لبنان على كف عفريت يعيش في سوريا أما مصر ففي خوف دائم

يقول قاسم اسطنبولي (على يسار الصورة) إنه ممثل و مخرج مسرحي، من أب لبناني وأم فلسطينية من عرب 48، يركز على مسرح الشارع الذي يمتاز بالجرأة من خلال المواضيع التي تهتم بالقضايا العربية وقد قدم العديد من العروض في أوروبا والدول العربية ويعمل على نقل القضايا الإنسانية العربية إلى الغرب، وهي في الأصل تجارب في المسرح والحياة.
يقول قاسم اسطنبولي (على يسار الصورة) إنه ممثل و مخرج مسرحي، من أب لبناني وأم فلسطينية من عرب 48، يركز على مسرح الشارع الذي يمتاز بالجرأة من خلال المواضيع التي تهتم بالقضايا العربية وقد قدم العديد من العروض في أوروبا والدول العربية ويعمل على نقل القضايا الإنسانية العربية إلى الغرب، وهي في الأصل تجارب في المسرح والحياة.

"زنقة زنقة" و"قوم يا با" مثالان على مسرحيات الممثل والمخرج المسرحي العربي قاسم اسطنبولي. أعماله المسرحية توظف الفضاءات المفتوحة وفن المونودراما في بلدان عربية وغربية لمواكبة أحداث عربية ذات أبعاد إنسانية. ويقول اسطنبولي في حواره التالي مع محمد بن رجب لموقع قنطرة إن "العرب ليسوا إرهابيين بل أبناء حضارة يعشقون السلام ولكن كتب عليهم العيش تحت الدكتاتورية".

الكاتبة ، الكاتب: محمد بن رجب

 

- من يكون قاسم اسطنبولي ؟

قاسم اسطنبولي: أنا ممثل و مخرج مسرحي، من أب لبناني وأم فلسطينية من عرب 48، أركز على مسرح الشارع الذي يمتاز بالجرأة من خلال المواضيع التي تهتم بالقضايا العربية وقد قدمت عديد العروض بأوروبا والدول العربية وأعمل على نقل القضايا الإنسانية إلى الغرب وهي في الأصل تجارب في المسرح والحياة.

- تجربتك كبيرة في المسرح ...؟

قاسم اسطنبولي: التجربة في المسرح لا تقاس بالسنين. فقد بدأت هذا العمل منذ 2007 ومازلت على الدرب حيث عرضت أعمالاً بأمريكا الجنوبية: في تشيلي، وبأوروبا: في إسبانيا وإيطاليا والبرتغال وهولاندا وقد عرضت مسرحية باللغة الإسبانية عرضتها في إسبانيا تحكي عن الجدار العنصري ومسرحية "البيت الأسود" و"زنقة زنقة" ... والعديد من الأعمال المسرحية عرضتها بالساحات والشوارع بلبنان ودول عربية أخرى .. وهي تجربة أعمل على إثرائها ..

- أطلقوا عليك "مخرج القضية" من خلال اهتمامك بالقضية الفلسطينية فأمك فلسطينية من مدينة حيفا وأبوك لبناني من مدينة صور جنوب لبنان .. فهل تستحق فعلا لقب "مخرج القضية"؟

قاسم اسطنبولي: أنا لا أرغب في هذا اللقب لأني لست الوحيد المهتم بالقضية الفسلطينية ولكن أعتبر نفسي من الذين وقفوا زمن الحرب على غزة بشيء من الجرأة من خلال بعض الأعمال المسرحية وهو واجب كل مؤمن بهذه القضية التي ليست حكرا على العرب دون غيرهم بل تجد المساندة من أحرار العالم في كل مكان.

- وهل تعتبر أن القضية الفلسطينية هي النبع الذي ترتوي منه الأعمال المسرحية للمخرج المسرحي قاسم اسطنبولي؟

قاسم اسطنبولي: القضية الفلسطينية هي قضية الإنسان دون أن تكون حكرا على قاسم اسطنبولي، فعندما أحكي عن فلسطين فأنا أتناول قضايا الإنسان المضطهد في كل مكان لأن العالم في حاجة إلى السلام بعيدا عن الحروب وأهوالها، فالمطلوب هو استرداد الحق المسلوب من أجل العيش بسلام مع الجميع بدون استثناء.

فالغاية هو أن يعمّ السلام العالم ونعيش جميعا في أمن وسلام وأخوة. فالعرب ليسوا بإرهابيين بل أبناء حضارة وثقافة وعلم وإبداع وبالتالي لا نحب القتل بل نعشق السلام ولكن يبدو أنه كتب علينا أن نعيش تحت سلطة أنظمة دكتاتورية وهذه هي المعاناة الحقيقية التي نعيشها.

- وما هو الموقع الذي تحتله أعمال قاسم اسطنبولي المسرحية في المسرح العربي و العالمي؟

قاسم اسطنبولي: مسرحيتي "تجربة الجدار"، التي شاركَت في مهرجان عالمي، كانت أول مسرحية  يشارك بها مسرحي عربي لأول مرة بمدريد بإسبانيا، ومثّل لي ذلك حدثا مهما إضافة إلى مشاركتي في مهرجان تشيلي وهولاندا وبعض المشاركات العربية في تونس والجزائر والمغرب .. ولكن برغم تجاربي العديدة فأنا أعمل على تطوير تجربتي التي أسست لجمهور يحبني ويطالب بمسرحياتي وأنا أحاول أن أحدث تغييرا وتأثيرا في قلوب الناس يواكب التغيير الذي يحدث على أرض الواقع.

- يعتمد قاسم اسطنبولي على مسرح الشارع والفضاءات المفتوحة والمواجهة المباشرة مع الجمهور، فما الذي يميز مسرح الشارع عن الأنماط الأخرى للعرض المسرحي؟

قاسم اسطنبولي: الفرجة تختلف بحسب طريقة العرض، ففي المسرح العادي في الفضاءات المغلقة يكون الجمهور مستعدا ذهنيا لعرض مسرحي يعرف بعض الحيثيات سواء بالنسبة للنص أو الممثلين، ويختلف الوضع في الفضاءات المفتوحة أي الشوارع والساحات العامة حيث لا ينتظر الجمهور مشاهدة مسرحية حقيقية. فقد قدمت أمام السفارة الفرنسية ببيروت عرضين مسرحيين لقيا صدى واسعا بفعل الجرأة والرسالة التي أردت إيصالها إلى من يهمه الأمر فالصراع مع الاحتلال اليوم ليس بصراع عسكري فقط بل صراع فكري و ثقافي ..

- مسرحية "قوم يابا" عرضت لأول مرة خلال العدوان على غزة، فما هي الرسالة التي أردت توجيهها؟ ولمن؟

قاسم اسطنبولي: من خلال "قوم يابا" أحاول أن أوجه تاريخ شعب إلى العالم، رسالة سلام إلى الشعب الفسلطيني مهد السلام بما أنها مهد كل الأديان .. لقد أردت فقط إبراز أن الشعب الفلسطيني يريد العيش في سلام وبعيدا عن الحرب .. فأنا أتساءل : لماذا أعيش في حالة حرب؟ ما هو الذنب الذي اقترفته حتى يعيش أبنائي في حالة حرب؟ .. نحن نعيش مسلسلا من إنتاج أمريكي وإخراج إسرائيلي وتمثيل عربي.

- ما هي اللغة التي يستعملها قاسم اسطنبولي على خشبة المسرح وتصل بسرعة إلى الجمهور؟

قاسم اسطنبولي: اللغة تختلف بحسب العرض والمكان والجمهور ففي تونس استعملت اللهجة اللبنانية ووجدت كل التجاوب من الجمهور التونسي كبارا وصغارا وهو ما جعلني أتحقق من أن الرسالة قد وصلت.

- تستعمل في عروضك المسرحية فن المونودراما صورة الحكواتي الذي يسرد حكايات وذكريات وأحداثا حقيقية. فلماذا هذا النوع من الفن الصعب الذي تستعمله على خشبة المسرح؟

قاسم اسطنبولي: يعتبر المتلقي جزءا من العرض فهو ينتج ويمثل ويشارك فالمونودراما فن مستقل بحد ذاته. والحكواتي من عالمنا العربي ومن المسرح القديم. إنه الحكواتي الذي كان يقدم في المقاهي، قبل التلفزيون والإعلام، ويحكي حكايات عنتر وعبلة وألف ليلة وليلة والفروسية والشهامة والبطولات وغيرها من الحكايات التي كان لها جمهورها، الذي يطالب بها ويستمع إليها ونحن اليوم في حاجة إلى الذاكرة الفلسطينية لنقلها من جيل إلى جيل حتى لا ننسى يوما تاريخنا وبطولاتنا وحكاياتنا ..

- الروائي الفسلطيني سلمان الناطور مزج في رواية "الذاكرة" بين أسلوب السخرية والفكاهة للخروج من الرتابة من خلال عملية سرد المعاناة في حياة الفلسطيني .. 

قاسم اسطنبولي: عرض "قوم يابا" لا أعتبره من"الكوميديا السوداء" ولا يركز على أسلوب السخرية ولا هو بالسرد بل إن الجمهور يشارك في العرض وبالتالي فنحن نصنع الأمل والفرحة في القلوب ولا نبكي من خلال أسلوب المعاناة للتأثير على الجمهور فالمسرح لم يعد كما كان بل تغير إيجابيا.

- أسئلة عديدة طرحتها مسرحية "قوم يابا" ، فهل وجدت هذه الأسئلة إجابات من خلال عديد العروض في أوروبا والدول العربية؟

قاسم اسطنبولي: طبعا، في أوروبا و غيرها من الأماكن التي عرضت فيها المسرحية كانت هناك حلقات نقاش بعد العرض ومن خلالها كانت هناك أسئلة أخرى أحيانا غير التي تطرحها المسرحية وتجد إجابات مفترضة من هنا وهناك، ولكن الزمن كفيل بالإجابة عن كل الأسئلة التي تطرح، فالمسرح يترك أسئلة ورسائل وعلامات استفهام حتى يعيش في قلوب الجماهير.

- وهل حقق قاسم اسطنبولي الهدف الذي يطمح إليه من خلال مسرحياته في مهرجانات عربية وعالمية؟

قاسم اسطنبولي: لم أحقق الشيء الكثير ولكن ما أحققه فعلا هو الاستمرارية والتنوع والبحث من أجل الخلق والإبداع والجديد من خلال التجارب التي أعيشها في مسرحياتي، لأني إذا حققت هدفي فلن يبقى لحياتي معنى على مستوى الخلق المسرحي. وقد تلقيت أخيرا دعوة لتمثيل لبنان للمرة الثانية في المهرجان الدولي للمسرح في تشيلي خلال الفترة من 09 إلى 14 يناير/ كانون الثاني 2014، عبر مسرحية رسائل الحرب والسلم عن مسرحية "العائلة توت" وهي من تأليف أسطيفان أوركيني.

تكريم قاسم اسطنبولي في مدينة دوز جنوب تونس. © Mohamed Rajeb
تكريم قاسم اسطنبولي في مدينة دوز جنوب تونس: "قدم اسطنبولي مسرحيته "قوم يا با" خلال العدوان على غزة في 2008 ليكسّر الفضاء التقليدي المغلق ويعرضها في الشارع وأمام سفارتي مصر وأمريكا ببيروت ولقيت صدى واسعا لتعرض بعد ذلك في عديد البلدان العربية والأوروبية وهو يركز في عروضه على الفضاءات المفتوحة وفن المونودراما".

- وما هي الصعوبات التي يلاقيها الفنان اسطنبولي خلال مسيرته المسرحية؟

قاسم اسطنبولي: لقد بدأت أعمالي في الشارع ومازلت مواصلا على ذلك النهج فلم آتِ إلى المسرح من التلفزيون ولم تحتضني دولة معينة ولم أجد الدعم من وزارة الثقافة، ورغم ذلك فأنا أسعى في ظل الظروف والواقع المعيش بما فيه من صعوبات، وأقوم بشيء مختلف وأنحت مسيرتي ومستقبلي بنفسي، بأبسط الإمكانيات حتى أستمر وأحقق هدفي، وفي الواقع هذا شأن المسرحيين في كل الوطن العربي. 

- مسرحية لم تقتصر على الجانب السياسي حيث دعمت المرأة وطالبت بحقوقها المدنية والاقتصادية والاجتماعية ..

قاسم اسطنبولي: وهو كذلك، فمن خلال بعض أعمالي تحدثت عن معاناة المرأة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من أجل الحدّ من تهميشها داخل المجتمع، إضافة إلى تناول معاناة المرأة الفلسطينية أو العراقية وأية امرأة تعيش تحت الاحتلال .. وللأسف فإن أنظمتنا ومجتمعاتنا تعمل على إضعاف دور المرأة التي تصنع الحياة، فعندما تتغير النظرة إلى المرأة يتغير المجتمع.

- لك تجارب في التلفزيون، فكيف تقيمها؟

قاسم اسطنبولي: شاركت في مسلسل تلفزيوني لم ينل حظه وشاركت في مسلسل لبناني "الغالبون" ويتحدث عن الصراع العربي الإسرائيلي خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان في بداية الثمانينات وكان اختياري عن طريق الصدفة، وهي تجربة قيمة جدا مثلت البدايات إلى جانب بعض المشاركات في عدد من الأفلام الطويلة و القصيرة. وحاليا لي مشروع فيلم أتمنى أن أتمكن في يوم من الأيام من إنجازه وهو يتطلب أموالا كثيرة.

- وأين الثورات العربية في مسرحيات اسطنبولي؟ 

قاسم اسطنبولي: لقد قدمت "لوحة الغضب" منذ انطلاق الثورة المصرية أمام السفارة المصرية في بيروت يوم جمعة الرحيل، ثم كان سقوط النظام إلى جانب مسرحية "زنقة زنقة" والتي عرضتها أمام مقر الأمم المتحدة في ثالث أيام الثورات العربية وهي تمثل أول عمل عربي في هذا الاتجاه وكانت التغطية الإعلامية في كل أنحاء العالم كبيرة جدا.

- كيف تقيّم تجربة حكم الإسلاميين في دول الثورات العربية؟

قاسم اسطنبولي: هذا موضوع حساس فبعد ما حصل في مصر بعد قمع الحريات وهو ما لم يحصل أيام مبارك وتبدو تونس صفراء وهي في الأصل خضراء، فالرئيس بن علي رحل وليته ما رحل حيث خرج علينا ألف من أمثاله. وفي الواقع كل ثورة في حاجة إلى وقت حتى تبدو لنا فعليا. فما يحدث لا يمتّ إلى الإسلام بصلة وما يحدث في سوريا وبغض النظر عن رغبتنا في بقاء النظام أو رحيله لا بد أن نتساءل هل سيكون البديل أفضل وفي الواقع لا خير في هذا وذاك ..

-  وكيف يبدو لك الوضع العربي الراهن؟

قاسم اسطنبولي: الوضع في لبنان على كف عفريت وفي سوريا نجد العفريت هو نفسه وفي مصر هناك خوف دائم والعراق مشرذم وتونس .. والعالم العربي في أصعب الظروف التي يمر بها كأنما نحن في مرحلة فاصلة بين زمنين والشباب العربي يعيش الإحباط وبالتالي فإن العالم العربي كله يعيش حالة من الإحباط والفوضى والدعم، ولن يستفيد من الدم غير عدوك.. فالبوصلة العربية هي فلسطين وبالتالي فالشعب العربي يحتاج إلى أنظمة عربية تفهم معنى الديمقراطية وتفهم الشعوب معنى الحرية .

- في لبنان، أنتم الأقرب إلى سوريا والأكثر معرفة بحقيقة ما يجري، فكيف يبدو لك الوضع هناك؟

قاسم اسطنبولي: الخوف في سوريا هو تفاقم الحرب الأهلية فالوضع هناك هو عبارة عن رقعة شطرنج يتشارك فيها أكثر من لاعب، والخوف لم يعد يقتصر على سوريا بل يتعداها إلى لبنان والعراق .. والوضع صعب جدا .. وأنا أساند الشعب السوري الذي سينتصر في النهاية في هذه المعركة لأني أساند الإنسان من هذا الطرف ومن ذاك، فأنا اليوم أتألم لما يحدث في سوريا بمساجدها و كنائسها وبالتعددية التي تجمع أهلها والزائرين من العرب وغيرهم .. للأسف ضاعت سوريا بعد أن اختلطت الأوراق وتم تغليب لغة النار والبندقية وأصبح لون الدم عاديا والأطفال والأبرياء مشردين .. فأنا أتمنى السلام لسوريا و أهلها لأن المعاناة يتقاسمها الجميع بلا استثناء.

- كيف تقيّم التجربة المسرحية التونسية من خلال مشاركتك لأول مرة في مهرجان للمسرح في تونس؟

قاسم اسطنبولي: المسرح متطور جدا في تونس وبقية دول المغرب العربي والتجربة التونسية رائدة على مستوى المسرح العربي من خلال الرواد والمناهج المسرحية المتنوعة، وهو يتحدى اليوم بمزيد من الأعمال المسرحية القيمة في ظل ما يحدث لأن الصورة تبدو ضبابية أمام المبدعين المسرحيين التونسيين. 

 

                                                                                  

حاوره: محمد بن رجب - تونس

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2014