قانون الجنسية الألماني...تمييز مؤسساتي ضد المهاجرين الأتراك

انتقد مفوض حقوق الإنسان في الحكومة الألمانية ماركوس لونينغ قانون الجنسية الألماني، لأنه يجبر الشباب الأتراك المولودين في ألمانيا على الاختيار: إما بين جواز السفر الألماني أو التركي. وبهجومه على هذا القانون يسير لونينغ في اتجاه معاكس للخط الذي تنتهجه حكومة المستشارة ميركل حتى الآن، والتي يُعَد حزبه (الحزب الليبرالي) جزءاً من ائتلافها الحاكم. دانيل بروسلر أجرى معه الحوار التالي.

الكاتبة ، الكاتب: Daniel Brössler

لقد كان حلا وسطا، ذلك الذي يجبر الآن آلاف الشباب من أبناء المهاجرين في ألمانيا على اختيار معين. فمنذ عام 2000 أصبح هناك قانون يمنح أبناء المهاجرين المولودين في ألمانيا، منذ عام 1990، الحق في اكتساب جواز السفر الألماني. وبرغم أنه يمكنهم الاحتفاظ بشكل مؤقت بجواز السفر الألماني إلى جانب جواز سفر الدولة الأم، لكن عليهم أن يختاروا بين أحد الجوازين في موعد أقصاه بلوغهم سن الثالثة والعشرين، وأن يتخلوا عن إحدى الجنسيتين طالما كان الوالدان لا يحملان جنسية من جنسيات دول الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال.

منذ بداية هذا العام(2013) تحول عدد من الألمان بهذه الطريقة إلى أجانب. ويرغب الحزبان، الموجودان في الائتلاف الحكومي مع الحزب الليبرالي، وهما: حزب CDU (حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي) وCSU (حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي) في التمسك بهذا الإلزام على الاختيار.

وكان هذان الحزبان قد نجحا في تقنين هذا الحل الوسط مواجهَيْن بذلك خطط الحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD وحزب الخضر المعارضَيْن. وفي المقابل أعلن الحزب الاشتراكي الديمقراطي عن نيته في إلغاء هذا القرار في حالة فوزه في الانتخابات – ويؤيد هذا الموقف مفوض حقوق الإنسان بالحكومة الاتحادية وعضو الحزب الليبرالي FDP ماركوس لونينغ.

حينما يُجبَر الشباب بعد سن الـ 23 على التخلي عن جواز سفرهم الألماني؛ فهل هذا أمر يخص مفوض حقوق الانسان؟

ماركوس لونينغ: في البداية هذا ليس من اختصاص مفوض حقوق الإنسان بالحكومة الاتحادية، لأن مهمتي هي الاهتمام بحقوق الانسان في السياسة الخارجية. ولكن يدخل في هذا الصدد أيضا أن نكون ذوي مصداقية في سياسة حقوق الإنسان التي ندافع عنها في الخارج. نحن في حاجة إلى أن نمارس داخليا ما نصدره للعالم خارجيا. وهذا ينطبق أيضا على المساواة أمام القانون وتكافؤ الفرص للجميع والمشاركة الديمقراطية، وغيرها من جوانب حقوق الإنسان الأساسية.

فتاتان من مسلمات ألمانيا. دويتشه فيله
إلزام باختيار إجباري: يواجه الشباب الأتراك بصفة خاصة خيارا صعبا في كثير من الاحيان. فحتى عام 2017، سيتعين سنويا على عدد يترواح بين 3000 وحتي 7000 من الأبناء والبنات اختيار جنسية واحدة. أما بالنسبة لمواطني الاتحاد الأوروبي، فازدواج الجنسية أسهل بكثير.

​​

هل ترى أن هذه الحقوق قد انتهكت من قبل قانون الجنسية الألمانية؟

لونينغ: تكمن المشكلة الرئيسية في عدم المساواة في المعاملة بين الأشخاص المنحدرين من أصول مختلفة. فالأبناء من زيجات الألمان مع أجانب؛ وكذلك الأشخاص المنحدرين من دول الاتحاد الأوروبي أو الأشخاص من أصول ألمانية العائدين إليها مؤخرا من شرق أوروبا؛ لهم الحق في ازدواج الجنسية بدون صعوبات. في حين يُحرَم أشخاص آخرون من هذا الحق نفسه برغم أنهم ولدوا ونشأوا هنا في ألمانيا. وهذا ما اعتبره تمييزا في المعاملة.

أحفاد المهاجرين الألمان في الأرجنتين، الذين انقطعت كل علاقاتهم بألمانيا الآن يُستثنون من هذه المعاملة نظراً لأن أجدادهم القدامى كانوا ألماناً، ويجمعون بالتالي بين جواز السفرالأرجنتيني والألماني، ويمكنهم المشاركة في الانتخابات البرلمانية، في حين لا يستطيع المهاجرون الأتراك وأبناؤهم المشاركة في الانتخابات، على الرغم من أنهم يعيشون في ألمانيا ويدفعون الضرائب ويشاركون في الحياة الاجتماعية، وذلك لمجرد عدم رغبتهم في التخلي عن جوازات سفرهم التركية. أجد أن هذا أمر من الصعب تحمله.

وزير الداخلية هانز بيتر فريدريش من حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي أشار إلى حالة أحد مرتكبي الجرائم في برلين. هذا الشخص يجمع بين الجنسية الألمانية والتركية وهو الآن يتمتع بحماية في تركيا. فهل هذا مقنع بالنسبة لك؟

لونينغ: لماذا يجب أن نحاسب عددا لا حصر له من المواطنين على خطأ فردي؟ هذا لا يقنعني على الإطلاق.

هل تعتقد أن قانون الجنسية موروث ألماني؟

لونينغ: كان قانون الجنسية لدينا يتبع في الأصل مبدأ النسَب. ولكن في السنوات الأخيرة حققنا بعض الخطوات نحو مبدأ الأرض. كان ينبغي أن نستكمل هذا الطريق ونقول: إن من يقيم في بلدنا لديه أيضا الحق في المشاركة السياسية.

الجميع يجب أن يكون قادرا على المشاركة، الجميع يجب أن يكون قادرا على الانتخاب. هذا أيضا مطلب موجه إلينا نحن الديمقراطيين. فعن طريق التمييز في المعاملة نحرم حاليا مجموعة كبيرة من المشاركة في الانتخابات. حتى مع المهاجرين أصحاب المؤهلات، أرى أن من المهم أن نقدم لهم إمكانية منحهم الجنسية وحقوق المواطنة الكاملة مع الاحتفاظ بجنسياتهم الأصلية.

جواز سفر ألماني (يسار الصورة) وجواز سفر تركي (يمين الصورة). د ب أ
" الجميع يجب أن يكون قادرا على المشاركة، الجميع يجب أن يكون قادرا على الانتخاب ": بدفاعه القوي عن قانون دائم يسمح بازدواجية الجنسية، يخالف ماركوس لونينغ موقف ائتلاف اللونين الأسود والأصفر (ائتلاف المسيحيين والليبرايين). ويرفض حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي حزب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تعديلاً للقانون الحالي يسمح بازدواجية الجنسية.

​​

ألا تخشى من تضارب الولاءات؟

لونينغ: لا أرى مشكلة في أن يشعر الناس بالارتباط بأصولهم أو بأصول آبائهم. فأنا أشعر بارتباطي بمنطقة "إمسلاند" حيث ولدت، ولكني لم أعش بها سوى عام واحد. وأشعر بارتباطي بلوكسمبورغ، حيث كنت أعيش في شبابي. وبنفس الطريقة يشعر الآخرون بالارتباط ببلدان أبائهم. أنا لا أرى مشكلة الولاء هذه. فأصول الآباء هي جزء من هوية كل شخص منا. كما يضايقني توجيه هذا السؤال لأشخاص دون غيرهم. علينا أن نكون أكثر هدوءاً في التعامل مع هذا الأمر.

ما هي مقترحاتك؟

لونينغ: إذا افترضنا أنه من حق كل فرد المشاركة في العملية الديمقراطية، فعلينا إذن مواصلة تسهيل إجراءات التجنس، وألا نقلق أنفسنا كثيرا بالخوف من ازدواجية الجنسية. يجب أن تكون رسالتنا: يمكننا أن نتقبل فكرة أن يكون للشخص جواز سفر ثان وأن يشعر بارتباطه بأرض الآباء، ومن المهم أن يتمتع لدينا بحقوق المواطنة الكاملة.

ولكن هذا ليس الخط الذي ينتهجه حزبك، الحزب الليبرالي، أليس كذلك؟

لونينغ: المساواة أمام القانون خط أساسي من خطوط الليبرالية، التي أمثلها كمفوض لحقوق الإنسان، شأني في ذلك شأن العديد من أصدقائي في الحزب. وألاحظ خلال أسفاري الخارجية أننا نواجَه باللوم بسبب قانون الجنسية الألماني. هذه هي مساهمتي عند الحديث عن هذه المسألة حتى داخل حزبي.

هل تعتقد أن قانون الجنسية في حاجة إلى الإصلاح في مرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية؟

لونينغ: صحيح. وأعتقد أننا في حاجة إلى هذا الإصلاح. كانت هناك خطوات إصلاح ناقصة في السنوات الأخيرة. ونحن الآن في حاجة إلى إصلاح كامل.

 

أجرى الحوار: دانيل بروسلر
ترجمة: صلاح شرارة
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: زود دويتشه تسايتونغ/ قنطرة 2013

ماركوس لونينغ، عمره 52 عاما، يعمل منذ عام 2010، مفوضا لحقوق الإنسان بالحكومة الألمانية الاتحادية. في الفترة بين عام 2002 وعام 2009 كان عضوا بالبرلمان الألماني، وتولى مهمات عدة آخرها منصب متحدث في الشأن السياسي الأوروبي في الكتلة البرلمانية لحزبه. حتى عام 2011 كان لونينغ عضوا في الهيئة العليا للحزب الليبرالي.