ثقافة الكراهية بين اليسار والإسلاميين سبب انسداد الأفق السياسي في تونس

برغم تعامله غير المباشر مع المواطن التونسي، الذي يخاطبه عبر السكايب وقناة المستقلة، يعتبر رئيس تيار المحبة محمد الهاشمي الحامدي المقيم في لندن من الفاعلين السياسيين في تونس، إذ تمكن في انتخابات أكتوبر 2011 من الفوز بـ 26 مقعدا في المجلس الوطني التأسيسي بعد حزبي حركة النهضة و المؤتمر من أجل الجمهورية. في حواره مع محمد بن رجب يتحدث السياسي التونسي عن عمق الأزمة في تونس و "تحصين الثورة " وحكومة علي العريض وترشحه إلى رئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة.

الكاتبة ، الكاتب: محمد بن رجب

يشدد محمد الهاشمي الحامدي في مقابلة مع موقع قنطرة على أنّ "جوّ الكراهية والعجز عن التعايش بين اليسار والإسلاميين بقوة وراء الأزمة الحالية في تونس"، مضيفا أنّ "النخب التونسية التي تعرف فرنسا جيدا، وقرأت عن الديمقراطية، تتجاهل ما هو متعارف عليه في التجارب الديمقراطية."

وأشار الحامدي إلى أنّ "الجهات الانقلابية في مصر ربما تكون ذات مصلحة ظاهرة في حصول انقلاب مماثل على الإرادة الشعبية والتقاليد الديمقراطية في تونس"، مؤكدا أنّ "تونس في دائرة الخطر " وموضحا أنّ "ما سهل الانقلاب في مصر هو العداوة القوية بين اليساريين ومن يسمّون بالعلمانيين من جهة والإسلاميين من جهة أخرى. وهذه المشكلة أقوى وأخطر في تونس مما هي في مصر ".

وقال مشدّدا على عمق الأزمة بين التيارات الإسلامية و اليسارية: "حتى لو أراد الأصدقاء المساعدة، فلن يكون لمساعدتهم جدوى إذا لم تقبل التيارات اليسارية والإسلامية بالتعايش والاحتكام لصناديق الاقتراع والرضا بنتائجها."

وهذا نص الحوار كاملا:

 بعد نجاحكم في انتخابات 23 أكتوبر 2011 مررتم بفترة من الصراع مع حركة النهضة، لكن الأيام الأخيرة شهدت تغيّر الإستراتيجيات وعدتم إلى الحضن الدافئ اعتبارا إلى أنّ بدايتكم كانت مع " الاتجاه الإسلامي" ( حركة النهضة حاليا ). فلم هذا التحوّل في إستراتيجية حزبكم؟ وهل فرضته الأزمة التي تعيشها تونس أم هي عودة طبيعية إلى الأصل؟

الحامدي: كل ما جرى أنني عارضت الانقلاب في مصر واعتبرته انقلابا على الديمقراطية وصناديق الاقتراع وإرادة الشعب. وفي تونس حذرت الشعب التونسي من احتمال تكرار السيناريو المصري في بلادنا، لأن بعض الساسة مؤيدون علنا ورسميا للانقلاب في مصر وسياساته.

أنا مستغرب ومندهش من الذين يفسرون موقفي هذا بأنه تقرب من النهضة. هل يريدون مني تأييد انقلاب في تونس؟ كيف يتوقعون ذلك مني وأنا أعيش في أعرق الديمقراطيات في العالم منذ 27 عاما، وأعلم أن الحكومة المنتخبة، حتى في حال كانت فاشلة 100 في المائة، يتم تغييرها بالانتخاب لا بالانقلاب. موقفي لا يعني التقرب من النهضة، وإنما الدفاع عن الإرادة الشعبية والتقاليد والمبادئ الديمقراطية. كما أنني مازلت أرفع راية تيار المحبة كبديل سياسي يحكم تونس ويحقق تطلعات شعبها في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

أزمة حادة في تونس
يشدد محمد الهاشمي الحامدي في مقابلة مع موقع قنطرة أنّ "جوّ الكراهية والعجز عن التعايش بين اليسار والإسلاميين بقوة وراء الأزمة الحالية في تونس" مضيفا أنّ "النخب التونسية التي تعرف فرنسا جيدا، وقرأت عن الديمقراطية، تتجاهل ما هو متعارف عليه في التجارب الديمقراطية."

 على ذكر الأزمة، ما هي رؤيتكم لما يحصل في تونس؟ و أين أنتم منها من خلال التنسيق مع الفرقاء السياسيين؟

الحامدي: يوجد جو من الكراهية والعجز عن التعايش بين اليسار والإسلاميين، وهذا يقف بقوة وراء الأزمة. أنا خارج هذا التصنيف، وتيار المحبة يشبه الحركة الدستورية في مرحلة التحرر الوطني من الاستعمار. نحن تيار وطني وسطي ديمقراطي يريد المساهمة في ترسيخ ثقافة التعايش والمحبة والقبول بحق الاختلاف بين أبناء الوطن الواحد وبناته.

بالنسبة للتنسيق مع الفرقاء، كان لنا لقاء مع الأخ حسين العباسي الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل، وقبله مع تيارات ممثلة في المجلس التأسيسي. نحترم الجميع ونعرض عليهم رؤيتنا للحل، وهي التوجه للانتخابات التشريعية المبكرة. 

أي دور تلعبه بعض القوى الإقليمية والخارجية من أجل عرقلة المسار الانتقالي في تونس؟

الحامدي: ليس لدي معلومات مؤكدة. ربما تكون الجهات الانقلابية في مصر ذات مصلحة ظاهرة في حصول انقلاب مماثل على الإرادة الشعبية والتقاليد الديمقراطية في تونس، لتكثر الانقلابات ولا يكونوا وحدهم محل مؤاخذة وانتقاد.

 المعارضة تطالب بإعلان حلّ الحكومة قبل الدخول في الحوار مع الترويكا الحاكمة . فكيف يبدو لكم المخرج من الأزمة الحالية ؟

الحامدي: أستغرب أن النخب التونسية التي تعرف فرنسا جيدا، وقرأت عن الديمقراطية، تتجاهل ما هو متعارف عليه في التجارب الديمقراطية. عندما تفشل حكومة منتخبة، أو تحصل أزمة سياسية حادة، يكون الحل بالرجوع إلى الشعب من خلال انتخابات مبكرة. أظن أن هذا أفضل وأسلم حل للأزمة، وهو المتوافق مع التقاليد الديمقراطية في العالم.

يمكن أن نعتمد القانون الانتخابي الذي انتخب على أساسه المجلس التأسيسي، ونوكل الإشراف على الانتخابات للهيئة الجديدة التي انتخب المجلس التأسيسي ثمانية من أعضائها قبل اغتيال الشهيد محمد براهمي رحمه الله. بهذا لا حاجة لحل الحكومة، لأن الانتخابات ستكون تحت إشراف الهيئة بالكامل، وسيكون لدينا برلمان جديد قبل نهاية السنة، ولايته خمس سنوات، وهو يختار حكومة جديدة، ويستكمل كتابة الدستور، وكما يقول التونسيون: يا ناس ما كان بأس.

 الإتحاد العام التونسي للشغل ( أكبر منظمة نقابية ) يسيّر المفاوضات وسيطا بين الأطراف المتصارعة .  أوّلا، هل يحمل الإتحاد فعلا صفة الوسيط المحايد حتى ينجح في مفاوضاته؟ وثانيا، لماذا لم يستطع تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف؟

الحامدي: عدد من الساسة يرون أن لليسار عامة، والجبهة الشعبية خاصة، تأثير قوي على الإتحاد. وعزز هذا الانطباع مشاركة الهياكل النقابية في تحركات جبهة الإنقاذ المعارضة ومظاهراتها واعتصاماتها. من مصلحة الأخ حسين العباسي الأمين العام وزملائه في المركزية النقابية أن يتخذوا من الإجراءات ما يبدد هذا الانطباع.

أما فشل المفاوضات فأكبر من الإتحاد. إنه يعود كما قلت آنفا لجو من الكراهية والعجز عن التعايش بين اليسار والإسلاميين. أخشى أن يؤدي هذا الجو لفشل الثورة والانتقال الديمقراطي في تونس كما أدى لذلك في مصر.

ما هي أبرز العراقيل التي تقف وراء فشل المفاوضات بعد أكثر من شهر من إعلانها؟

الحامدي: أطراف التفاوض مختلفة بالأساس على موعد حل الحكومة. وكنا نأمل أن يركز الجميع على تحديد موعد الانتخابات التشريعية المبكرة.

هل تتبنى تونس مصر مصر
الحامدي: "الجهات الانقلابية في مصر ربما تكون ذات مصلحة ظاهرة في حصول انقلاب مماثل على الإرادة الشعبية والتقاليد الديمقراطية في تونس"، مؤكدا أنّ "تونس في دائرة الخطر".

 وهل تجد الديمقراطية الناشئة في تونس مساندة من قوى إقليمية و خارجية لإنجاح المسار الانتقالي؟

الحامدي:ما حك جلدك مثل ظفرك. حتى لو أراد الأصدقاء المساعدة، فلن يكون لمساعدتهم جدوى إذا لم تقبل التيارات اليسارية والإسلامية بالتعايش والاحتكام لصناديق الاقتراع والرضا بنتائجها.

كيف يبدو التقارب الأخير بين راشد الغنوشي (حركة النهضة) و الباجي قاد السبسي (حزب نداء تونس) ؟ وهل تمّ فعلا إبرام صفقة بين الشيخين مثلما تمّ الترويج له ؟

الحامدي: ليس لدي من المعطيات ما يمكنني من الجواب على هذا السؤال.

 صنّفت رئاسة الحكومة و وزارة الداخلية بتصنيف تيار أنصار الشريعة منظمة إرهابية. فما رؤيتكم لهذا التصنيف؟

الحامدي: كل من يستخدم العنف في السياسة، ويبرر لنفسه قتل سياسيين مخالفين في الرأي، فهو في دائرة الإرهاب المدان والمحظور في أي مجتمع ديمقراطي متحضر.

وأين تونس من السيناريو المصري وانقلاب العسكر؟

الحامدي: تونس في دائرة الخطر. ما سهل الانقلاب في مصر هو العداوة القوية بين اليساريين ومن يسمّون بالعلمانيين من جهة والإسلاميين من جهة أخرى. وهذه المشكلة أقوى وأخطر في تونس مما هي في مصر. لذلك نسأل الله الستر والسلامة لبلادنا وثورتها وتجربتها الديمقراطية. الوضع حساس وصعب وخطير.

كيف تقيّم أداء حكومة علي العريض بعد نحو سبعة أشهر من العمل؟

الحامدي: تونس في أزمة شاملة كما ترى. لقد نصحت الطبقة السياسية التونسية مباشرة، بعد الانتخابات، بالحرص على التوافق الوطني فاجتمعوا على إقصاء التيار الشعبي الكبير الذي أمثله. ونصحتهم بتقديم الأولويات الاجتماعية للناس، مثل الصحة المجانية ومساعدة العاطلين عن العمل، فقالوا إنني شعبوي. واليوم أنصحهم بالإنتخابات المبكرة وهم يتجاهلون نصحي. هذا أمر محزن لأنني نصحتهم بما فيه مصلحتهم ومصلحة البلاد وهم معرضون.

وفي أي إطار يدخل لقاء الرئيس الجزائري بوتفليقة بكل من الغنوشي والسبسي قبل أسبوع؟

الحامدي: يدخل في إطار تعريب الأزمة التونسية وتدويلها. هذا يعني أننا نسير في اتجاه تكرار تجربة لبنان ودول أخرى تسمى بجمهوريات الموز. لو أن سفير تونس تدخل في شأن داخلي جزائري لقامت الدنيا هناك ولم تقعد. وللأسف يحصل العكس والساسة التونسيون يتعاملون مع الأمر كأنه طبيعي وعادي.

 وهل ستتغير الخارطة السياسية عقب الانتخابات القادمة؟

الحامدي: أجيبك بسؤال: هل تتوقع انتخابات قريبة في تونس في ضوء استمرار الأزمة الراهنة؟

 هل أنت متفائل بمستقبل المسار الإنتقالي في تونس؟

الحامدي: المؤشرات القائمة تبين أن قطاعا معتبرا من التونسيين أصبح مستعدا للتخلي عن المسار الديمقراطي بسبب غضبه من أداء الحكومة، ومن تناحر الأحزاب السياسية المؤثرة. ما أقوله بوضوح: المسار الديمقراطي في تونس في خطر، والضوء في التقاطع المقبل أمامه أصفر، أو برتقالي، وغير معروف هل سيتغير إلى أحمر أو إلى أخضر.

حياة يومية صعبة في تونس
لتونسيون يعيشون اليوم حالة احباط جماعية بسبب الأوضاع التي تمر بها البلاد بينما يشعر الكثيرون بتغير مستمر في حياتهم اليومية نتيجة تغيرالأنماط المعيشية والتشريعات والقوانين والأوضاع الاقتصادية.

 بعد التخلّي عن شرط ازدواجية الجنسية، هل ستترشح إلى الإنتخابات الرئاسية القادمة ؟ وهل يمكنك الفوز دون دعم من حركة النهضة ؟

الحامدي: لنفترض أن الضوء أخضر، والديمقراطية نجت، ما هي صلاحيات رئيس الجمهورية في النظام السياسي الجديد؟ لدي أهداف معلنة، مثل ضمان التأمين الصحي لجميع التونسيين، وتوفير منحة بحث عن العمل بمائتي دينار شهريا لنصف مليون عاطل عن العمل، وتأسيس صندوق للتنمية والتشغيل، يساعد في تشغيل العاطلين عن العمل ويستثمر في المناطق المحرومة والمهمشة، وبنود أخرى معروفة في برنامجي. وإذا تبين أن صلاحيات رئيس الجمهورية لا تسمح له بالمساعدة في تغيير حياة الناس للأفضل، وتحقيق مطالب الفقراء الذين انتفضوا في سيدي بوزيد والقصرين والرديف وبن قردان وصفاقس وبقية أنحاء البلاد، فما الفائدة من الترشح؟.

هذا سؤال جوهري يجب أن أجيب عليه قبل اتخاذ قرار نهائي بالترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.

 وما رأيك في التخلّي عن شرط 75 سنة ؟

الحامدي: أوافق على حذف هذا الشرط. يجب عدم اقصاء الباجي قايد السبسي من الانتخابات الرئاسية.

 وماذا عن قانون تحصين الثورة؟

الحامدي: الثورة يحصنها العدل، وتحصنها الوحدة الوطنية، ويحصنها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزّا.

 

أجرى الحوار: محمد بن رجب

حقوق النشر: موقع قنطرة 2013

 

ولد الدكتور محمد الهاشمي الحامدي في ولاية سيدي بوزيد، مهد الثورة التونسية، و نال شهادة الإجازة في اللغة والآداب العربية من كلية الآداب بجامعة تونس عام 1985 ثم أكمل دراساته العليا في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، ونال منها درجة الماجستير عام 1990 متخصصا في الآداب العربية والتاريخ والدراسات الإسلامية المعاصرة. كما نال درجة الدكتوراه من قسم دراسات الشرق الأوسط في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن عام 1996 متخصصا في مجال الدراسات الإسلامية المعاصرة وعمل في الميدان الإعلامي منذ عام 1983. كما أسس الدكتور محمد الهاشمي الحامدي  حزب العريضة الشعبية للحرية والعدالة والتنمية وفي 22 مايو 2013 أعلن عن تأسيس تيار سياسي ينافس في الانتخابات المقبلة اسمه "تيار المحبة".