"الإعلام الغربي يختزل العالم العربي طبقا لمخاوفه"

شهدت برلين اسبوعا ثقافيا تحت عنوان "أخبار الشرق الأوسط" تخلله محاضرات وأفلام وعروض موسيقية ومسرحية. التقى يوسف حجازي بعمر أميرالاي الذي شارك بثلاثة من أفلامه التي تتناول قضايا سوريا والمنطقة العربية على مدى أربعة عقود من الزمن.

من المبكر الحديث عن ثقافة الفيلم الوثائقي
"أردت أن أقول إذا كنت أسمح لنفسي بانتقاد البعث من الضرورة أن أبدأ بنقد ذاتي وأن أصرح في مكان ما بأنني كنت متواطئا مع هذا الفكر في موضوع تحديث سوريا."

​​شهدت برلين اسبوعا ثقافيا تحت عنوان "أخبار الشرق الأوسط" تخلله محاضرات وأفلام وعروض موسيقية ومسرحية. "القنطرة" إلتقت عمر أميرالاي، المخرج السينمائي السوري الذي شارك في هذا الأسبوع بثلاثة من أفلامه التي تتناول قضايا سوريا والمنطقة العربية على مدى أربعة عقود من الزمن.

كيف تعرف نفسك؟ من هو عمر أميرالاي؟

عمر أميرالاي: عمر أميرالاي شخص بائس قُدر له أن يولد في لحظة غير مناسبة. أنا سليل عائلة عثمانية وبالتالي فنحن من التركة العثمانية التي بقيت في المنطقة. ولدت سنة 1944 قبيل نهاية الحرب وقبل سنتين من استقلال سوريا. كان عمري أربع سنوات عندما حدثت نكبة فلسطين وست سنوات عندما حصل أول انقلاب في العالم العربي. وكما ترى فالبدايات كانت واعدة، إذ كنا ندخل في طريق المصائب والحياة الوعرة.

طبعًا لم يكن في ذهني أنني سأدخل إلى محراب السينما لكن منذ زمن مبكر تماما كانت لي علاقة بالفن عن طريق أخي الرسام تشكيلي. كنت أعيش في بيئة لها علاقة بالفن وبالموسيقى وبالتالي لها علاقة مع جيل أخي وهو أول جيل واع، كان يحلم بتأسيس مجتمع عصري منفتح على ثقافة الغرب وعلى فنونه بعد الاستقلال. كان يؤسس لمجتمع مدني في سوريا من مدخله الثقافي، هكذا كانت البداية.

يبدو أنك ربطت بداياتك بالسياسة.

أميرالاي: طبعًا هذا قدرنا هكذا ننتقل من عتبة إلى أُخرى. محطات تشكل مفاصل لحياة الإنسان.

استهلت كاترين دافيد المشرفة على هذا النشاط كلمة الافتتاح بقولها إن الشرق الأوسط هو موضوع الإعلام بامتياز، لكن فعاليات هذا النشاط جاءت لتسلط الضوء على جانب متغافل عنه في المنطقة. هل توافقها الرأي وما هي الرسالة التي تحملها معك؟

أميرالاي: لا شك أنه لديها حق في مكانٍِ ما، لا سيما عندما تقول أن السياسة تختصر العالم العربي أو هذا الجزء من العالم، ويأتي الإعلام ليختصر السياسة بدوره. كما ترى يتقلص فهم هذا العالم العربي، بشموليته وتعقده وتنوع مناحيه.

لكن كيف وأين يقع الاختزال بالتحديد؟

أميرالاي: الإعلام الأوروبي يختصر بما يتوافق مع أسباب مخاوفه. لذلك يبتسرالأشياء كما تلاحظ حتى بالنسبة لبرنامج هذه الفعالية. إحدى المحاضرتين الأساسيتين تركزت حول رسم شخصية الزرقاوي، بورترية للزرقاوي. أعتقد أنه بمنتهى الغبن أن يُختصَر العالم العربي بشخص واحد مثل الزرقاوي.

حتى الأشخاص الذين هم من المفترض أن يكونوا خارج نطاق الإعلام الغربي، ويعتبرون أنفسهم اختصاصيين بهذه المنطقة، والمداخل لتعريف المجتمع الأوروبي بما يحدث في بلادنا يخطئون عندما يشددون ويؤكدون ويبرزون ظواهر مثل بن لادن أو الزرقاوي. هؤلاء أيضا يضيقون المسرب أي الممر ويلعبون من حيث يدرون أو لا يدرون لعبة الإعلام.

كيف؟ من هم القادرون برأيك على تقديم الصورة الأفضل ؟

أميرالاي: البارحة كان هناك نقاش –اضطررت فيه الى "أن أبق البحصة" كما يقال باللهجة الشامية- قلت كفانا هذه الطريقة الأحادية الجانب بمقاربة العالم العربي من خلال اختصاصيين غربيين. صار من الضروري اليوم أن تقبلوا أولاً بأن هذا العالم العربي أصبح يمتلك من يستطيع أن يتحدث عنه.

أصبح هناك من تمنهج فكره على الطريقة الغربية وبالتالي صار ممكنا أن يكون عقلانيا وممكنا أن يكون منهجيًا في الحديث عن واقعه الذاتي وعن الواقع بصورة عامة من موقع المعني وليس من موقع المراقب أو المحلل فقط. يجب أن يقبل الغرب بأن العالم العربي أصبح يملك المقدرة لأن يتحدث وأن يعبر عن نفسه بطاقته الذاتية.

فيلمك الأول "سد الفرات" كان تمجيدًا واحتفاءً بالحداثة المتوقعة والتقنية، اللقطات أُخذت من أسفل للرافعات والآلات، في فيلمك الأخير "الطوفان" لقطات البحيرة أيضًا من أسفل تبدو وكأنها ستندلق من الشاشة على المشاهد، وفي الفيلمين يبدو الإنسان صغيرا أمام المشهدين، هل توافقني على أن الإنسان ضاع هنا وهناك؟

أميرالاي: أوافقك الرأي بما يخص الفيلم الأول. الإنسان كان مجرد "برغي" في هذه الرافعات التي تبني هذا السد العرمرمي. أما في "الطوفان" فهناك إنسانان، هناك الإنسان الذي يمثل الضمير السوري، وهو ذاك الشخص الملثم الذي يملأ الشاشة بلقطة قريبة وكبيرة جدًا والذي يتحدث عن تاريخ هذا البلد وكيف انغمر وذهبت الحضارات وهو ينهي الفيلم تقريبا قبل الأذان، بقوله لم يعد هناك نهر الآن، أصبح هناك بحر.

عمر أميرالاي، الصورة: يوسف حجازي
شاركت فيما حصل في الستينات والسبعينات من موقعي. ليس من موقع البعث، فلم أكن بعثيًا. كنت ماركسيًا وما زلت وكنت" أحمل مفهومي للحداثة المتأثر بالفكر السوفييتي أي بالفهم اللينيني للحداثة، أي التحديث."

​​كنا نسبح في ذلك النهر ونتمشى على ضفافه، اليوم أولادنا لا يعرفون السباحة ولا يغطسون فيه ويظنون أن النهر هكذا ولد بحرًا يخافون الغرق فيه. في مكان ما في البداية نرى بلقطة قريبة جدًا وقبل أن ندخل إلى قرية الماشي إذا لاحظت، يصير الإنسان السوري ضائعا، نقطة في بحر، وندخل إلى الضيعة البعثية. الضيعة ليست بعثية في الحقيقة بل كما يراها البعث.

تتحرك في فيلميك بين قطبين، من ناحية الرفع والتبجيل ومن ناحية أخرى النقد وحتى الإدانة. لا بد لمن يشاهد الفيلم أن يدين ممارسات السلطة. لكن هل يحمل "الطوفان" في طياته إدانة لذاتك على فيلمك الأول؟

أميرالاي: شاركت فيما حصل في الستينات والسبعينات من موقعي. ليس من موقع البعث، فلم أكن بعثيًا. كنت ماركسيًا وما زلت وكنت أحمل مفهومي للحداثة المتأثر بالفكر السوفييتي أي بالفهم اللينيني للحداثة، أي التحديث. فيما أخذ البعث لُمامة أفكار الفترة السوفيتية محاولاً تطبيقها لأنه لا يملك لا برنامجا اقتصاديا ولا فكرا إشتراكيا يطبقه على واقعه. لذلك كان ناقلاً سيئا للتجربة السوفيتية. وليس من قبيل الصدفة أن يكون بناة السد هم السوفييت أنفسهم.

في مكان ما كنا نحمل مفهوم التحديث هذا، أي من خلال تثوير وسائل الإنتاج التي من خلال تطويرها وإدخال الآلة للصناعة والزراعة تتغير علاقات الإنتاج وبالتالي يجري تطوير الشرط الإنساني ومن ثم العلاقات الإنسانية. لكن هذا لا يعفي المثقفين من المسؤولية التاريخية ولا يسمح لهم بالتنصل والخروج طاهرين من ماضيهم وكأنهم كانوا دائما على حق ودائمًا ممسكين بخيط الحقيقة.
أردت أن أقول إذا كنت أسمح لنفسي بانتقاد البعث من الضرورة أن أبدأ بنقد ذاتي وأن أصرح في مكان ما بأنني كنت متواطئا مع هذا الفكر في موضوع تحديث سوريا. وبالتالي نحن المثقفين كنا مسؤولين ولو بجزء ولو بنسبة معينة عن خراب بلادنا.

ينتهي "الطوفان" بغضب الطبيعة، بعاصفة ثلجية ورعد مرعب وصوت المئذنة. ثمة تشاؤم إلى حد بعيد، ألم يعد لديك أي بصيص أمل.

أميرالاي: أردت في نهاية الفيلم، أن أشير إلى شمولية البعث. في الواقع من مضارها ومن شرها أنها رتبت سرير شمولية أخرى. شمولية باسم الإسلام. وسيفرض الإسلاميون غدًا على الناس أفكارا وسلوكا أعتقد لن يختلف عن السلوك الذي فرضه النظام الشمولي القومي الذي يدعي العلمانية. نحن أمام توارث شموليات عبر التاريخ. ولا أعتقد أننا وصلنا إلى الفصل الأخير من هذه الرحلة عبر التاريخ الشمولي في المنطقة.

لنتكلم عن موضوع التغيير والتحولات في سوريا. هل تتجه سوريا نحو مصير مشابه لمصير العراق؟

أميرالاي: أعتقد أن هناك رحمتين أو جهتين ترحمان سوريا، لكن إلى زمن غير معروف مداه، الأولى هي الخوف من أن تتفكك سوريا و تنهار مثل انهيار العراق، ورحمة أخرى هي رحمة أولياء الشام، هناك 300 ولي في الشام (يضحك)، أنا أعتقد أن عظامهم ستتألم إذا ما دخلت دبابة أمريكية. لذلك اجتمع هؤلاء (يضحك) ليمثلوا سوريا وحرصهم على البلد ومصيره أكثر من حرص الـ 218 نائبا.

أعتقد أن هناك شيئًا في تاريخ سوريا، هو هذا الامتداد للمفهوم الأموي في التعاطي مع السياسة يعني أنه لا يمكن ترك السياسة تؤدي إلى خراب البلد، وفي لحظة معينة تتم تسوية، هي شعرة معاوية تمامًا. أعتقد أن تراثنا الأموي هو غير التراث العباسي. بغداد دمرت أكثر من مرة في تاريخها، أما عمر دمشق فقد ظل متاصلا طياة أكثر من 4 ألاف عام.

إذًن تتوقع مساومة ما؟

أميرالاي:نعم.

أجرى الحوار يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

االإسرائيلي عيران ريكليس مخرج فيلم "عروس سوريا"
سيكون يوم عرس منى هو اليوم الأكثر حزناً في حياتها؛ إذ لن يسمح للشابة الدرزية بزيارة أهلها في إسرائيل ثانية، إذا انتقلت للعيش مع زوجها في سورية. ايغال افيدان أجرى هذا الحوار المخرج عيرات ريكليس.

من المبكر الحديث عن ثقافة الفيلم الوثائقي
يكون على خطأ من يربط ثقافة السينما في العالم العربي بالمسلسلات التلفزيونية المصرية أو بأفلام النخبة الثقافية فقط، إذ ازداد في السنوات الأخيرة الاهتمام بالفيلم الوثائقي بشكلٍ ملحوظ.