"العراق ليس ساحة لتنافس الآخرين"

في إطار زيارته مؤخراً إلى ألمانيا تحدث رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى دويتشه فيله عن فرص تطور بلاده ومهام حكومته، إضافة إلى علاقات العراق بدول الجوار وآخر تطورات الاتفاقية الأمنية المزمع توقيعها بين بغداد وواشنطن. محمد إبراهيم التقى السياسي العراقي وأجرى هذا الحوار.

في إطار زيارته مؤخراً إلى ألمانيا تحدث رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى دويتشه فيله عن فرص تطور بلاده ومهام حكومته، إضافة إلى علاقات العراق بدول الجوار وآخر تطورات الاتفاقية الأمنية المزمع توقيعها بين بغداد وواشنطن. محمد إبراهيم التقى السياسي العراقي وأجرى هذا الحوار.

صورة رمزية لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الصورة: د.ب.أ
رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي

​​دويتشه فيله: من الملاحظ أن الوضع الأمني في العراق بدأ يتحسن بشكل مضطرد، فما هي العوامل التي ساعدت على تحقيق ذلك وهل يمكن القول أن العراق في طريقه لاستعادة وضعه الطبيعي؟

نوري المالكي: بالتأكيد، فقد بدأت العودة إلى الوضع الطبيعي، والعوامل التي ساعدت على ذلك أولاً قبح أعمال القاعدة والمليشيات والخارجين عن القانون، وثانياً تذكر العراقيين لوحدتهم وعلاقاتهم الطيبة رغم اختلاف مكوناتهم المذهبية والطائفية. كما أن الحزم الذي كانت عليه حكومة الوحدة الوطنية والعدالة في مواجهة كل الخارجين عن القانون بدون تمييز طائفي، طمأن الجميع بأنهم أمام دولة لا تميز بين أبنائها، وكذلك الخطط الأمنية، التي وضعت وتحملنا أعبائها –وكانت كبيرة. كما كان لقوات التحالف دور كبير في هذه العملية، لكن البناء الجديد لأجهزتنا الأمنية والشرطة والجيش وتطهيرها من المليشيات هو الذي جعلها أكثر مهنية وأكثر وطنية واستعداداً. لذلك أبلت هذه القوات بلاءً حسناً في التصدي لأكثر التحديات التي كانت موجودة على الأرض العراقية.

يكثر الجدل في الآونة الأخيرة حول الاتفاقية الأمنية المزمع توقيعها مع الولايات المتحدة الأمريكية، فهل ستلحظ هذه الاتفاقية تحديد جدول زمني أو موعد لانسحاب القوات الأمريكية من العراق؟

المالكي: الحوار ما يزال مستمراً بين الجانبين العراقي والأمريكي. وكانت البداية على شكل أوراق ومسودات، وكان سقف المطالب - المرفوضة من قبلنا- عالية، وكذلك المطالب المرفوضة من الجانب الآخر. لكن نضج الظروف وتطور الأوضاع السياسية، وما حدث في الأمس بعودة الوزراء، الذين انسحبوا من الحكومة واكتمال البنية السياسية والنجاحات الأمنية، وضعتنا هذه العوامل جميعاً أمام مهمة لا بد منها، لان وجود القوات بسقف مفتوح وبلا حدود لا يمكن أن يكون مقبولاً. لذلك وصلنا إلى حوار جرى في اليوم الأمس وسيجري في الغد بشكل مكثف لتحديد قضية السقف الزمني لوجود القوات وكيفية انتقالها إلى مرحلة الانسحاب. وما يزال هذا الحوار جارياً، وهو في الحقيقة مبدأ كل القوى الوطنية. بل وحتى على جانب قوات التحالف توجد قناعة بأن وجود القوات على الأرض العراقية يجب أن يكون مرهوناً بسقف زمني محدد، تحال فيه الأمور جميعاً إلى القوات العراقية التي تنمو بشكل سريع.

هل تعتقدون أن الظروف والمعطيات باتت مهيأة الآن أمام الشركات الأجنبية والألمانية للمجيء إلى العراق والمشاركة في مشاريع إعادة الإعمار؟

المالكي: أريد فقط أن أقدم قراءة. أنا شخصياً ذهبت إلى اليابان وكوريا ودول أخرى وطلبت مجيء شركاتهم لبناء محطات الطاقة الكهربائية وتصفية الوقود والاستثمار في قطاع النفط، لكن لم تأت معي شركة واحدة. فقد كانت الحكومات تمنع شركاتها من الذهاب إلى العراق بسبب الظروف الأمنية. لكن المراقب يستطيع أن يلحظ أن وزراء اقتصاد وصناعة لدول كبيرة مثل اليابان وألمانيا وأمريكا وبريطانيا وشركات عملاقة كبرى مثل جي. أي وسيمنس الألمانية دخلت الأرض العراقية وبدأت تتنافس في مختلف المجالات. واهم المجالات التي تعنينا مجال توليد الطاقة الكهربائية والنفط، لما يترتب عليها من تطوير للزراعة والصناعة. وهذا الإقبال من قبل الشركات يعني أنها مهتمة بالسوق العراقية. لكن تعرفون أن رأس المال خواف –لا أريد أن أقول جباناً- ولا يقبل إلا إذا وجدت الأرضية المناسبة، ونحن صنعنا هذه الأرضية من الناحية الأمنية ومن خلال إنشاء هيئة الاستثمار التي تقدم الحماية للاستثمارات والشركات ورأس المال في جميع محافظات العراق. الآمر الذي يقدم بيئة مناسبة من الناحية الاستثمارية. واعتقد أن الوقت قد حان لذلك.

ولكن هناك مئات الآلاف العراقيين النازحين إلى الخارج، لا تعتقدون أن عودة هؤلاء أولا تسهم في طمأنة الشركات وفي مجيئها إلى العراق؟

المالكي: أريد أن أقول فقط لماذا يجمد الإعلام عند رقم مبالغ فيه وغير دقيق، ولا ينظر إلى عودة العائلات النازحة بشكل يومي بالآلاف. فالعودة إلى الأرض العراقية كبيرة جداً، ونحن سهلنا عودتهم من خلال توفير الظروف الآمنة. ومنحناهم المساعدات ووفرنا لهم إمكانية العودة. فالعراقيون يحبون أرضهم وبلدهم، لذلك فإن العودة إلى العراق كبيرة جداُ، سواء كان من المهاجرين في الخارج أو النازحين داخل العراق. كما وضعنا سقفاً زمنياً وأعلنا انتهاء مشكلة اللاجئين والمهجرين خلال ستين يوماً.

أما رغبة بعض العراقيين بالهجرة إلى بلاد أخرى للدراسة والعمل والاستثمار أو لأي سبب كان، فهذا من الأمور المشروعة ولا نعيقهم من ذلك. ودورنا هو إزالة العوامل التي تسببت في الهجرة وأكبرها الوضع الأمني. وبتحسن الوضعين الأمني والاقتصادي أصبح المهاجرون يأمنون عند عودتهم على أنفسهم وعائلاتهم ويجدون أمامهم فرص العمل.

لنتحدث عن الدور الإيراني، كيف يمكن وصف الدور الإيراني في العراق؟ هل هو عامل مساعد على الاستقرار أم أن إيران تعتبر أن العراق ساحة خلفية للمواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية؟

المالكي: هناك خلاف أمريكي- إيراني، لا أحد يستطيع أن ينكر ذلك، وهناك جدل وتهديدات ومحاولات حل دبلوماسي وسياسي والقضية ما تزال مفتوحة وتحتاج إلى حديث طويل. لكن وضع العراق الضعيف والممزق، والذي يتحول بسهولة إلى ساحة للآخرين، يشجع كل دولة سواء كانت إيران أم غير إيران كي تكون حاضرة في هذه الساحة أسوة بالآخرين، ولكن باستعادته لقوته ووحدته الوطنية وقوة الحكومة أعطى العراق رسالة واضحة تتمثل في أن العراق ليس ساحة للتنافس. فليتنافسوا في أي مكان آخر غير العراق. ونحن لا نسمح لأي دولة أن تتخذ من الأرض العراقية مجالاً لضرب الآخرين أو تصفيه حساباتها معهم. والتطور الذي حصل في البلد –وأقصد هنا الوحدة الوطنية والنجاحات الأمنية- جعلنا اليوم نفكر في إعادة ترتيب العلاقات مع دول الجوار. ونتجه الآن إلى ترتيب وترميم هذه العلاقات على أساس المصالح المشتركة، وعلى أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية. علماً أن الدستور العراقي يمنعنا من التدخل في شؤون الآخرين ويمنع قبول تدخل الآخرين في شؤوننا، كما يمنع من اتخاذ الأرض العراقية مكاناً للإضرار بدول الجوار. ونؤمن أن المنطقة بحاجة إلى منظومة أمنية متكاملة. كما حصلت قناعة لدى دول الجوار ومنها إيران في أن من الضروري أن يكون هناك حوار لحل العديد من المشكلات، فبين العراق وإيران مسألة حرب لمدة ثماني سنوات، وهناك اتفاقية وقعت عام 1975. إضافة إلى مشكلات حدود ومياه، ورثناها عن النظام السابق. والآن بدأت فرق العمل المشتركة في التحرك لحل كل هذه المشاكل وترتيب علاقة متكافئة بمصالح مشتركة.

ترددت الدول العربية كثيراً في إعادة فتح سفاراتها في العراق، والآن عادت ولكن بشكل خجول نوعاً ما، فكيف تفسرون هذا التردد وهذه العودة؟

المالكي: ربما كان التردد له مبرراته، بعضها أمنية وبعضها تتعلق بتصورات أن العراق وقع تحت حكم دولة أخرى مثل إيران، أو أنه أصبح ساحة للنفوذ الأمريكي ولن يعود، إضافة إلى جملة من المبررات الأخرى. ونحن لا نقبل بذلك. فالذي يتحدث عن ضرورة عودة العراق إلى محيطه العربي، يجب أن يكون موجوداً ومالئا للفراغ، لا أن يخلي الساحة للآخرين، ثم يشتم الآخرين لماذا انتم موجودين في الساحة؟ هذه المبررات انتهت تقريباً. وإذا كان البعض يعتقد بان الحكومة طائفية، فقد ثبت له العكس. وإذا كان البعض يعتقد بان الحكومة تريد إبقاء القوات الدولية للإضرار بأمنها، فأن الحكومة العراقية لا تريد إبقاء هذه القوات. كما أنها لا تريد أن تضر بأمن الدول المجاورة. لقد انتهت هذه المبررات المذكورة وغيرها. لذلك كانت العودة قوية بمبادرات من الأردن والإمارات العربية المتحدة ومن الكويت والبحرين. وكانت هذه العودة مصحوبة بكلام لا يدل على الندم بشكل أكبر من التعبير عن الاعتزاز بالعراق. وشجع نجاح التجربة العراقية ووفر الفرص لفتح الدول العربية لسفاراتها في العراق. لكننا ما نزال نطمح إلى المزيد من العلاقات الأخوية مع الدول العربية.

أجرى الحوار: محمد إبراهيم
حقوق الطبع: دويتشه فيله 2008

قنطرة
الاستفتاء على مسودة الدستور العراقي:
تجربة ديموقراطية ناجحة
حتى قبل ظهور النتائج الرسمية للاستفتاء على مسودة الدستور، فمن الواضح أن الطريق الآن أصبح مفتوحا أمام انتخابات برلمانية دستورية في العراق، حسب رأي المعّلق.

الجامعة العراقية:
ارث الماضي، وفوضى الصراعات الراهنة
تحولت الجامعة العراقية بين عشية وضحاها من حرم لحضور رمز السلطة الواحد الى حرم لرموز سياسية ودينية شتى. تقرير أحمد السعداوي من بغداد.

اللاجئون العراقيون في ألمانيا:
إنني مندمج هنا"
ينزح حوالي 50 ألف عراقي شهريا خوفا من الأحوال التي تشبه الحرب الأهلية في العراق. وفي نفس الوقت تُسقط الحكومة الألمانية حق اللجوء عن اللاجئين العراقيين المقيمين في ألمانيا وتتفاوض مع الحكومة العراقية والحكومة المحلية في شمال كردستان حول ترحيلهم. تقرير بقلم بيآته هينريشس