سوريا…من ثورة شعبية إلى حرب إقليمية بالوكالة

بعد إحراز قوات الرئيس بشار الأسد بعض الانتصارات العسكرية على الأرض في شهر مايو/ أيار 2013 ولقاء مراسل صحيفة الإندبندنت البريطانية لشؤون الشرق الأوسط، روبرت فيسك، بعض هؤلاء الجنود وزيارته الخطوط الأمامية للمعارك، أجرى معه ميشائيل هارتليب الحوار التالي.

الكاتبة ، الكاتب: Michael Hartlep

سيد فيسك، لقد عدت لتوك من سوريا. ما هي انطباعاتك عن هذا البلد؟

روبرت فيسك: ما ستجده هناك هي مناطق واسعة تم تدميرها ومناطق واسعة مهجورة إلى حد كبير ومناطق واسعة لم تنجُ من التدمير وحسب، بل وتستمر الحياة فيها بشكل ما أو بآخر.

هذا لا ينطبق فقط على وسط دمشق، بل وإلى حد كبير على مدينة اللاذقية، التي يقطنها عدد كبير من العلويين، وعلى مدينة طرطوس أيضاً.

إذاً، ستجد بعض المناطق في سوريا التي لا تزال الحكومة تفرض سيطرتها عليها بشكل قوي ويستمر فيها ما يمكن أن نسميه حياة طبيعية، إذ يمكنك تناول طعام الغداء في الخارج والتسوق والذهاب إلى مكان عملك.

ما هو مدى حرية السفر بالنسبة لك كصحافي غربي داخل سوريا؟

فيسك: لقد ذهبت بالسيارة من بيروت إلى دمشق. خلال النهار، هناك نقاط تفتيش للجيش السوري والطريق خالٍ إلى حد كبير. لكن عندما تصل إلى دمشق، يمكنك سماع دوي القصف في ضاحية داريا، التي تبعد أقل من ميل واحد عن الطريق السريع الرئيسي الذي يربط بين بيروت ودمشق.

عندما دخلتُ دمشق، كانت هناك طائرة تلقي بقنبلة في نفس اللحظة على ضاحية داريا التي يسيطر عليها الثوار. بعدها بفترة ركبت الطائرة إلى مدينة اللاذقية الساحلية، ومنها بالسيارة شمالاً حتى خطوط الجبهة الأمامية للقوات الحكومية السورية. لقد سمح الجيش النظامي لي بدخول خطوط معاركهم الأمامية.

بنايات مُدمّرة في حلب. د ب أ
دمار وفوضى ومعاناة إنسانية: تقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 70 ألف شخص قضوا حتى الآن جراء الصراع في سوريا. كما أن نحو سبعة ملايين شخص في حاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية، فيما فرّ أكثر من 1.3 مليون لاجئ من العنف إلى الدول المجاورة وشمال أفريقيا وأوروبا.

​​ما هي انطباعاتك عن الجنود السوريين النظاميين؟

فيسك: لقد وجدتهم رجالاً قساة للغاية وفيهم صلابة، وهو جيش ذو عزيمة. من الواضح أنهم لا يأخذون أي أسرى، وقد تحدثوا في إحدى المرات عن قتل نحو 700 إرهابي، كما يسمون الثوار.

أحد الجنرالات عرض لي مقطع فيديو على هاتفه المحمول لثوار مقتولين بلحى، ويظهر في الفيديو مرتين حذاء عسكري يسحق وجوه الرجال القتلى.

العديد من الجنود الذين تحدثت معهم أصيبوا بجروح. ولذلك، فهم رجال قساة وفيهم صلابة يقفون مع الحكومة، ونحن نعرف أن ذلك ينطبق على الثوار أيضاً.

والطرفان، كما نعرف جيداً، ارتكبا انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب. في الوقت الراهن من الواضح أن القوات الحكومية في سوريا - وهذا لا يعني بالضرورة أن ذلك سيدوم - تسترد مناطق كانت تحت سيطرة الثوار.

هناك نقاشات مستمرة حول ما إذا كانت أسلحة كيمياوية قد استُخدمت في سوريا.

فيسك: نحن نعلم بأن الأسلحة الكيمياوية موجودة في سوريا في يد الحكومة، إلا أنه لا يوجد دليل قاطع على أنها استُخدمت.

الثوار يقولون بأنها استُخدمت ضد المدنيين من قبل قوات الأسد، بينما تقول حكومة الأسد إن الثوار استخدموها. وهناك تقرير للأمم المتحدة يقول بأن الثوار استخدموا تلك الأسلحة وأنه لا يوجد دليل على استخدام الأسد لها.

لقد سألتُ أحد الضباط العسكريين رفيعي المستوى في دمشق حول ذلك، وقد رد بالقول: "لماذا نستخدم أسلحة كيمياوية؟ لدينا طائرات ميغ 29 تقوم بإسقاط قنابل تسبب ضرراً أكبر بكثير".

هناك حديث في واشنطن حول تسليح الثوار وفرض منطقة حظر للطيران. ما هو رأيك بهذه الأفكار؟

فيسك: هذا الحديث مستمر منذ عامين ونصف. أعتقد أن الأمريكيين يظنون بأنهم إذا واصلوا الحديث، فلن يشير أحد إلى أنهم لم يقوموا بعمل أي شيء. المشكلة الآن بالنسبة للغرب هي أن الثوار الذين يريدون دعمهم هم في الجيش السوري الحر، والذي يتكون في أغلبه من منشقين عن الجيش النظامي السوري.

لكنهم لا يريدون دعم الثوار الإسلامويين الذين تربطهم صلات بتنظيم القاعدة. إلا أنه بمجرد عبور الأسلحة الحدود (السورية)، لا أعتقد بأن تلك الأسلحة ستختار إلى من ستذهب.

إذاً، لدينا موقف غير مألوف، إذ نقوم في الغرب بإرسال المال والدعم والأسلحة إلى الثوار، الذين يشكل مقاتلو القاعدة جزءاً منهم، إلا أننا نحاول في مالي قتل كل أعضاء القاعدة هناك.

أحد الثوار المسلحين في حلب في أغسطس/ آب 2012 . رويترز
يقول روبرت فيسك إن "الطرفين ارتكبا انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب". في الصورة: أحد مقاتلي الجيش السوري الحر يحتمي أثناء اشتباكات مع الجيش النظامي في حي صلاح الدين وسط مدينة حلب.

​​ما هو الدور الذي تلعبه إيران في هذا الصراع؟

فيسك: الحرب لا تتمحور حول سوريا، بل حول إيران، والغرب ينوي أن يدمر الحليف العربي الوحيد لها في المنطقة. أما بالنسبة للإيرانيين، فالأمر يتعلق بالحفاظ على حليفهم العربي الوحيد.

نحن نعلم أن الحكومة الإيرانية قدمت دعماً، إلا أنها قوات رمزية للغاية مقارنة بالدعاية التي تتحدث عن آلاف مؤلفة من الإيرانيين الذين يتدفقون (على سوريا). لم أر أي جندي إيراني على أي خط للجبهة.

تشير تقارير إعلامية إلى أن روسيا تنوي تزويد الحكومة السورية بالأسلحة.

فيسك: منذ الغارة الإسرائيلية على منشآت عسكرية شمال دمشق مؤخراً، يشعر السوريون بقلق كبير من أنهم قد يتعرضون مجدداً لهجمات إسرائيلية. ولهذا، فإنهم يريدون أن يكونوا قادرين على وضع حد لذلك، وأنا أعتقد أن روسيا مهتمة بتزويدهم بالأسلحة التي ستمكّنهم من القيام بذلك.

هل هناك خطر من أن يمتد الصراع إلى إسرائيل؟

فيسك: إسرائيل هي أكبر حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وإذا قامت بقصف القوات الحكومية (السورية)، فإنها بذلك تدعم الثوار. هذا يعني، بشكل ما، أننا في الغرب متورطون في سوريا عسكرياً، عن طريق السماح لإسرائيل بقصف سوريا بالوكالة.

لكن في الوقت الحالي، أرى الكثير من الأسباب أمام الإسرائيليين كي لا يتدخلوا في سوريا، لأن الجيش السوري تمكن من كسر قيود الاحتلال في العامين الماضيين واكتسب خبرة في القتال. لذلك، إذا أراد الإسرائيليون التورط على الأرض في سوريا، سيجدون أنهم يقاتلون قوات ذات عزيمة قوية.

هل سيستفيد المجتمع الدولي إذا قام بالتدخل في سوريا؟

فيسك: عسكرياً، لا. سياسياً، بالطبع. أعتقد أن المحادثات الأخيرة بين كيري وبوتين، التي انتهت بمؤتمر صحافي مشترك لهما، هي أفضل شيء سمعناه سياسياً حتى الآن.

من المثير للاهتمام أن الأمريكيين، والفرنسيين على الأخص، لا يريدون عناصر نظام الأسد في الحكومة الانتقالية. لكنهم بذلك لا يريدون في الوقت نفسه جناحاً كبيراً للغاية من الثوار، وهي جبهة النصرة الإسلاموية، في الحكومة الانتقالية أيضاً.

إذاً، فنحن نقول الآن: "فلنعقد مؤتمراً كبيراً ولكن هؤلاء الأشخاص لا يُسمح لهم بالحضور". أعتقد أن الحرب لم تنتهِ بعد، وأنها قد تستمر لعامين أو لثلاثة أعوام.

 

حاوره: ميشائيل هارتليب
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: دويتشه فيله/ قنطرة 2013

روبرت فيسك، البالغ من العمر 66 عاماً، كاتب ومراسل لصحيفة الإندبندنت البريطانية لشؤون الشرق الأوسط. لأكثر من 30 عاماً، غطى فيسك العديد من مناطق الأزمات حول العالم، من بينها إيرلندا الشمالية والبرتغال إبان "ثورة القرنفل" وأفغانستان. ومنذ سنة 1976، يكتب فيسك عن قضايا الشرق الأوسط من منزله في بيروت. يتحدث فيسك العربية وهو أحد الصحافيين القلائل الذين أجروا مقابلة مع أسامة بن لادن.