''رابطة الكتاب السوريين أول وليد ديمقراطي للثورة''

هكذا وصف الشاعر السوري نوري الجراح "رابطة الكتاب السوريين" التي تأسست حديثا ردا على "اتحاد الكتاب العرب"، المنظمة الرسمية لكتاب سوريا. حول الرابطة وأهدافها أجرت ريم نجمي الحوار التالي مع نوري الجراح الجراح، أحد أبرز مؤسسيها.

الكاتبة ، الكاتب: ريم نجمي

ما نوع الدعم الذي من الممكن أن تقدموه ككتاب سوريين للثورة في سوريا؟

نوري الجراح: هذا الدعم له أكثر من مستوى. فعمل الرابطة، في صيغتها المؤقتة، يقوم على مجموعة من اللجان واحدة منها اللجنة الحقوقية. وهو ما فرضته الضرورة الملحة، لأن سوريا بأسرها اليوم حالة حقوقية، بمعنى أن هناك تنكيل وتعذيب وقتل شمل من جملة من شمل الكتاب والصحفيين والمدونين المساندين للثورة. بعض هؤلاء خرج من الاعتقال والبعض الآخر مازال موجودا في السجن. وإحدى مهمات اللجنة الحقوقية توثيق حالات الاعتقال والاضطهاد وتسمية المعتقلين وإسماع صوتهم وصوت ذويهم والضغط على النظام السوري لإطلاق سراحهم.

هل هناك لجان أخرى؟

هناك لجنة إعلامية ستناط بها مهام شتى كجمع تراث الثورة السورية وأدبياتها، بما في ذلك البيانات واليوميات والشعارات والأشعار والفيديوهات وشتى النصوص التي عبرت عن الشارع السوري في انتفاضته العارمة ضد النظام الاستبدادي. وستستعمل هذه الوثائق مستقبلا في المحاكم، محلية كانت أو دولية، لتجريم القتلة ومحاسبتهم على الجرائم التي ارتكبوها بحق شعبنا. وستكون للجنة الإعلامية أدوار أخرى منها صياغة ونشر بيانات الكُتاب ومواقفهم وآرائهم في إطار المساندة الشاملة لثورة شعبهم، وإيصال أصواتهم التي ستشكل قوة ضميرية وأخلاقية هائلة موجهة ليس فقط ضد السلطة الغاشمة وحدها، ولكن أيضا، ضد كل محاولة انحراف عن أهداف الثورة أيا كان مصدرها بما في ذلك المجلس الوطني السوري المعارض نفسه.

نحن لا نريد للسياسيين أن يستأثروا بمفردهم بالعمل الوطني في هذه اللحظة الفارقة والخطرة من حياة شعبنا. على الشعراء والكتاب والفلاسفة السوريين أن يكونوا في طليعة النضال للخلاص من الديكتاتورية البشعة التي استباحت شرف السوريين وأجسادهم وأرواحهم وحرياتهم وأعملت فيهم آلات القتل الوحشي. هذه الرابطة تريد أن تقول أن لا مجال بعد اليوم لأي موقف أو منطقة رمادية يقف فيها الشاعر والكاتب والمفكر السوري، إما نحن مع شعبنا، الآن، وعلى الفور ومن دون أي تأخير، في جبهة الحرية أو نحن في جبهة القتلة، لابد من الاختيار. إن مصير الشعب السوري بأسره ومستقبل جميع السوريين ستحدده نتائج هذه المعركة. علينا نحن أهل القلم والفكر أن نكون حاسمين في موقفنا من السلطة القاتلة، نقديين بإزاء السياسيين المعارضين الذين اخذوا على عاتقهم قيادة الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية. سنملك بامتياز أن نكون رقابة الضمير عليهم. فلا حياد عن الأهداف التي قررها شعبنا في شوارع الشهادة لأجل الحرية.

يعني تريدون لعب دور المراقب للسياسيين؟

المراقب والناقد والمرجع الأخلاقي والضميري للشعب السوري. والرابطة من الآن ضمت أسماء من أكبر مفكري سوريا وكتابها وشعرائها كالطيب التيزيني وصادق جلال العظم، وسليم بركات، وعلي كنعان، ومحمد شحرور، ورفيق شامي، وخيري الذهبي، وعائشة أرناؤوط، وعبد الرزاق عيد، وياسين الحاج صالح، وشوقي بغدادي ومها حسن، وفؤاد كحل، وبرهان غليون، وفرج بيرقدار، وعبد الباسط سيدا، وخلدون الشمعة وجودت سعيد، وفواز حداد، ومنذر مصري وفاروق مردم بك، وخليل نعيمي، وروزا ياسين حسن، وميسيل كيلو، ومصطفى خليفة، وكثيرين غيرهم ممن طالما كانوا كتابا أحرارا وممن نالهم الاعتقال والاضطهاد والنفي، وكانوا في طليعة الكتاب المناضلين لأجل الحرية والديمقراطية والمجتمع المدني.

كيف استطعتم جمع كل هذه الأسماء الأدبية والفكرية؟

صورة لموقع رابطة الكتاب السوريين

​​دم السوريين في الشارع هو الذي ناداهم، وليست كلماتي أنا أو كلمات زملائي الذين بادروا إلى التأسيس. الدم السوري فاض وصار نهرا، وصار لا يمكن التغاضي عن هذا النهر المراق في شوارع سوريا وفي كل بلدة ومدينة من أقصى بلادنا العزيزة إلى أقصاها. هذا الدم هز ضمائرنا، وإذا لم يكن لهذه الضمائر دور اليوم، فمتى سيكون؟

من أين أخذتم الشرعية في تأسيس الرابطة نيابة عن الكتاب السوريين؟

كما عبرنا في أدبيات الرابطة خلال الأيام القليلة الماضية، تعتبر الرابطة نفسها استمرارا لتقاليد الحياة الثقافية السورية التي حاول الاستبداد أن يئدها، كما تعتبر نفسها تعبيرا ضروريا عن الحراك الثوري الراهن في سورية، وهي تستمد شرعيتها من الاستجابة الكبيرة من جانب بعض أبرز الكتاب السوريين في تلبية الانضمام إلى الرابطة. لكننا مع ذلك نطرح هذه المشروعية التي نمثلها كإطار مفهومي يمكن، ويجب مناقشته، في إطار ديمقراطي يختلف عن مشروعية اتحاد الكتاب العرب المستمدة من أجهزة استبدادية غير ديمقراطية.

إذا كان اتحاد الكتاب الرسمي يمول من طرف الدولة، كيف ستمولون أنتم رابطتكم؟

نحن نمول رابطتنا من جيوبنا الخاصة. ولا نريد من أي أحد، وهذا أقوله باسم جميع أعضاء الرابطة، لن نقبل بأي دعم حكومي من أي جهة كانت. ثانيا لن نقبل من أي جهة كانت أي دعم يمكن أن يكون مشروطا، حتى لو كانت هذه الجهة مستقلة. من شروط العضوية في الرابطة دفع الاشتراك. فهي رابطة أهلية وليست رسمية. وبالتالي سنعمل من خلال ما يتوفر لنا من قروش قليلة على تسيير الرابطة وفق أخلاقيات الماضي القريب حيث كانت تبرعات الأعضاء كافلة لنزاهة النادي الأهلي أو المؤسسة الأهلية. وبعد أن تضع هذه المذبحة أوزارها، ونحن على ثقة من أن شعبنا سينتصر في النهاية، سيجري تنظيم عمل الرابطة كجمعية نفع عام أهلية في سوريا الجديدة.

وهل تعتقد أن هذا تمويل كاف؟

لا، لا يكفي، لذلك يمكن أن نقبل مساعدات عينية أو غير عينية من أبناء المجتمع السوري ممن هم ميسورين ويوجدون في أوروبا وفي العالم العربي، هؤلاء سيكونون مطالبين ليس فقط بدعم رابطة الأدباء، لكن بدعم كل الأطر الديمقراطية التي تمهد لإقامة مجتمع مدني في سوريا. وفي هذا السياق، أنا أدعو النساء السوريات أن يحذين حذونا وينهضن إلى تشكيل رابطة حرة للنساء السوريات، وأدعو الصحفيين إلى تشكيل رابطة للصحفيين الأحرار على شاكلة رابطتنا، وكذلك أدعو الفنانين السوريين، ونحن نعرف أن العديد منهم انشقوا عن البنية الثقافية للنظام، وهناك عدد من الأسماء التي نعتز بها لكونها انحازت إلى الثورة.

جاء في بيانكم التأسيسي أن "نظام الحزب الواحد شل المكانة الثقافية والأدبية لسورية". لكن سوريا كانت لها دائما مكانة أدبية رفيعة بفضل مثقفيها وأدبائها الذين انضم الكثير منهم إلى رابطتكم.

هناك فرق بين الحياة الأدبية والفكرية المشلولة والمكبلة والمعوقة عن العمل في داخل سوريا وبين نشاط المفكرين والأدباء الذين يعيشون في المنفى الأوروبي والعربي. نحن موجودون، وبعضنا في مواقع مهمة، ليس بفضل إمكانيات بلدنا أو دعم مؤسساته الثقافية لنا (هي مؤسسات طالما حاربت وجودنا المستقل) ولكن بفضل إمكاناتنا الفكرية والإبداعية الخاصة ونشاطنا الشخصي، وبفضل الإمكانات المتاحة لنا في الأماكن التي نوجد فيها. هؤلاء الكتاب بإمكانياتهم الخاصة أعطوا لبلادهم في العالم حضورا مميزا. لكن عندما تتحرر سوريا من الوضع الأليم الذي كبلها به الاستبداد سترين الطاقات السورية الكبيرة، وسوف تتجاوز بجمالها وخبراتها وقدرتها على الابتكار كل ما عرف عن سوريا المبدعة حتى الآن.

إلى جانب دور الرابطة في دعم "الثورة السورية"، هل لديكم مشروع أدبي وثقافي معين؟

نحن اعتبرنا من البديهيات أن ما ينشر وما يتداول، وما يُعتبر كتابة تستحق الظهور على موقع الرابطة وفي منشوراتها التي سنعمل على إصدارها، هي الكتابة التي حازت على مستوى أدبي مهم. نحن لن ننشر شعرا أو أدبا أو فكرا دون المستوى، لمجرد أنه كتابة مساندة للثورة. طبعا هناك حالة طارئة يمكن أن نقبل فيها بعض النصوص الفائضة بحرارة وألم الوضع الراهن في بلادنا، لكن هذا لا يعني أن يكون هناك إخلال بالمستوى. مشروعنا هو مشروع ديمقراطي أي إحياء البعد الديمقراطي في الثقافة السورية. إحياء قيم التواصل والشعور بالغنى، بسبب الاختلاف وإعادة الاعتبار إلى لغات غيبت كالكردية والآشورية والسريانية وهي جزء لا يتجزأ من تكويننا الثقافي، ومن ثرائنا الإبداعي والروحي.

نريد كذلك أن نلعب دورا في إعادة المجتمع المدني المخطوف والمغيب لعقود إلى أهله في سوريا بعدما غيبته زنازين القهر وسياسات الإقصاء، والغرف السرية التي مارست على السوريين أبشع ما عرفه العرب من قمع وإذلال.. نحن إذن مع الفكر التحرري ضد الفكر الواحدي و مع رؤى الفكر المتعددة. الرابطة ستكون أول وليد ديمقراطي للثورة السورية لأن الدخول إليها والممارسة من داخلها ستكون عبر الانتخاب، هناك انتخابات داخل الرابطة على مرحلتين ستبدأ في 10 من يناير/ كانون الثاني الجاري وستنتهي في الخامس والعشرين منه. هذا ما نريده وهذا ما سنقوم به، وفاء لشوارع الحرية ولنهر الدم المبدع الذي خلق فرصة المستقبل لسوريا التي طالما حلمنا بها.. وسكنت خواطرنا جميعا.

 

 

أجرت الحوار: ريم نجمي
 

حقوق النشر: دويتشه فيله 2012

 مراجعة: أحمد حسو