر الأولية مقارنة بالدول النامية وهذا يعني أننا مذنبون. ومن ناحية أخرى لا نستطيع تبرير انتهاكات حقوق الإنسان بالفقر - كما لا نستطيع تبريرها بمكافحة الإرهاب التي ما برحت تُنتهك بحجتها حقوق الإنسان. هناك مبادئ الأمم المتحدة وهناك حقوق الإنسان العامة التي يتوجب على الجميع الالتزام بها. الأمر يتعلق طبعاً بالسياسة وليس فقط بالمثل العليا. نحن الأوروبيون لا يجب أن ننخدع.

طالب وزير الخارجية الألماني شتاينماير الأوروبيين بالوقوف صفاً واحداً في مجلس حقوق الإنسان. هل وحدة الصف فعلاً ما كنا نفتقده؟

نوكه: يهمنا دائماً كأروبيين أن نعمل يداً واحدة. وهذا أمر جيد برأيي لأننا نحن الاتحاد الوحيد الذي له تأثير على عدة مجموعات إقليمية بمعزل عن الكتلة القوية الأخرى، أي منظمة المؤتمر الإسلامي. ولكن المشكلة ان دولة واحدة فقط تستطيع التحدث بإسم الدول الأوروبية الخمس والعشرين، الدولة التي ترأس الدورة البرلمانية الحالية.

في حين يتم تمثيل منظمة المؤتمر الإسلامي عشر أو خمس عشرة دولة. ولذا يبدو وكأنه كفة توازن القوى في المجلس لا تميل لصالح أوروبا ولكن الواقع يقول شيئاً آخر. لذا يكمن التحدي بالنسبة لنا التحدث بصوت واحد ولكن بلهجات مختلفة واعطاء البراهين نفسها لتقوية وجودنا في المجلس.

هل الصراع الأساسي اليوم بين الدول الإسلامية والدول الغربية، او بالأحرى الدول المسيحية وليس بين الدول النامية والدول المتقدمة؟

نوكه: تفاجأت عندما حضرت أول اجتماع للمجلس بصغر الدور التي تلعبه المجموعات الإقليمية مقارنة بدور منظمة المؤتمر الإسلامي. ولكني لا أعتقد أن يحل صراع الأديان محل صراع الشمال والجنوب الذي كان قائماً.

أعتقد أن الأمر يتعلق بالنفوذ السياسي. بالطبع ناقشنا كثيراً مواضيع مثل السياسة الإسرائيلية والرسومات الكاريكاتورية وتصريحات البابا عن الإسلام - عادة ما تطرحها منظمة المؤتمر الإسلامي وتقررها الأغلبية. هذا يشير الى أن الدوافع الدينية تلعب دوراً ولكني أعتقد ان الدين والفقر طالما يُستخدموا لدوافع سياسية.

قال ممثل السودان في الجمعية العمومية إنه من المضحك ان تلعب أميركا دور المنتقد والكل يعلم بسجن غوانتانامو والسجون الأميركية السرية وتجسسها على مواطنيها. ماذا تقول بهذا الشأن؟

نوكه: هذا صحيح فيما يتعلق بمصداقية الغرب ولكن علينا ألا نغفل عن كمية انتهاكات حقوق الإنسان. عندما يُقتل الآلاف في إفريقيا أو يشنق مئات المساجين في الصين على خلفية قضايا وتحقيقات مشكوك في أمرها، فليس هناك وجه للمقارنة في موضوع ظروف سجن غوانتانامو.

ثمة فهم خاطئ لانتهاكات حقوق الإنسان. لدينا في الغرب منظمات لحقوق الإنسان تنتقد أي انتهاك، كما أن الشارع لدينا له عين ناقدة. أما في الأنظمة الديكتاتورية، فهناك سرية المعلومات والصحفي الذي يكتب رأيه الناقد بصراحة، عليه أن يخاف على حياته.

بالحقيقة نحن فخورون بحرية الرأي لدينا ونعطيها أهمية كبيرة، إذ أن الحد من حرية الرأي والصحافة جزء من انتهاكات حقوق الإنسان.

نلاحظ من خلال القرارات والتوصيات الصادرة عن المجلس التركيز على الحقوق الاجتماعية والسياسية، ما رأيك؟

نوكه: لا أظن أنه في مصلحة مجلس حقوق الإنسان أن يكون بمثابة مؤسسة تنموية أممية أخرى. أساس عملنا هو اتفاقيات حقوق الإنسان ومثلاً معاهدتي الأمم المتحدة المتعلقتين بالحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ولكن من غير المقبول أن تقف حكومات لا تلتزم بثوابت دولة القانون وراء المطالبة بحقوق جماعية واجتماعية. برأيي إن التركيز على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية سوف يزعزع الفكرة الأساسية لحقوق الإنسان - الحماية من التعسف الحكومي - على المدى البعيد.

ما الذي يجب أن يحدث لجعل المجلس أكثر فعالية؟ وهل هذا أصلاً ممكن في الوضع الحالي؟

نوكه: ما زلنا نحاول المحافظة على الكثير من المقاعد القدامى في اللجنة واستكمالها بمقاعد جديدة لإيجاد وسيلة مناسبة لحماية حقوق الإنسان. نحن نحاول جاهدين لإدراج نظام التقارير الدورية للدول من أجل ان تكون جميع الدول سواسية وتخضع للتفتيش بانتظام.

اذا كان كل تقرير سيتعلق برغبة الأغلبية في المجلس فلن تكون التقارير أداة فاعلة. إنه ليس لصالح الدول الغربية ان تتساهل في الخلافات الحادة حول أسلوب المراقبة المناسب. نحن لسنا ملزمون باتخاذ قرارات من شأنها الضرر بحقوق الإنسان واسناد معارضيها.

في حال لم يتم التوصل الى اتفاق حول طريقة مراقبة فعالة، هل يعني ذلك فشل مجلس حقوق الإنسان؟

نوكه: ما زال الوقت مبكراً للتكهن بما سيحصل. من جهة علينا نحن الأوروبيين بناء علاقات مع تلك الدول الإفريقية والأميركية اللاتينية التي تلعب دوراً بناء. ومن جهة أخرى علينا ان نقول بكل وضوح ما الذي نستطيع تحمله وما الذي لا نستطيع. أعتقد اننا لم نقل بوضوح كاف ما هي حدود تحملنا وللصبر حدود.

أجرى المقابلة: تيلمان اليزن
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبع قنطرة 2007
صدر الحوار في مجلة "التنمية والتعاون" الألمانية.

غونتر نوكه هو مفوض الحكومة الاتحادية الألمانية لسياسة حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية في وزارة الخارجية وممثل ألمانيا في المجلس الأممي لحقوق الإنسان.

قنطرة

هبة رؤوف عزت - عمران قريشي:
الشريعة وحقوق الإنسان، هل من إمكانية للتعايش؟
هل تجسد الشريعة الظلم ونفي الحريات الإنسانية، أم أنها تحمي حقوق الإنسان من الاستبداد الشمولي والرأسمالية المتطرفة؟ هذا هو موضوع السجال التالي بين الباحثة في العلوم السياسية هبة رؤوف عزت وخبير حقوق الإنسان عمران قريشي