''القوى المدنية المصرية بحاجة إلى تغيير خطابها لمواجهة القوى الإسلامية''

يعتبر الباحث المصري المعروف نبيل عبد الفتاح الائتلافات، التي شكلتها قوى مدنية مصرية لمواجهة الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية المقبلة ضعيفة، محذراً من "خطر داهم للإخوان المسلمين على الدولة المدنية". ياسر أبو معيلق حاور مدير مركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية حول خلفيات الحراك الحزبي الاخير في مصر.



أعلن ليبراليون وحزب يساري وحزب صوفي تشكيل كتلة سياسية باسم "الكتلة المصرية" لمجابهة القوى الإسلامية في الانتخابات التشريعية المقبلة. ما طبيعة هذه الكتل السياسية الجديدة؟

نبيل عبد الفتاح: بداية لدي ملاحظات حول المصطلحات المستخدمة، كن مع ذلك أرى أن هذه القوى على اختلافها ضعيفة من الناحية التكوينية والبرامجية. ومن ناحية أخرى – وهذا هو الأخطر – فهي تفتقد إلى بصيرة سياسية في التعامل مع قضايا وإشكاليات المرحلة الانتقالية وما بعدها، التي تبدأ بالانتخابات البرلمانية وتنتهي بانتخاب رئيس الجمهورية، وفي الوسط انتخاب لجنة تأسيسية لإعداد الدستور الجديد للبلاد.

ما قوة هذه التحالفات في مواجهة الحركات الإسلامية؟

إنها مجموعات هامشية صغيرة تستند وتتكئ بعضها على بعض من أجل الإيحاء بأن هناك قوى جديدة تقف في مواجهة الخصم السياسي البارز والخطير في حقيقة الأمر، أقصد جماعة الإخوان المسلمين والقوى السلفية. وبجانب هذين التحالفين الكبيرين هناك التحالف الذي تقوده جماعة الإخوان المسلمين وحزب الوفد، وهو حزب ضعيف جداً وربما يكون موئلاً لبقايا الحزب الوطني السابق ولبعض رجال الأعمال الذين يريدون حماية مصالحهم الاقتصادية بوجودهم في البرلمان القادم.

ما فرص القوى المدنية لتشكيل ثقل سياسي مقابل القوى الإسلامية المتجذرة في الساحة المصرية؟

في المرحلة الانتقالية أتصور أن القوى الإسلامية، بما لها من تمويل ضخم وبما لديها من الإمكانات المالية والتنظيمية، ستبقى الطرف الأقوى. وبالتالي فإن ما يمكن أن نطلق عليه اسم القوى الديمقراطية بشكل عام، على اختلاف أطيافها السياسية والأيدلوجية ستكون أقل قدرة من جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها من القوى الإسلامية، التي تريد تغيير طبيعة النظام السياسي والدستوري في مصر والإصرار المتعمد على تغيير طبيعة الدولة الحديثة وتراثها.

 

هل ستتمكن القوى الليبرالية من تشكيل ثقل مضاد للحركات الإسلامية السياسية؟
هل ستتمكن القوى الليبرالية من تشكيل ثقل مضاد للحركات الإسلامية السياسية؟

​​

أشرتم إلى التحالف المكون من الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية. هناك تخوف لدى البعض من أن يعطي فوز الإسلاميين في الانتخابات فرصة للهيمنة على الهيئة التأسيسية الواضعة لدستور البلاد الجديد. هل هناك من مبرر لهذه التخوفات؟

أعتقد أن أمام القوى المدنية في هذه المرحلة مشاكل كبيرة تتصل ببناء تحالفاتها وبكسر التحالف المضاد المكون من الإخوان والقوى السلفية والجماعات الإسلامية الراديكالية. أتصور أن هذه القوى تحتاج إلى تغيير خطابها، لكن الوقت ضيق جداً بالنسبة لهذا الاتجاه. أعتقد أن هناك فقداناً للثقة بين هذه القوى والإخوان،خصوصا في ظل الاتهامات الموجهة للإخوان بأنهم أكبر المنتصرين في المرحلة الانتقالية من خلال توافقاتهم مع السلطة الفعلية في البلاد. وبقطع النظر عن صحة ذلك الخوف، الذي ظهر من ازدواجية خطاب الإخوان وممارساتهم، وعدم صدقهم في تحالفاتهم وتوافقاتهم مع الآخرين، أتصور أن كل ذلك جعل قطاعات مصرية ترى في وصولهم إلى السلطة أمرا خطيرا.

هل تتوقع إذاً أن يهدد دستور يضعه الإخوان وحلفاؤهم مبادئ الدولة المدنية التي طالب بها من شاركوا في ثورة 25 يناير؟
نعم، سيهدد مثل هذا الدستور الدولة المدنية التي يشككون فيها. ومحاولة أن تكون كل قواعد اللعبة في أيديهم، عن طريق القول إن هناك مرجعية إسلامية لهذه الدولة المدنية، أعتقد أن ذلك فيه تناقض، فكيف تكون هذه مرجعية دولة يفترض أن تكون مبنية على المبادئ الدستورية الديمقراطية المعاصرة ومواثيق حقوق الإنسان على اختلافها؟ أتصور أن هذا النهج الذي تسلكه هذه الجماعة وحلفاؤها، يشكل خطراً على تقاليد الدولة الحديثة في مصر بكل تأكيد.

لنعرج قليلاً على الانتخابات الرئاسية وفرص المرشحين فيها. من هو المرشح الذي ترى بأنه قادر على قيادة مصر في المرحل

الحالية في منصب رئاسة الجمهورية؟

حتى هذه اللحظة يوجد لكل طرف بعض المزايا وعليه بعض العيوب. فعلى سبيل المثال أحد أبرز مزايا عبد المنعم أبو الفتوح أنه رجل عاقل ورصين ومعتدل كإسلامي. كذلك خروجه على جماعة الإخوان المسلمين، التي أرادت إزاحة كل العناصر العقلانية والمعتدلة التي تمثل الإسلام المعتدل، الذي لا يوجد تضاد بينه وبين الحداثة. لكن خلفيته الدينية في نفس الوقت لا تزال تشكل فجوة، ولا أعني بالخلفية الدينية هنا الانتماء الديني أو العقائدي، وإنما مسألة انتمائه السياسي التاريخي لجماعة الإخوان المسلمين، التي تشكل بالنسبة له فجوة مع بعض القطاعات المهمة في المجتمع المصري، مثل الأقباط على اختلاف انتماءاتهم المذهبية.


محمد البرادعي وعمرو موسى
يرى نبيل عبد الفتاح أن لكل مرشح لمنصب رئيس الجمهورية مزاياه وعيوبه

​​بالنسبة لعمرو موسى، فقد تكون لديه خبرات في الدولة وبعض من القبول في أوساط مختلفة نتيجة مواقفه تجاه إسرائيل، وربما لأنه جزء من هذه المنظومة، ربما يكون له بعض من الحظ في العلاقة مع بعض القوى، ومنها السلطة الفعلية في البلاد. لكن أتصور أن الحديث عن كاريزما عمرو موسى ليس هاماً، فقد انتهى زمن الكاريزما ومصر لا تحتاج إليها، بل إلى إدارة رشيدة وعقلانية منفتحة على العالم وعلى متغيراته وعلى التغيرات الحقيقية في المجتمع المصري.
أما محمد البرادعي فلديه خبرة دولية كبيرة متصلة بعمله في إطار المنظمات الدولية إضافة إلى حصوله على جائزة نوبل للسلام. لكن في نفس الوقت هناك شكوى من بطء تصرفاته وأن ردود أفعال تتسم بانعدام الحساسية السياسية وعدم القدرة على إقناع قطاعات اجتماعية واسعة. إذاً لدى كل مزاياه وعيوبه، وربما حتى اللحظة لم يظهر المرشح الرئاسي الأوفر حظاً، مع أني أرى أن البرادعي لا بأس به.

 


أجرى الحوار: ياسر أبو معيلق

حقوق النشر: دويتشه فيله 2011


نبيل عبد الفتاح مدير مركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية، ومستشار مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية في القاهرة، وهو متخصص في شؤون الجماعات الإسلامية.