المثلية الجنسية والقضية الفلسطينية

حاز الفيلم الإسرائيلي "الفقاعة" الذي يتناول قصة حب بين شاب إسرائيلي وشاب فلسطيني على جائزة البانوراما لرابطة السينما الفنية والتجريبية في مهرجان برلين السينمائي. إيغال أفيدان أجرى هذا الحوار مع المخرج أيتان فوكس.

في الفيلم يتعرف الشاب الفلسطيني أشرف وجندي الاحتياط نوعام على بعضهما على أحد حواجز التفتيش. وبعد برهة وجيزة نراهما في مشاهد جريئة وهما يمارسان الجنس مع بعضهما. هذه المشاهد هي الأكثر جرأة من نوعها مما تمّ عرضه من أفلام في إسرائيل حتى اليوم. ما هي الصعوبات التي واجهتكم عند تصوير هذه اللقطات؟

أيتان فوكس: الصعوبات كانت كثيرة، لكن الأمر كان بالنسبة لـيوسف سويد الذي مثل دور أشرف أسهل بكثير من أوهاد كنولِر الذي لعب دور نوعام، بالرغم من أنّ سويد ينحدر من ثقافة عربية محافظة. وبالمناسبة الاثنان ليسا مثليا الجنس. وعلى الرغم من أنّ أوهاد كان قد لعب في فيلميَ "يوسي و جاغِر""Yossi & Jagger" الذي تناول علاقة حب بين جنديين إسرائيليين، إلا أنه فشل هنا مرارًا وتكرارًا، لذا كان علينا أنْ نعيد تصوير هذه المشاهد على مدار ثماني ساعات على سطح أحد المباني وفي أجواءٍ مشحونةٍ للغاية.

بعدها تحدثنا عن الصعوبات التي يواجهها وسهلنا بذلك تصوير مشهد الحب التالي كثيرًا. أوهاد هو الرجل الإسرائيلي القديم من نواحٍ كثيرة. إذ يصر مثلاً على تأديته لفترة خدمة الاحتياط السنوية مباشرة على الجبهة. وهذا غريب بالنسبة لفنان.

النقد الأساس الموجه إلى الفيلم يتركز على المشهد الأخير حيث تحصل عملية انتحارية. كيف يمكن لفلسطيني مسالم وغير مسيّس مثل أشرف أنْ يقدم على قتل نفسه وعلى قتل إسرائيليين لا سيما أمام المطعم الذي كان يعمل فيه سابقًا؟

فوكس: لم أعتقد يومًا بأنّ الذين يقومون بالعمليات الانتحارية مجانين أو إسلاميين متطرفين. غالبيتهم هم مثلي ومثلك في جوانب عديدة. إنهم أناسٌ عاديون جدًا، بعضهم أرباب أُسر، ولهم أولاد، لقد استقصيت الأمر بدقة. لذا فإنّ ما يهمني هو أنْ أعرف إلى أي درجة يمكن حشر إنسان في الزاوية بحيث يصبح العمل الانتحاري بالنسبة له الخيار الوحيد.

يقوم أشرف بتنفيذ العملية قبالة المطعم الذي كان يعمل فيه لكي يحتج على الرفض القاطع الذي واجهه والذي شعر به من كل الأطراف. وبوصفه مثليا عليه أنْ يبرهن في فلسطين على أنه ليس عميلاً ينام مع العدو الإسرائيلي.

من ناحية أخرى، يقوم بذلك في موقع يعرفه جيدًا آملاً أنْ يقوم أحدٌ ما بإيقافه في اللحظة الأخيرة، شخص يحبه. نوعام يحاول ذلك. وعندما يشعر أنه لن يستطيع إيقاف العملية يقرر في لحظة حب أنْ يموت مع أشرف.

كيف تمكنت للمرة الأولى من إقناع الجيش الإسرائيلي بالتعاون معك؟

فوكس: المساعدة التي يقدمها الجيش توفر علينا مبالغ طائلة. في فيلم "يوسي و جاغِر" رفض الجيش التعاون معنا، ليس لأنْ الفيلم يعرض جنودًا مثليين، بل لأننا عرضنا علاقة غير شرعية بين جندي والضابط المسؤول عنه.

جرى توجيه الأسئلة لنا في كل مكان في العالم عرضنا فيه الفيلم عما إذا كان الجيش قد ساعدنا، إلا أنْ إجابتنا كانت دائمًا بالنفي. ربما غدونا أكثر شهرةً بعد فيلم "مشي على الماء" "Walk on Water"، وغدا الناس يرون ويفهمون أننا نتفهم إسرائيل ونبدي حبًا عظيمًا لها على الرغم من النقد الذي نوجهه لإسرائيل.

قلنا للجيش: سنقوم بتصوير الفيلم على أية حال، وإذا لم تساعدونا سنخبر العالم كله بأنكم رفضتم التعاون معنا بسبب المشهد الذي يدور على حاجز التفتيش. بعدها بيومين منحونا الموافقة وأعطونا سيارات مصفحة، وأسلحة، وبدلات عسكرية، وتراخيص إطلاق النار.

لماذا لم تقوموا بالتصوير في المناطق الفلسطينية؟

فوكس: كانت مسألة شركة التأمين شائكة للغاية، ولم نكن نريد أنْ يقوم عددٌ كبيرٌ من الجنود بحماية فريق العمل أثناء التصوير. كما أنّ بعض الممثلين كان لديهم خوف من التصوير هناك. لذلك قمنا بالتصوير في منطقة قلنصوة العربية الواقعة في الجليل.

صحيح أن عنوان فيلمك "الفقاعة"، لكنك لا تعيش في فقاعة مغلقة بل عندك ارتباط بالعرب والفلسطينيين.

فوكس: أعبر في كل أفلامي وفي المسلسل التلفزيوني "فلورنتين" "Florentin" عن مواضيع سياسية. لكنني لا أدعي بأنني أقوم بالمظاهرات يوميًا عند الجدار أو بأنني أكرِّس حياتي للنضال السياسي.

تالي فاخيما تتظاهر على طريقتها (تالي فاخيما ناشطة إسرائيلية يسارية متطرفة عمرها ثلاثون عامًا حُكِمَ عليها بالسجن لمدة ثلاث سنوات بسبب دعمها لفلسطينيين معادين أثناء نضالهم ضد إسرائيل، التوضيح لإيغال أفيدان)، وأنا أقوم بما علي بواسطة الأفلام التي تؤثر على الإسرائيليين واليهود في المهجر، أولئك الذين يرفضون بالمطلق أي نقد للسياسة الإسرائيلية.

ربما ليست تل أبيب فقاعة بل أنّ إسرائيل عبارة عن فقاعة من الهستيريا وتل أبيب هي الواحة في وسطها.

فوكس: هذا صحيح. نعيش أنا وغال منذ عدة شهور في قرية في فرنسا (غال أوخوفسكي هو شريك حياة إيتان وكاتب سيناريو). لم ندرك إلا من خلال هذا البعد مدى التشابه الكبير بين إسرائيل وبين الفقاعة، ومدى تأثير ذلك على النفسية الجمعية للإسرائيليين.

تربينا على الإيمان بأنّ إسرائيل دولةٌ صغيرةٌ محاطةٌ بالأعداء. هذا صحيح من الناحية الفيزيائية والجغرافية والنفسية. إسرائيل فقاعةٌ وتل أبيب فقاعةٌ أخرى في داخلها. تل أبيب أوصدت أبوابها أمام باقي المناطق بغية تحقيق نوع من الحياة العادية بوصفها مدينة عالمية متحررة من كل العقد النفسية الشرق أوسطية في ذلك الجيب اليهوديٍ المحاصر.

نحن في تل أبيب نريد أنْ نكون أناسًا متحضريين مرتبطين بالعالم الخارجي، نذهب إلى المسرح ودور السينما، لدينا معرفة بالثياب الدارجة والموسيقى كما نقدر المطاعم الجيدة. أي نعمل بالشعار القائل: دعونا نترك الصراع على البقاء جانبًا.

أجرى الحوار إيغال أفيدان
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2007